وثائق بن لادن: استهداف إيران سرا..دافعوا عن «دولة العراق الإسلامية» وليذهب أبنائي إلى قطر
«إيران عدوّ» لكن استهدافها ينبغي أن يكون بشروط محددة. والدفاع عن «دولة العراق الإسلامية» أولوية قصوى. هاتان الحقيقتان من شأنهما تلخيص قسم كبير مما ورد في الدفعة الثالثة من وثائق آبوت آباد، التي سربتها الاستخبارات الأميركية الأسبوع الماضي.
هذه الوثائق شكلت غنيمة ثمينة للاستخبارات الأميركية، التي باتت تحتكر حق التصرف بها منذ أن استولت عليها أثناء عملية اغتيال زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في مكان إقامته في بلدة آبوت آباد في باكستان العام 2011.
وقد سربت الدفعة الأولى من هذه الوثائق في أيار من العام 2012، والدفعة الثانية في كانون الثاني من العام 2015. وبالرغم من الشكوك التي تلازم صحة الوثائق التي تفرج عنها واشنطن، خصوصاً أنها تتعمد عدم نشرها كاملة واللجوء إلى اقتطاع أجزاء منها أو محو بعض العبارات والأسطر، إلا أن استشهاد أيمن الظواهري، أكثر من مرة، بما ورد في بعضها أضفى عليها نوعاً من المصداقية. ومع ذلك، فإن الانتقائية التي تمارسها واشنطن في إظهار وإخفاء ما تريد من هذه الوثائق، وفي التوقيت الذي يناسبها، يجعل من الصعب الاستناد إليها، من دون الأخذ بالاعتبار الغايات الأميركية من وراء ذلك.
حول إيران و«القاعدة»
كشفت الدفعة الأخيرة من الوثائق المسربة عن العناوين الكبرى التي تحكم العلاقة بين «القاعدة» وبين إيران. فالعداوة بينهما لا تحتاج إلى دليل، فهي أعمق من أي عداوة تجمع بين التنظيم وأية جهة أخرى في المنطقة، وهو ما ورد في رسالة موجهة إلى أبي نواف، جاء فيها: «ما من مصيبة مرت على أهل الإسلام منذ وفاة الرسول أعظم من ثورة الرافضة من الفرس والعرب». وشدد على أن التصدي لخطرها من أوجب الواجبات في الدين، مع عدم الاقتصار في ذلك على «نصرة أهل العراق، بل لا بد من تعبئة وتحريض أهل الإسلام عامة في كل بقاع الأرض».
وفي وثيقة أخرى، هي عبارة عن تحضير لخطاب لم ينشر، تحدث بن لادن عن خطر إيران. وأشار بكل وضوح إلى أنه لا يعتبر «الرافضة من أهل الإسلام»، مشيراً إلى «أننا نحن بفضل الله أول من قاوم توسعهم».
لكن بن لادن يدرك أن يده باتت مغلولة بحكم الظروف التي استجدت بعد الاجتياح الأميركي لأفغانستان، وهروب قادته وعناصره «عبر ممرات غير رسمية» إلى إيران، حيث تم اعتقال العشرات منهم، من بينهم «نجل بن لادن سعد»، الذي قالت إحدى الوثائق أنه تعرض للتعذيب. لذلك كان بن لادن حذراً بشدة في موضوع فتح جبهة قتال ضد طهران، بسبب خشيته على مصير قادته الفارين، وكذلك لأن «القاعدة» كانت تستخدم الحدود الإيرانية ـ الأفغانية لتهريب الأموال والأفراد.
وقد ورد في رسالة موجهة إلى الشيخ محمود أن فتح الجبهة مع إيران يكون في إحدى حالتين فقط: «إذا كنتم مضطرين لفتح الجبهة بسبب تعاظم أذاها (أي إيران)، وإذا كنتم قادرين على إلحاق الأذى بها، وإلا فإنني مع تأجيل فتح الجبهة». ويتابع بن لادن: « فإذا قررتم فتح الجبهة مع إيران، فالرأي عندي ألا تعلنوا ذلك، ولا تهددوا به، بل نفذوا ضرباتكم في صمت، ثم أَفهِموها أو اتركوها تُفهَم أنكم أنتم الضاربون». وتشير الوثيقة نفسها إلى أن بن لادن لم يحسم مسألة «استهداف الرافضة بالإسم»، وأنها لا تزال محل نقاش.
وفي وثيقة، هي عبارة عن رسالة موجهة إلى أبي محمد يلمح بن لادن إلى خطة عمل لإطلاق معتقلي «القاعدة» في إيران، مشيراً إلى «الأهوال والمآسي التي يتعرض لها إخواننا هناك». وكان لافتاً ما ذكره حول عدم صحة ما يقال إن عناصر «القاعدة» الفارين غير مرحب بهم في بعض البلدان، فعلى سبيل المثال «أبنائي محمد وحمزة ولادن هم من جزيرة العرب، ويسمح لهم بالتنقل في كل دول الخليج، فأطلقوهم وليذهبوا إلى قطر».
دافعوا عن «دولة العراق الإسلامية»
من جهة أخرى، كشفت الوثائق المسربة، أن الموقف داخل تنظيم «القاعدة» تجاه «دولة العراق الإسلامية» لم يكن محسوماً، بالرغم من الانتقادات التي كانت توجه إليها وراء الكواليس، بل على العكس، فإن ما ورد في الوثائق الأخيرة يرجح أن بن لادن لم يكن مقتنعاً بالتقارير التي تصل إليه حولها.
فقد طالب بن لادن، في إحدى الوثائق، أن يكون محور العمل الإعلامي هو «مواصلة دعم المجاهدين الصادقين في العراق، وفي مقدمهم دولة العراق الإسلامية، والذبُّ عنهم هو قطب الرحى، ولها نصيب الأسد والأولوية القصوى في كلماتكم وبياناتكم، والعمل على حشد الناس وفضح مؤامرات الخصوم عليها». وشدد على أن «يكون دعمكم لها واضحاً للعيان، ولا يخفى على أحد».
كما برز تشكيك واضح بالقاضي سليمان العتيبي، الذي سبق له رفع تقرير موسع إلى قيادة «القاعدة» حول تجاوزات «دولة العراق الإسلامية»، وما زال بعض خصوم «الدولة» يستندون إلى التقرير لإثبات صحة رأيهم فيها. فقد ورد في وثيقة، بتاريخ 5 آذار 2008، أن «العتيبي شخص معزول (من منصبه)، وكما يقال العزل طلاق الرجال، وغالباً بينه وبينهم مشاكل، فكيف نفرض عليهم شخصاً عزلوه» وتصف الوثيقة العتيبي بأنه «رجل غير مريح». وذلك في سياق حديث حول تشكيل لجنة تكون مهمتها النظر في الشكاوى ضد «الدولة»، وهو ما بدا بن لادن غير متحمس له من خلال الوثيقة.
وليس الموقف من «دولة العراق الإسلامية» وحده ما لم يكن محسوماً، بل حتى الموقف من موضوع تأسيس «إمارات أو دول» بدا غير واضح مع الدفعة الجديدة من التسريبات. ففي وثيقة مرسلة من عطية الله الليبي إلى «حركة الشباب» في الصومال العام 2010 تحدث الليبي بوضوح عن ضرورة التمييز بين الحركة وبين «الدولة»، وذلك في إطار مناقشته للميثاق الذي تنوي الحركة إصداره.
وفي خطوة من شأنها أن تنسف الأدبيات الجديدة لتنظيم «القاعدة» وبعض أفرعه، شجع الليبي «حركة الشباب» على النظر لنفسها كـ «دولة». وشدد على أنها بحاجة إلى «دستور» وليس إلى منهج «حركة»، مشيراً إلى «أننا فكرنا أنكم الآن في حكم وقوة الدولة، فأنتم بحمد الله ممكنون في بقعة واسعة من الأرض ومعكم شعب عريض».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد