موريتانيا: عسكر يقودون إلى الديمقراطية

21-11-2006

موريتانيا: عسكر يقودون إلى الديمقراطية

خلافاً للانقلابات العسكرية في دول العالم أجمع، التي عادة ما تودي بالبلاد إلى حقبة طويلة جداً من الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ وقمع الحريات وتعليق العمل التشريعي، كان النموذج الموريتاني فريداً، فمنذ انقلاب العقيد علي ولد محمد فال في آب 2005، خطت موريتانيا خطوات واسعة نحو تثبيت وترسيخ النظام الديموقراطي.
وفي زمن الحديث الأميركي عن الإصلاحات في الدول العربية، والسجال بين الأنظمة والمعارضة حول التغيير من الداخل أو الخارج، يقدّم المجلس العسكري الحاكم مثالاً على القدرة على إحداث تغييرات جذرية، من دون شبهة الدعم الخارجي، التي تلاحق العديد من قوى المعارضة العربية، ومن دون سيف التدخل العسكري، الذي كان في مرحلة ما مسلطاً فوق رؤوس الدول الموضوعة على جدول أعمال الإدارة الأميركية.
ومنذ إطاحة الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع في الانقلاب غير الدموي، عندما كان يحضر مراسم تشييع الملك السعودي فهد بن عبد العزيز في الرياض، قام مجلس الحكم العسكري، برئاسة ولد فال، بسلسلة إجراءات، كانت الانتخابات التشريعية والبلدية، التي جرت أول من أمس، أحدثها لكن ليس آخرها؛ فجدول الانتقال الديموقراطي لمجلس الحكم العسكري لا يزال حافلاً بالاستحقاقات الدستورية، وأهمها انتخابات الرئاسة المقررة في آذار 2007.
وأول ما ميّز وصول العسكريين إلى السلطة عام 2005، كان تعهّد ولد فال بإعادة الحكم إلى الشعب عام 2007 وعدم الترشّح إلى أي منصب في الإدارة المدنية الجديدة، إلا أنه أصدر ميثاقاً دستورياً علّـق بموجبه العمل ببعض بنود دستور البلاد، واحتفظ المجلس العسكري لنفسه بالسلطة التشريعية والتنفيذية، بعدما أعلن عن حل البرلمان، الأمر الذي أثار تشكّكاً كبيراً بين المراقبين في موريتانيا وخارجها في حقيقة نيات المجلس الانقلابي، أعاد إلى الأذهان انقلاب الجنرال برويز مشرّف في باكستان، وترشيح نفسه رئيساً لها، بعد وعود مشابهة أطلقها لدى قيامه بالانقلاب على رئيس الحكومة نواز شريف في تشرين الأول عام 1999.
ولهذه المخاوف ما يبررها في السياق التاريخي الموريتاني الحافل بالانقلابات، فموريتانيا عرفت أول انقلاب عسكري في تاريخها في تموز عام 1978، عندما أطاح الجيش بقيادة محمد ولد السالك الرئيس الراحل المختار ولد داده. وتعهّـد القادة العسكريون حينئذ بإرساء ديموقراطية حقيقة، إلا أن البلاد لم تشهد منذ ذلك الحين تداولاً سلمياً للسلطة، ففي 1984، أطاح العقيد معاوية ولد الطايع نظام ولد هيداله الذي كان يحكم منذ 1980. وانتخب ولد الطايع رئيساً في 1992 ثم أعيد انتخابه في 1997 و2003.
هذه المخاوف دفعت رئيس المجلس العسكري إلى اتّـخاذ قرارين، عدّهما المراقبون قطعاً للطريق على تلك الشائعات، كان أولهما، تقليص مدة المرحلة الانتقالية من سنتين إلى تسعة عشر شهراً، وإصدار قانون يفرض عدم أهلية رئيس وأعضاء المجلس العسكري، وكذا رئيس الوزراء وأعضاء حكومته للترشح لكل الانتخابات التي ستُـنظم خلال الفترة الانتقالية، بما في ذلك الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية.
وأولى خطوات التغيير الديموقراطي، التي اتخذها المجلس العسكري، كانت إجراء تعديلات دستورية والتصويت عليها في استفتاء في حزيران 2006. وتنص التعديلات على تقليص ولاية رئيس الجمهورية إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، أي إنه منع على أي رئيس مستقبلي للبلاد أن يحكم لأكثر من عشر سنوات.
وحتى لا يقدم أول جالس على كرسي الرئاسة على تغيير الدستور وتمديد ولايته، نصت التعديلات على يمين يؤدّيها الرئيس قبل تسلمه لمهماته، ويقسم بموجبها على ألا يغيّـر أو يدعم تغيير المواد الدستورية المتعلّـقة بولاية رئيس الجمهورية أو تجديدها. كما سحب الدستور الجديد من البرلمان صلاحية الدعوة إلى أي استفتاء شعبي لتغيير تلك المواد، ووضع حدّاً زمنياً لعمر رئيس الجمهورية حصره في الأعوام الـ35 الواقعة بين عمر الـ40 والـ75.
ومن ميزات الديموقراطية الجديدة في موريتانيا أيضاً عودة الإسلاميين من جديد الى اللعبة الديموقراطية، بعدما استبعدوا من الحياة السياسية الموريتانية منذ استقلال البلاد في 1960. كما تعد موريتانيا من الأنظمة العربية القليلة التي خصصت نسبة 20 في المئة للنساء في المجلس التشريعي ومجالس البلديات، وهو ما نصت عليه تعديلات الدستور المصوت عليها.
وتكاد موريتانيا اليوم تكون البلد الوحيد في العالم الذي يعيش تنافساً ديموقراطياً من دون مشاركة «فريق حاكم».
وهكذا، يبدو أن العسكر وفوا بتعهداتهم، والمرحلة الانتقالية لولايتهم على وشك أن تنتهي بوضع موريتانيا على السكة الديموقراطية، وطي صفحة الانقلابات العسكرية، ليسجل التاريخ لقيادة عسكرية تأسيسها لحكم مدني صريح، شرط ألا ينصّب العسكر بعد ذلك أنفسهم حماة للدستور والحياة المدنية، ما يجعلهم حكّاماً عسكريين من خلف الستار، كما هي حال تركيا.
إلى اليوم لا يبدو المجلس العسكري ذاهباً في هذا الاتجاه، وبرنامجه الطوباوي بلا شك مثال يحتذى، ويستحق الإعجاب والتقدير.

حسام كنفاني

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...