معـركةُ إدلـب بيـن الهـزيمـة و الإنتصـار
خريطةٌ جديدةٌ رُسِمت في الوسط والشمال السوري بعد أن سَيطرَ المسلحين على مدينة إدلب ،هؤلاء المسلحين هم نفسهم المتناحرين في ريف إدلب ، وهم نفسهم الذين اتفقوا جميعاً على مدينة إدلب وأهلها فأطلقوا معركتهم " غزوة ادلب ".
غزوةٌ سارعت ( المعارضة السوريّة المعتدلة ) إلى تبنيها على أنها انجاز عسكريّ واستراتيجي يُحسب في صالحها في حين أن المجموعات الإرهابية المسلحة رفعت علم جبهة النصرة ..
الوجه الحقيقي ( للمعارضة السوريّة المعتدلة ).
بدايةً دعونا نشرح لكم تكوين المجموعات المتشددّة التي شاركت في الغزوة (المعتدّلة) والتي انطلقت من ريف ادلب نحو المدينة السهليّة الوادعة :
بتاريخِ الرابعِ والعشرين من آذار عَقدت الفصائلُ المسلحة في ريف إدلب اجتماعاً في بلدة سلقين ، شاركَ فيه قادة كل من : أحرار الشام - جبهة النصرة - جند الأقصى - جيش السنة - فيلق الشام - صقور الشام - لواء الحق - أجناد الشام. وفي نهايةِ الإجتماع الذي جرى بُعيدَ مُنتصفِ الليل تَمَ الإعلانُ عن تشكيلِ ''جيش الفتح'' الذي ضمَ الفصائلَ السابقة المتنافرُ منها والمتحالف منها ، والمنتشرة أساساً في كاملِ ريفِ محافظة إدلب ،لكن الهجوم على مدينةِ إدلب وحدهم معتبرين إياها نصرٌ أساسي وخصوصاً بعد أن خسروا المدينة عام 2012 من قبل الجيش العربي السوري آنذاك.
عاشت إدلب ثلاثَ سنوات من الأمان تحتَ رايةِ الجيشِ العربي السوري ،ماكان يشوبُ أمانها سوى قذائف المجموعات الإرهابية الصاروخية التي استهدفت أهل مدينة إدلب من كبارها ونساءها وصغارها ولم تكد الشمس تغمض عيونها إلا ونعوش أبنائها تُرفعُ على الأكتاف ،يشيعونهم شهداءً بصمت فهذا قدر اللهُ وما شاءَ فعل.
ساعاتُ الفجرِ الأولى من يومِ الأربعاء كانت بدايةُ زحف التتار نحوَ إدلب المدينة، وخلال الثماني والأربعين ساعة الأولى استطاعَ الجيشُ العربيّ السّوري أن يُردي الغزاة جثثاً هامدة على أعتابِ الحي الشّمالي والشّرقي للمدينة لتجتمعَ جُثثُ (المهاجرين) - كما يسمونهم - من دول السعودية واليمن والكويت وليبيا وغيرها في مفارقةٍ غربيةلتحقيقِ ( الوحدة العربية ) في نهشِ الجسد السوري !
بعدَ مرورِ 48 ساعة بدأت الخلايا النائمة داخل المدينة بالتحرك و انحصرت مُهمتها في إعلامِ المجموعات الإرهابية بكل تحركات الجيش وبث الأكاذيب بأنَ ( جيش الفتح ) قد سيطرَ على المدينة الأمر الذي نتج عنهُ فوضى أدت بدورها إلى إضعاف الجبهة الشمالية للمدينة مما دفعَ الجيش إلى الانسحاب من الجهة الشمالية حفاظاً على أرواح الجنود وعلى إثر ذلك سيطر ( جيش الفتح ) على 35% من المدينة ليبدأَ الجيش حرب الشوارع مع عناصر ( جيش الفتح ) المؤلف من حوالي 70% من مجموع الفصائل الإرهابية التكفيريةفي ريف إدلب.
الساعات التالية للمعركة وضعت الجيش أمام َخيارين استراتيجيين وأيُّ تأخرٍ في حسم القرار سيكونُ قاتلاً ،فأحداث المعركة تتسارع وتقوى شدّتها من حيٍّ إلى حيّ ومن بناءٍ إلى بناء بل من شباكٍ لآخر :
الخيار الأول :
كانَ البقاءُ في المدينة والذي يسيطرُ فيها على أكثر من 65% من مساحتها وانتظار الدعم الذي تحركَ من السَّاحل السوريّ ومن مدينةِ حماه ولكن هذا الخيار عسكرياً غير مجدٍ لأنَّ القوات مع معداتِها ستستهلك وقتاً طويلاً بالإضافة إلى ما تحتاجه من وقت لانتشارها ضمن المدينة ، هذا الوقت سيكونُ مقامرةً بأرواحِ مئاتِ العناصر من الجيش الذين يواجهون آلاف المسلحين من ريف إدلب الذين تحركوا كالقطيع .
الخيار الثاني : الذي تمَ البحثُ بتفاصيلهِ مع لحظة وصول قائد عسكري إلى المربع الأمني وبعد الإطلاع على الواقع الميداني ،اتخذَ القرار بأن يدخل إدلب 10% من قواتِ الدعم وأمامها مهمّتينِ أساسيتينِ هما :
- تأمين نقل جميع السجناء والذي قُدر عددهم بالآلاف من السجن إلى مكانٍ آمن وغالبيتهم عناصر من ''جيش الفتح'' الغازي للمدينة .
- تأمين انسحاب هادئ للمقاتلين والمدنيين الراغبين بالخروج.
وبالفعل مع ساعاتِ ليلِ أمس كانت خطوطُ المواجهة مشتعلة ،وبدأت القيادة العسكريّة بقصفِ مواقعَ رئيسية لتجمعات المسلحين في ريف ادلب من سلقين إلى سراقب بصواريخِ سكود شديدة التدمير والتشويش بالتزامن مع بدءِ انسحاب القوات بدءا من البنك المركزي ومبنى المرور و كلية الحقوق ودوار الساعة وحي القصور ختاماً بالمربع الأمني الذي دخلهُ الغازون فلم يجدو إلا الجدران والجدران فقط بعد أن تم الانسحاب بنجاح وتم إفراغُ الخطوط الخلفية من كل شيء ثمين ،وفي ذاتِ الوقت كانت قوات الدعم كاملةً بدأت بالتجمع في قرية مطلة على مدينة إدلب.
برؤيةٍ تحليلية بسيطة لهذه المعركة الفائقة الدقة وبدراسة الخيارات التي كانت مطروحة نجدُ أن القرار الذي اتُخذ هو أحلى الأمريّن كما نقول وقرارُ المواجهة في تلكَ اللحظة قد يكونُ انتحاراً أما التراجع فالتجمع وإعادة الهجوم فهو أنسبُ تلكَ الخيارات لأسبابً عدّة :
أولاً : فيما لو تمَ التعنت بخيار المواجهة فالنتيجة غير محسومة فقد نخسرُ المدينة وكامل عناصر الجيش وخاصة أن أعداد المهاجمين كبيرة جداً ، ناهيكم عن المغامرة التي قد تتسبب بخروج الموقوفين من سجن ادلب المركزي وهذا يبقى ضمن التكهنات لكنهُ كانَ الأمر الأكثر توقعاً من حيث النظرة الواقعية للمعركة والمقامرة بما سبق قد يكون كارثياً .
ثانياً : بالعلم العسكريّ "أن تأتي بخصمك إلى ميدانكَ للقتال يزيد من فرصكَ في النصر" :
لو قامَ الجيش بعملية عسكريّة من مدينة إدلب نحوَ ريفِ إدلب الذي يتصفُ بطبيعة جغرافية صعبة فهو استنزافٌ كبير لقدرات الجيش رغم استطاعته على حسم هذه معركة ولكنهُ سيدفعُ تكاليفاً كبيرة ،أما جذب النسبة الأكبر من مسلحي ''جيش الفتح'' من الريف الوَعِر ذو المساحة الواسعة نحو المدينة السهلية والإعداد بهدوء لمعركة قريبة واضحة المعالم والتفاصيل كونَ الجيش قد تمركز وحشد قواته وعتادهُ على بُعد مئات الأمتار منهم هو القرار الأصوب والأجدى عسكرياً.
وعليه هل سنشهد مذبحة جماعية بثمانية فصائل سمت نفسها ''جيش الفتح'' في معركة واحدة ؟
فيسبوك ـ عن صفحة فريق المهام الخاصة
إضافة تعليق جديد