مخاوف المصالحة والانقسام كما يراها السوريون
انقسم السّوريّون في الفترة الأخيرة، من مؤيّدين ومعارضين، ما بين مشجّع على المصالحة وبين رافض لها. لكلّ أسبابه ومبرّراته.
هناك من يرى أنّ المصالحة خيانة لدماء الشهداء. يقول محمد: "كيف لنا أن ننسى شهداء جسر الشغور وحماه؟". وهناك من يرى أنّ هذه المصالحة ما هي إلا تضييع للوقت ولن تصمد طويلاً بحجّة أنّ "حجم الشرخ الذي حدث بين السوريين أكبر من أن يتمّ نسيانه وتجاوزه بعملية تبويس لحى قبلية" حسب ما يراه أبو أمير.
ويرى آخرون أنّ هذه المصالحات منقوصة لأنّ "الحرب لن تنتهي إلا بمصالحة حقيقية وصحيحة، من دون ترخيص للدم وطيّ اعتباطيّ للملفّات يؤجّل الحرب ولكن لا ينهيها، ومن دون محاولات مقايضة على الأخطاء. يجب على المصالحة أن تعطي كلّ صاحب حق حقّه وأن تضع حداً لكل مسيء" كما ترى هالة الياسين.
ويشكّك البعض فيها، حيث يقول مؤنس عدوان "أنا غير مطمئن ومرتاب لأنها قد تؤدّي إلى شرعنة العمل السياسي لبعض التيارات الإسلامية". ويساند نبراس فوزي المصالحات، ويرى أنّ الجميع خاسر لأنّ "سوريا دخلت في حلقة مفرغة من العنف من دون أن يستطيع أحد حسم المعركة، والدمار المادي والاجتماعي والتفكّك الوطني أصبح أكبر من أي ربح ممكن أن يحققه أيّ طرف في حال انتصاره".
معظم المناطق التي شهدت مصالحات وما تبعها من عودة للمدنيين الذين غادروا منازلهم هرباً من الحرب، ومن تسوية أوضاع لمسلّحين معارضين وتشكيلهم لحواجز مشتركة فيها، جنباً إلى جنب مع الجيش السوريّ، هي في معظمها مناطق متاخمة للعاصمة دمشق وفي ريفها القريب، مثل برزة والقابون وبيت سحم وببيلا مؤخّراً.
يقول كيفورك ألماسيان "هذه المصالحات محصورة في المناطق التي تقع تحت سيطرة المسلحين السوريّين من أهل تلك المناطق". لم يكن ليُكتب للمسلّحين في تلك المناطق استمرار تمرّدهم على الدّولة، فالجيش كان قد أحكم قبضته على محيط المناطق التي تخضع لسيطرتهم، بالإضافة إلى أنّ "بعض المجموعات المسلّحة تعمل ذاتياً من دون تنسيق مع الكتائب الأخرى، وتسليحها وتمويلها ذاتي. والبعض الاَخر تعرّض للخذلان من قبل المجموعات الأخرى، بحيث لم تصلهم أيّة مساعدات عسكريّة أو ماليّة لمتابعة القتال، وهم في حالة ضعيفة جداً مقارنة بالجيش. لذلك، فإنّ البعض يقبل بالمصالحة رغماً عنه". ويضيف كيفورك "لم يكن قد تبقّى لديهم من خيار آخر سوى الموت".
اما نبراس فوزي فيقول إنّ هؤلاء المسلّحين قد صالحوا الدولة بسبب "ضغط شعبيّ نتج عن الدمار الهائل في مناطقهم والبطالة وضعف الامكانيات والرغبة في الاستقرار، بالإضافة إلى الخوف من (تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام) داعش والقاعدة وسيطرتهم على مناطق واقعة تحت سيطرتهم"، وقد سبق لهم أن خاضوا مؤخّراً معارك ضارية ضدّ تلك التّنظيمات وأُجبروا على طلب الدّعم من الجيش. دعمهم الجيش في مناطق وتجاهل استغاثاتهم في مناطق أخرى.
محاربة الإرهاب هي الهدف الرئيسي للدولة السورية في هذه المرحلة، وهي تريد توحيد السوريين بكل الطرق الممكنة للسير في طريق تحقيق هذا الهدف. هذه المصالحات هي "انتصار للدولة بفرض كلمتها" كما يرى علاء مهنّا، بينما يرى نبراس أنّ "النظام مجبر على ذلك بسبب الضغط الدوليّ من جهة، والشعبيّ من طرف مؤيّديه بسبب الخسارات الكبيرة في الأرواح من جهة أخرى، إضافة إلى خوفه من تزايد قوّة ونفوذ جماعات مسلّحة أخرى تحارب إلى جانبه وفقدان سيطرته عليها مستقبلا".
وافقت الدّولة على المصالحة في تلك المناطق من موقع القوّة، وتمّت تسوية أوضاع المسلّحين الذين سلّموا ما تبقّى لديهم من سلاح ثقيل من أجل "تخفيف الضغط العسكري في ريف دمشق بغرض التركيز على المناطق الساخنة" كما قال كيفورك. وبذلك "تعمل الدولة، بعد تحييد المسلّحين الذين تمّت تسوية أوضاعهم، على عزل أطراف مسلّحة أخرى تمهيداً للقضاء عليها" يقول أبو أمير.
كما تهدف الدولة من تلك المصالحات إلى طمأنة مسلّحين آخرين ما زالوا يرفعون سلاحهم في وجهها، وتأمل أن يكون تساهلها في هذا الملفّ عنصراً مساعداً للدخول إلى مناطق أخرى ما زالت خارج سلطتها. يقول كيفورك "مستقبلاً، يجب ترتيب مصالحات مشابهة في محافظات أخرى لتحسين المزاج الشعبي، وخاصة في المناطق المعارضة التي تعتبر الجيش والدولة الشيطان الأكبر. يجب اعطاء هؤلاء الفرصة للعودة إلى العقل عبر مبادرات حسن نيّة من قبل الدولة، بما يحفظ أمن ودماء الأبرياء".
مصالحة كانت أم عفواً وتسليماً، أم "مجرّد تسويات قد تكون مؤقّتة" كما تقول كنانة، أو حتى كلّ تلك التسميات مجتمعة هي شيء إيجابيّ. عاجلاً أم آجلاً ستتوقف الحرب، ولا بدّ من تحقيق مصالحة ولا شك أنّ تعجيلها سيكون ذا أثر إيجابيّ كبير على جميع السوريّين، وستؤدّي إلى "تجنيب الجيش والشعب المزيد من الدماء والضحايا، وبدرجة أقلّ، الحفاظ على البنية التحتية في المناطق التي لم تتعرّض للحرب" برأي كيفورك.
سيتوقف اتساع الشّرخ بين السوريّين وسيطلق سراح المعتقلين والمخطوفين، وسيتمّ الكشف عن مصير مفقودين، ويفترض ان يتوحد السوريّون ضدّ الإرهاب الذي ما زال يفتك بأرواح جميع السّوريّين، من مؤيّدين ومعارضين وجيش ومسلّحين.
يسار عبد الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد