موسى أبو مرزوق: "السلطة الفلسطينية تعني «فتح» و«حماس»"
ما هي أسباب ما جرى بين «فتح» و«حماس»؟
- الذي جرى هو أن هناك فريقاً خطف قرار «فتح» الأمني والسياسي وتحالف مع الأميركيين والإسرائيليين للوصول إلى أهداف محدّدة في الساحة الفلسطينية وهي تقويض نتائج الانتخابات الفلسطينية والانقلاب على الشرعية الفلسطينية. وقد جرت محاولات عديدة لتجاوز ما حدث، إلا أن أهداف المخطط بقيت موجودة ولهذا شاهدنا ما شاهدناه في قطاع غزة.
من تعني بالفريق في «فتح»؟
- هو فريق معروف وواضح، حتى أن نتائج التحقيق الفلسطينية تحدثت عن هذا الفريق وأدانته، هو فريق محمد دحلان وسمير المشهراوي، وله مجموعة من الضباط التابعين يعملون وفقاً لجدول أعمال إسرائيلي وأميركي.
يرى الكثيرون أن «حماس» قامت بعملية انقلابية على «فتح»؟
- «حماس» لم تقم بعملية انقلابية، و«فتح» لم تكن منتخبة إذ كانت الغالبية لـ«حماس» في الساحة الفلسطينية. وهذا ما لم تستوعبه حركة فتح، فما كان من ذلك الفريق الأمني المتعاون مع الخارج سوى العمل على تقويض هذه التجربة الديموقراطية. وبشهادة الفريق الأمني المصري أن «حماس» دافعت عن الشرعية ووقفت في وجه الانفلات الأمني. ولا يعقل لهذا العدد البسيط من القوة التنفيذية وغيرها أن يقف في وجه هذه الأعداد الهائلة من الأمن الوطني، التي تقدر بما يزيد على أربعين ألف منتسب. لكن لأن المواجهة كانت مع فريق ضمن فريق غير مقتنع بخدمة قضيته الوطنية، كانت هذه النتيجة.
منذ فترة رأى أحد القادة الفلسطينيين أن اتفاق مكة هو الذي أسس لما جرى بين «فتح» و«حماس». ما ردك على هذا القول؟
- لماذا لا تسمي الأستاذ نايف حواتمة باسمه؟
في الواقع منذ اتفاق مكة تحدث حواتمة عن المحاصصة الفلسطينية وأن هذه المحاصصة ستؤسس لوضع غير سليم في الساحة الفلسطينية. شخصياً لا أعتقد أن اتفاق مكة هو الذي أسس للخلافات، لأنه كان قد سبق أن تكررت أحداث في قطاع غزة، ويمكننا اعتبار أن الدعوة إلى مكة كانت لوقف الدم الفلسطيني. من جانب آخر نرى أن «حماس» و«فتح» تمثلان أكثر من تسعين في المئة من أعضاء المجلس التشريعي وبالتالي نحن نتحدث عن الكم الأكبر من التمثيل الفلسطيني المعني بهذا الموضوع.
نحن نقدّر وضع الأطراف الأخرى، وفي وثيقة الاتفاق الوطني استدعي الجميع بغية مناقشتها والتوقيع عليها. مع ذلك الجميع يعلم أنه عندما يكون الأمر خاصاً بالسلطة الفلسطينية فإن هذا يعني التركيز على «فتح» و«حماس». ومع ذلك نجد أن الملف المنطوي على محاصصة بين الفصائل الفلسطينية كافة لم يتقدم أي خطوة.
نقطة أخرى: عندما ألّفنا حكومة الوحدة الوطنية التي نتجت من اتفاق مكة كان الجميع مشاركاً بها، بما في ذلك الجبهة الديموقراطية للمرة الأولى.
ماهو تقويمكم لموقف بعض الدول العربية مثل مصر؟
- وإن كانت مصر ترى أن هناك سلطة فلسطينية بقيادة محمود عباس، وهذا صحيح، غير أن موقفها ليس موقف محمود عباس. فضلاً عن كونها تجد أن طريق الخلاص من الحالة الفلسطينية الراهنة هو الحوار، وأنه لا يجوز أن يكون هناك فراق سياسي. وسياسة محمود عباس الحالية المتمثلة بالابتعاد عن وجهة النظر العربية ترتّب عليها الآن الجمود الذي نشهده في التحرك المصري باتجاه الموضوع الفلسطيني.
وفي المحصلة فإن ثمة موقفاً مصرياً وعربياً، وهذا الموقف مركّز حول وحدة سياسية وجغرافية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهم مع الحوار بين الطرفين، وهذا هو موقف «حماس»، لكن خيار عباس كان ولا يزال في الاتجاه نحو أميركا وإسرائيل، وهذا بحد ذاته استقواء على شريحة من الشعب الفلسطيني لا يجوز أن يكون موجوداً في الساحة الفلسطينية لاعتبارات وطنية وأخلاقية في الحد الأدنى. وأنا هنا أتساءل مستغرباً كيف لمحمود عباس أن يستجدي الحوار مع أولمرت في الوقت الذي يرفض فيه الحوار معنا. من جهة أخرى، كان لافتاً قبول عباس للهدايا الإسرائيلية له المتمثلة بإطلاق عدد من أسرى «فتح» من دون أن يتطرق في محادثاته مع الإسرائيليين إلى قضايا مصيرية ومهمة من قبيل قضية اللاجئين والقدس والمستوطنات وما شابه ذلك.
كيف تقومون الدور السوري في ما جرى من مستجدات على الساحة الفلسطينية؟
- كانت سوريا ولا تزال تعتقد أن الدولة الأساسية الموكلة بهذا الملف هي مصر، وبالتالي كانت تراعي دائماً هذه الحساسية في الموضوع الفلسطيني، ولم تكن ترى فرقاً بين هذه الدولة العربية أو تلك من الذين يدخلون في الوساطة. حاولت سوريا أن تجمع، قبل اتفاقية مكة، الفلسطينيين. لكن كان ثمة رفض من محمود عباس. ومن المفيد القول هنا إن دولاً عربية أخرى حاولت الجمع بين «حماس» و«فتح»، منها السودان واليمن وقطر. لكن كانت هذه المحاولات تواجه بالرفض من عباس حتى جاءت الاشتباكات التي حدثت.
ما مدى صحة الاتهامات الموجهة إلى «حماس» من بعض القادة الفلسطينيين المنطوية على كون الحركة مجرد بيدق بيد قوى إقليمية؟
- هناك كلام كثير صدر وقيل، وهو كلام لا مسؤول وبلا دليل، وخارج إطار الحقائق، قاله بعض السياسيين الفلسطينيين في رام الله، ومنه ارتباط «حماس» بـ«القاعدة»، ومنه دعوة قوات أممية إلى قطاع غزة، ومنه ارتباط «حماس» بأجندة إقليمية.
وقد كانت الغاية من بعض هذه الأكاذيب في جزء منها تحريضاً دولياً على «حماس»، وبعضها بهدف التحريض الإقليمي على «حماس». وهنا أستشهد بإجابة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، عن سؤال في إحدى المقابلات، عندما قال: إن الذين يدفعون الدم من اجل تحرير بلادهم واستقلال شعبهم لا يمكن أن يرهنوا قضيتهم لأية قوى خارجية. وأعتقد أن الغاية من ذلك السؤال كانت تحديداً لاستجلاب العداء السعودي لحركة «حماس».
وأضيف أن وزراء الخارجية العرب وحتى القادة العرب يدركون إن سوريا فوجئت بأحداث غزة، ورأت أن ما حصل فيها هو استدراج لـ«حماس». وما ينطبق على سوريا ينطبق على إيران التي لم تكن تعلم شيئاً عن الأحداث قبل حدوثها. وأزيدك علماً أن قيادة «حماس» في الداخل والخارج لم تكن تعلم أن الأحداث ستؤول إلى ما آلت إليه، فكيف لسوريا وإيران أن تعلما؟
قامت حماس بأعمال عنف في غزة، كان آخرها الاعتداء على النائب «الفتحاوي» أشرف جمعة. ما تفسيركم لهذا السلوك؟
- ما جرى هو مسؤولية «حماس» ولا أنكر هذا، إذ هي تدير غزة، ومسؤوليتها أن تحافظ على أمن ابن «فتح» وسلامته قبل محافظتها على أمن ابن حماس. الذي جرى أن أناساً ممن داوموا في أجهزة الأمن، ومعظمهم من «فتح»، قُطعت رواتبهم فغضبوا وظنوا أن النائب أشرف جمعة هو الذي فعل ذلك فانتقموا منه.
يمكنني القول إن هناك نوعين من الأحداث. النوع الذي جرى أثناء المعركة
والحصار، والنوع الثاني المتمثل بالأحداث التي جرت أثناء إدارة قطاع غزة. وفي إدارة قطاع غزة وبشهادة كل الصحافيين والأمم المتحدة ووكالة الغوث للاجئين، لم يشهد منذ عشرات السنين الحالة التي هو فيها من الأمن الذي يعيشه في الوقت الحالي، وهذا لا يعني أنه لا حالات استثنائية.
وبالرغم مما سلف، أين تجاوزاتنا في غزة أثناء المعركة مقارنة بما جرى في الضفة الغربية، حيث لا معركة، من حرق بيت رئيس المجلس التشريعي والهجوم على أعضاء المجلس التشريعي لـ «حماس» وضربهم وتعذيبهم. هذا غير من قتل منهم بدم بارد. في غزة أكثر من مئة وخمسين مكتباً لحركة «فتح»، أتحدى أن يكون هناك مكتب منها قد تم مسّه أو حرقه، باستثناء مكتب «فتح» في خان يونس لأنه كان مأخوذاً بالغصب من البلدية وأعيد إليها.
محمود عباس شخصياً اتهم «حماس» بمحاولة اغتياله. ما صحة ما قيل؟
- الجميع يعلم أن حُفر الأنفاق هي لمواجهة الدبابات الإسرائيلية بالمتفجرات، وتفجير أول دبابة في رفح كان من خلال عبوة ناسفة زرعت في نفق. ومعروف أن «حماس» تحاول الاستعداد لمواجهة أي اجتياح إسرائيلي، وهي اجتياحات ينبغي لينا مواجهتها بوسائل متعددة. وهذا كله لا علاقة له بمحمود عباس أو محاولة اغتياله. ولو دققت في الشريط لوجدت أنه كان في الشتاء بدليل وجود النار طلباً للدفء، والأسماء كانت واضحة والوجوه لم تكن مخفية فيه إطلاقاً، ترى هل يعقل أن شخصاً يريد اغتيال شخص ما يصور الذين يريدون استهداف هذا الشخص أو ذاك؟
ثم هل يعقل إذا كان ثمة عملية اغتيال أن تجتمع ثلاث دول، وهي إيران وسوريا وقطر، كي تتشاور مع «حماس» في اغتيال رئيس ومن ثم توافق إحدى هذه الدول صراحة فيما تسكت الدولتان الأخريان، في إشارة منهما إلى الموافقة الضمنية؟
ما المطلوب حتى يعود الوضع الفلسطيني إلى ما كان عليه؟
- هناك قراءة خاطئة للرئيس عباس ومن حوله، هذه القراءة التي تقول بالرهان على الدور الأجنبي لتحصيل الحق الفلسطيني، وخصوصاً إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا رهان لا يمكن أن يأتي بنتائج. والرهان الآخر كائن في اعتقاد البعض أن موقف بعض الدول العربية بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلي والأميركي من «حماس»، بإمكانه أن يركّع الحركة في النهاية ويثير الناس في قطاع غزة عليها. والرهان الآخر هو أن إسرائيل ستجتاح قطاع غزة وبالتالي هناك إمكان لإعادة الأوضاع في قطاع غزة كما يشتهون. ولا شك في أن هذه قراءات خاطئة مئة في المئة، إذ سبق أن واجهت «حماس» أعاصير كثيرة منذ نشأتها من اعتقال وإبعاد واستهداف واغتيال لقادتها وعناصرها.
هل تعتقد أن في إمكان الأطراف الأخرى الضغط عليكم من خلال محاصرة الشعب الفلسطيني في غزة؟
-الشعب الفلسطيني لا يُقاد من أمعائه، وحملة التجويع التي يقودها محمود عباس من خلال إغلاق معبر رفح للتضييق على الناس حتى يثوروا علينا سيكون مصيرها الفشل، وهذا إن دل على شيء فعلى أن عباس لا يعرف أبناء شعبه جيداًً.
ثمّ نرى أن عباس يكاد ينفرد بالساحة الفلسطينية، ولذا تجده يصدر من المراسيم ما شاء له وطاب من دون أي اعتبار قانوني أو دستوري أو حتى أخلاقي. لكن هذا لن يبقى طويلاً.
هل تشعرون بأنكم مظلومون إعلامياً، لا سيما من الإعلام العربي؟
- طبعاً نشعر بذلك، وأي متتبع لوسائل الإعلام يجد انعدام الموضوعية في نقل الصورة وتفسير ما وراء الصورة، وهي صورة ظالمة. خذ مثلاً أن أول من استخدم مصطلح «حماستان» هي صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية، من بعدها راحت بعض وسائل الإعلام العربي تستخدم هذا المصطلح.
هل تتوقعون اجتياحاً إسرائيلياً واسعاً لغزة؟
ـ يعني ضمن حملة التخويف أو من خلال ما يتمناه بعض الموجودين في رام الله، نعم نتوقع ذلك. وهناك أشخاص مستعدّون للدفاع عن النفس وعن الوطن. ليجرب الإسرائيليون الاجتياح، سبق أن جربوا ذلك عشرات المرات، وقد كانت تكلفة اجتياحاتهم باهظة. وهذه المرة إذا جازفوا وقاموا باجتياح فسيكون باهظ التكاليف ولن يحقق أي أهداف سياسة للعدو ولن يغير من المعادلة في قطاع غزة.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد