مصر: بدء الاستفتاء على دستور الثورة ومواجهات على هامش محاكمة مرسي
أطلقت مصر، أمس، مرحلة بالغة الأهمية في «خريطة المستقبل» التي وضعتها القوات المسلحة للمرحلة الانتقالية التي أعقبت عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز الماضي، حيث بدأ المصريون المقيمون في الخارج الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور الجديد، وهو استحقاق من شأنه أن يكرّس شرعية «ثورة 30 يونيو» عبر الصناديق، ما يُحرم بالتالي «الإخوان المسلمين» ورقة مهمة في إطار معركة منازعة الشرعية مع «العهد الجديد» المنبثق من الثورة، والذي لا تزال الجماعة مصرّة على وصفه بـ«النظام الانقلابي».
في الساعات الأولى من صباح يوم أمس، بدأ المصريون المقيمون في الخارج التصويت على مسودة الدستور التي أقرّتها «لجنة الخمسين»، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة حول السفارات المصرية في الخارج، غداة تهديدات من جماعة «الإخوان المسلمين»، المصنفة «إرهابية»، بعرقلة عملية الاستفتاء عبر محاولة حرق اللجان الانتخابية، وتنظيم الاعتصامات داخل السفارات، على غرار ما حدث فى القنصلية المصرية في باريس يوم الاثنين الماضي.
وأعلنت غالبية السفارات استعدادها لاستكمال الاستفتاء، وإرسال نتائج التصويت إلى اللجنة العليا للانتخابات في القاهرة، فور انتهاء عمليات الفرز بعد إغلاق الصناديق مساء يوم الأحد المقبل، أي قبل يومين من بدء الاستفتاء داخل مصر والذي سيجرى يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.
وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات المصرية أن عدد الناخبين المصريين الذين لهم الحق في الإدلاء بأصواتهم في الخارج للاقتراع على الدستور يبلغ ٦٨٠ ألفاً و٧٧٥ مصرياً، على أن تجرى عملية التصويت في الاستفتاء داخل ١٣٨ سفارة وقنصلية مصرية في أنحاء العالم كافة.
وكانت البعثات الديبلوماسية المصرية قد استكملت استعداداتها للاستفتاء، حيث تم اختيار عدد من أبناء الجالية المصرية لمراقبة عمليات التصويت والفرز.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي إن سفارة مصر في العاصمة النيوزيلاندية ويلنغتون في أقصى شرق الكرة الأرضية كانت أول بعثة ديبلوماسية يدلي فيها المصريون في الخارج بأصواتهم، نظراً لفارق التوقيت، ليتوالى بعدها التصويت في البعثات الديبلوماسية المصرية في أستراليا ودول شرق آسيا، وبعدها في دول أوروبا، ثم الأميركيتين، على أن تكون قنصلية مصر في لوس أنجلس آخر بعثة يتم فيها الإدلاء بالأصوات.
وأعلنت الخارجية المصرية أنه تم الدفع بديبلوماسيين وإداريين إضافيين في جميع السفارات والقنصليات المصرية لتسهيل عملية التصويت.
في المقابل، أعلن التحالف الإسلامي المؤيد لمرسي عن إطلاق حملة لحشد المصريين في الخارج لرفض التصويت على الدستور، فيما أوردت وسائل إعلام محلية وأجنبية معلومات عن محاولات لـ«الإخوان» لتعطيل الاستفتاء في الخارج، ومن بينها إثارة أعمال عنف أمام السفارات، مشيرة إلى أن السلطات المصرية أبلغت السلطات في الدول المعنية بوجود تلك الخطط، وأنه جاري اتخاذ تدابير وقائية لحماية البعثات الديبلوماسية.
في هذا الوقت، أظهر استطلاع أجراه المركز المصري لبحوث الرأي «بصيرة» أن 74 في المئة من المصريين ينوون التصويت بـ«نعم»، في مقابل 3 في المئة سيصوّتون بـ«لا»، بينما لم يحسم 23 في المئة قرارهم بعد.
وترتفع نسبة الموافقة من 60 في المئة بين الشباب البالغين من العمر بين 18 و29 سنة، إلى 84 في المئة بين المصريين الذين يبلغون من العمر 50 سنة وما فوق.
كما تبين أنه حتى تاريخ إجراء الاستطلاع كان 59 في المئة من المصريين لم يقرأوا الدستور بعد، وأن 36 في المئة قرأوا أجزاء منه، و5 في المئة فقط هم مَن قرأوه بالكامل. وترتفع نسبة من لم يقرأوا الدستور من 35 في المئة بين الحاصلين على تعليم جامعي إلى 69 في المئة بين الحاصلين على تعليم أقل من متوسط.
من جهة ثانية، قررت هيئة محكمة جنايات القاهرة تأجيل نظر الجلسة الثانية في قضية «أحداث الاتحادية» المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي وبعض قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الأول من شباط المقبل، وذلك بعد تعذّر حضور مرسي من محبسه بسبب سوء الحالة الجوية.
وعقدت الجلسة الثانية للمحاكمة في قضية «أحداث الاتحادية» صباح أمس في مقرّ أكاديمية الشرطة في منطقة التجمع الخامس في القاهرة، بحضور كل المتهمين عدا مرسي.
وفيما أعلنت وزارة الداخلية أن اضطراب الأحوال الجوية حال دون نقل مرسي إلى المحكمة، بينما تواترت أنباء عن أن رفض الرئيس المعزول الحضور هو السبب الحقيقي. لكن مصدراً أمنياً في وزارة الداخلية قد أكد لـ«السفير» عدم صحة ما أشيع عن رفض مرسي حضور المحاكمة، مؤكداً أن المتهم ليس من حقه الرفض.
ولم تستغرق الجلسة الثانية للمحاكمة سوى بضع دقائق، قرر بعدها المستشار أحمد صبري يوسف تأجيل المحاكمة إلى جلسة الأول من شباط المقبل.
وكان المتهمون قد ألقوا بياناً من داخل قفص المحاكمة، أكدوا فيه على «ثبات موقفهم» و«عدم دستورية وشرعية المحاكمة»، معتبرين إياها «انتقاماً سياسياً في المقام الأول».
وكانت جماعة «الإخوان المسلمين» دعت أنصارها إلى التظاهر بالتزامن مع المحاكمة. ونظمت أولى تلك التظاهرات أمام مقر المحاكمة في أكاديمية الشرطة، حيث وقعت اشتباكات بين الأمن ومتظاهري «الإخوان» أسفرت عن توقيف 17 متظاهراً، فيما وقعت اشتباكات طفيفة بين بعض المؤيدين لـ«الإخوان» والمعارضين لهم، من دون أن تسفر عن وقوع إصابات.
وفي حي مدينة نصر في شرق القاهرة، كانت الأحداث أكثر اشتعالاً، حيث نظّم مناصرو «الإخوان» وقفة احتجاجية أمام مسجد السلام، فيما عمد بعضهم إلى قطع الطريق في محيط المسجد. وردّت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، حسبما روى شاهد عيان لـ«السفير».
وانتقلت المواجهات إلى محيط المدينة الجامعية التابعة لجامعة الأزهر في الحي السادس، حيث اشتبكت قوات الأمن والطلاب مجدداً، كما هي الحال على مدار الأسابيع الماضية. وقد أشعل الطلاب النار بسيارة للشرطة، فيما ردت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز ورصاصات الخرطوش. كذلك، حاول الطلاب قطع طريق مصطفى النحاس ما أدّى إلى وقوع اشتباكات بالحجارة بينهم وبين الأهالي.
وتحدثت «السفير» مع الطالب (محمد ج.)، الذي كان في مسرح الأحداث، حيث سألته عن مدى سلمية تظاهراتهم، فأجاب: «نحن في حرب ولا سلمية في الحرب... وهم (الأمن) لا يسمحون لنا بالتعبير عن آرائنا بحرية، فعن أي سلمية تتحدثون؟»، قبل أن يستدرك ويعدّل لهجته قائلاً إن ما يحدث «ليس سوى رد فعل على ممارسات القمع التي يمارسها الانقلابيون»، على حد وصفه.
ولم تقتصر التظاهرات والاشتباكات على القاهرة، حيث فرقت قوات أمن الاسكندرية مسيرة لعدد من طلاب جامعة الاسكندرية مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع.
وفي بني سويف، اشتبكت قوات الأمن مع مسيرة أخرى لأنصار «الإخوان»، حيث حاولت قوات الأمن تفريق المسيرة باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع ورصاصات الخرطوش فيما ردّ المتظاهرون برشق الحجارة.
أمل علي وأحمد حمدي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد