ندوة لمعهد واشنطن حول مستقبل سورية
الجمل: بدأت الأنظار في واشنطن تركز أكثر فأكثر على سوريا، وبالذات بواسطة منظمات اللوبي الإسرائيلي المنتشرة في مدن الولايات المتحدة الرئيسية، والأكثر نشاطاً في الوقت الحالي بين هذه المنظمات هو معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي أشرف على نشر كتاب اليهودي الأمريكي سيز ويكاز الأخير عن سوريا’ وأيضاً الترويج لكتاب اليهودي الأمريكي الذي صدر مؤخراً أيضاً تحت عنوان (الحقيقة حول سوريا).
النشاط الأخير الذي تبناه معهد واشنطن حول سوريا، كان إقامة ندوة حول سوريا:
• عنوان الندوة: مستقبل سوريا.
• رعاية الندوة: منتدى السياسة الخاص التابع لمعهد واشنطن.
• المتحدثون:
- البروفيسور باري روبين:
* زمالة الباحث الزائر بمعهد واشنطن.
* مدير مركز البحوث العالمية في الشؤون الدولية.
* رئيس تحرير دورية الشرق الأوسط.
* ألّف 9 كتب عن الشرق الأوسط، ونشر أكثر من 300 مقال في الصحف الأمريكية والبريطانية عن الشرق الأوسط.
* يعمل أستاذاً زائراً لشؤون الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية والبريطانية.
- السفير ثيودور قطوف:
* سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا.
* سفير الولايات المتحدة السابق في الإمارات العربية المتحدة.
* رئيس مركز اميديست المختص بالروابط التعليمية بين أمريكا ودول الشرق الأوسط.
تم عقد الندوة بمقر المعهد، في العاصمة الأمريكية واشنطن دي.سي وتم رصد الوقائع بواسطة اليهودي الأمريكي والباحث بالمعهد ستيفن ليبوفيتز، وقد تم نشر الوقائع على موقع المعهد الالكتروني ضمن سلسلة الرصد السياسي، الورقة رقم 1241، ويمكن استعراض مداخلات الندوة على النحو الآتي:
• مداخلة البروفيسور باري روبين:
لكي نفهم السياسية السورية يجب عدم التركيز على الأحاديث الأخيرة التي يدلي بها المسؤولون السوريون، وبدلاً عن ذلك يتوجب أن تقوم بتحليل هيكل ومصالح النظام في سوريا، ثم نقوم تبعاً لذلك بتفسير الأنشطة والممارسات.
لقد نجحت القيادة في إنشاء وإقامة بلدً مستقر، ولم تواجه أي تحديات داخلية على مدى 30 عاماً، ولكن لم يتم إحراز النجاح لا في الجانب الاقتصادي ولا في الوفاء بالوعود القومية العربية.
ومن ثم فإن التساؤل يتمثل في كيفية تحقيق التسوية بين الاستقرار الداخلي الطويل الأجل والأداء الكلي فالتناقض عادة ما يقود إلى الاضطراب، ولكن دمشق استطاعت التدبير لتجنب وتفادي ذلك.
يقول باري روبين بأن الصراع والراديكالية هي الأدوات اللازمة لحفظ السيطرة الداخلية، ومن هذا المنظور، فإن المواقف السياسية تقوم على مصالح النظام المحددة، وقد أدركت دمشق بأن أي تعزيز للنفوذ الأمريكي في المنطقة سوف يجري على النقيض من المصالح السورية، ولذلك فقد ظلت سوريا الأكثر مناهضة في المنطقة للوجود الأمريكي في العالم العربي.
لدمشق أيضاً مصلحة في تشكيل وصياغة العراق بحيث يكون إلى جانب سوريا وتكون سوريا نافذة إطلالة العراق على العالم. وإذا لم يتحقق هذا السيناريو، فإن سوريا سوف تلجأ إلى البديل الأفضل بالنسبة لها، وهو سيناريو العراق غير المستقر، خاصة وأن تكلفة الحرب التي تدور في العراق، بالنسبة لسوريا هي (صفر)!!؟.
برغم أن الإصلاح الاقتصادي هو في مصلحة الحكومة، فهو يمثل أمراً خطيراً، وذلك لأن اقتصاداً حراً معناها رأس مال أكبر، وبالتالي سيطرة أكبر للطبقة الوسطى المستقلة، وسوف لن يستطيع النظام السيطرة على الاقتصاد.
يقول باري روبين أيضاً: إن وجود الاقتصاد المفتوح ودوائر الأعمال المستقلة سوف تؤدي بالمسلمين السنة إلى استخدام رؤوس أموالهم واستقلاليتهم لدعم الديمقراطية أو التوجهات الإسلامية، أو الاثنين معاً.
ويخلص ماري روبين قائلاً: إن الحكومة السورية تستخدم أسلوبين تكتيكيين في تعاملها مع العالم، الأول يتمثل في الازدواجية عن طريق استخدام عملية الدبلوماسية الدولية من أجل الحصول على التنازلات والقضاء على العقوبات دون العمل من أجل التوصل إلى اتفاق أو تغيير السلوك. والثاني يتمثل في المقاومة باعتبارها تمثل الفكرة القائلة بأن سوريا تقود الكفاح ضد الغرب، وبالتالي تحصل على دعم الأطراف الأخرى التي تتشارك معها في هذه المصلحة.
السيطرة على لبنان تظل أولوية بالنسبة لسوريا، وبشكل رئيسي للأسباب الاقتصادية، ومن أجل عرقلة وإعاقة المحكمة الجنائية الدولية.
والخط الفاصل في التعامل مع النظام السوري تتمثل في إقناعه بأن تجاوز وعبور بعض الخطوط المحددة والتصرف بطريقة معينة سوف تضر ببقائه. فالدبلوماسية المتشددة ضرورية، بما في ذلك الإبقاء على الضغط، وإجبار سوريا على تغيير سلوكها، وإفساح المجال أمام وسائل العقاب غير العسكرية لمواجهة مروقها.
يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها الأوروبيين، وأن تقوم بحماية ودعم الحكومة اللبنانية، وقوات الأمم المتحدة في لبنان، وفرض الأمر الواقع الجديد جنوب لبنان.
• مداخلة السفير ثيودور قطوف:
بما أن دمشق وبيروت تمثلان موطن المناصرين الأوائل للقومية العربية، فإنه ليس من المدهش أن يعتقد الكثير من السوريين بأنه يتوجب عليهم أن يكونوا جزءاً من مكونات مسعى المشروع العربي أو الإسلامي الكبير.
أصبح السوريون معزولين، إضافة إلى أن النمو السكاني الكبير والنمو الاقتصادي الصغير، قد أدى بالسوريين إلى التركيز على احتياجاتهم اليومية.
يقول ثيودور قطوف، يوجد عدد قليل جداً من السوريين يعتقدون بأن نوايا ومقاصد الولايات المتحدة تتميز بالنقاء، وأيضاً فقد أدت الحرب في العراق إلى تقوية النظام السوري داخلياً وإقليمياً.
تواجه سوريا تحديات رئيسية، داخلية وخارجية على السواء، فإنتاجها النفطي المتناقص سوف يجعل منها عاجلاً أم آجلاً بلداً يستورد النفط، وهو أمر سوف يؤدي إلى تحقيق العائدات، وبرغم علاقات سوريا مع السعودية، فإنه لن تجد المزيد من الدعم إلا إذا غيّرت موقفها إزاء حزب الله والمعارضة اللبنانية.. وبسبب وجود سوريا في المنطقة التي تقع في الوسط بين إيران وحزب الله، فإن الغرب لن يستطيع أن يكون قادراً على إبعاد سوريا عن إيران.
إن تحويل بلد مغلق مثل سوريا إلى الليبرالية الديمقراطية هو أمر غير ممكن إلا إذا تم القيام بإصلاحات بارزة في المجالات المزدوجة والمستويات المزدوجة. وفي غياب مثل هذه الإصلاحات فإن الحكومة الحالية سوف يحل محلها الإسلاميون السنة أو تصبح دولة فاشلة ينمو فيها الإرهاب بما يفوق ما يحدث حالياً من دعم لحزب الله وحركة حماس. وهذا هو السبب الذي دفع إسرائيل بأن لا تقوم بمهاجمة سوريا خلال حرب صيف عام 2006 التي دارت في لبنان: أي ان أمن إسرائيل سوف يكون عرضة للخطر الأكبر إذا هاجمت سوريا.
ويضيف قطوف: بالنسبة للبنان، فإن سوريا تسعى من أجل السيطرة على لبنان وذلك بسبب مخاوفها من أن الولايات المتحدة أو إسرائيل قد تقوم باستخدام لبنان كمحطة لاستهداف سوريا.
وخلص السفير ثيودور قائلاً بأن العقوبات الأمريكية من طرف واحد، لم تؤدي إلى تعديل سلوك النظام السوري أو تقوض قبضته على السلطة، وحسابات النظام الخاطئة طفت وغطت عليها أخطاء الولايات المتحدة.
إن على الولايات المتحدة أن لا تقوم بأي حوار، وفقط تترك سوريا لوحدها تقوم بقبول مطالب الولايات المتحدة، وهذه المسألة لن يتم التوصل إلى حل لها، حتى تقوم إسرائيل والولايات المتحدة مرة أخرى باختبار مدى جدية سوريا في إقامة السلام، ولكي ننظر إلى الأمام فيما يتعلق بالمفاوضات المحتملة، فإنه يتوجب أن ننظر للوراء لأخذ الاستنتاجات والدروس من الوقائع الماضية.
وتأتي هذه الندوة عموماً ضمن سياق الكثير من المغالطات والأسانيد المرتبكة التي ماتزال تسيطر بشدة على عقلية مفكري اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ويبدو ذلك واضحاً في عدم تطابق (النموذج العقلي) الذي يستخدمونه مع (الواقع الحقيقي).. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الطريقة التي يستخدمون بها منهج (نظرية تحليل النظم).. وهي نفس الطريقة التي طبقوها على العراق قبل قيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق، والتي كانت تفيد وتؤكد أن العراق منقسم إلى ثلاثة كيانات: شيعة، سنة، أكراد، وحاولوا استخدام هذه القسمة الثلاثية في تصميم وبناء وتطبيق نموذج (مصغر) للصراع الأهلي يعتمد على التلاعب باستخدام الأوراق العراقية الثلاثة وتحويلها إلى ملفات جيوبوليتيكية تؤدي إلى حرب الجميع ضد الجميع في العراق.. وقد فشل هذا (النموذج المصغر) فشلاً ذريعاً، وأصبحت الملفات الثلاثة أكثر تحولاً في هذا الوقت نحو الاندماج والتكامل في ملف واحد هو الوطنية العراقية.
أما بالنسبة لسوريا، فقد قطعت عملية التكامل الاندماجي الوطني شوطاً طويلاً.. ومهما حاولت إسرائيل أو أمريكا، ومهما قدّم لهم حلفاء وأصدقاء (المحاصصة) في المنطقة: حكومة السنيورة، قوى 14 آذار.. وغيرهم، فإن سوريا لن تكون إلا ملفاً واحداً عنوان الوطنية السورية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد