هل يكون لبنان طليعة مشروع تحرري مشرقي؟
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التأمل لاكتشاف أن العمل الدؤوب من أجل إظهار مسألة المقاومة اللبنانية كما لوكانت "مسألة حزب الله"، هو عملٌ يخفي تحته أكثر بكثير من مجرد "سوء تقدير".
حزب الله بالتأكيد هو من حمل لواء المقاومة، وهومن يحافظ إلى اليوم على شعلتها متقدة.
لكن مقاومة المشروع الصهيوني بالزحف على المنطقة، مادياً عبر جيوشه،واقتصادياً وفكرياً عبر أدواته الأخرى، هي مسألة المنطقة برمتها.
فالمشروع الصهيوني ليس مشروع "احتلال استيطاني" لفلسطين، أو بعض أراضيها، أو حتى أراضي من دول الجوار الفلسطيني فحسب، بل هو مشروع يهدف إلى تدمير ثقافة المنطقة وجوهر وجودها، بما يضمن له الهيمنة التامة وطويلة الأمد على مقدراتها وشعوبها العربية خصوصاً، والمشرقية عموماً.
ولأنه كذلك فإن مقاومة هذا المشروع ليست لبنانية فحسب، بل هي مهمة كل من يطمح حقاً إلى الدفاع عن وجود شعوب المنطقة وجوداً حراً ومستقلا.
في هذا السياق طُرحت قضية "إسقاط الديكتاتوريات" في المنطقة على أنها مدخل لبناء هذه المجتمعات الحرة وذات السيادة، وتم الترويج لهذا الأمر إعلامياً وعبر مؤتمرات وتصريحات، إضافةً إلى السياسة الممارَسة عبر منظمات وهيئات دولية.
لكن، هل حقاً أن "التخلّص" من هذه الديكتاتوريات المزعومة قام بوسائل وأهداف توصل إلى الحرية والديموقراطية؟ أو بكلمات أخرى إلى مجتمعات مدنية مزدهرة وناهضة؟
بالطبع لا، ولا يحتاج هذا النفي إلى برهان بعد كل ما رأيناه في ما سُمي "الربيع العربي"، خاصةً في ليبيا وسورية.
فالمشروع المطروح بكل وضوح كبديل للأنظمة المُراد تغييرها، هو مشروع ماضوي متخلّف، يريد جرّ هذه المجتمعات إلى هاوية قواعد وقوانين وعلاقات مضى زمنها منذ دهر. بل أضاف هذا المشروع لماضويته تلك العداء الشرس لكل أشكال الحرية والديموقراطية التي شهد تاريخ المنطقة أشكالا منها في بعض فتراته.
وقد لاتكون الإشارة نافلة إلى أن حاملي هذا المشروع الماضوي هم أيضا فتية تكاد تكون علاقتهم منقطعة مع شعوبهم بحاضرها وماضيها، فبالكاد هم يعرفون بعض ما تم حشوه في رؤوسهم من قبل أصحاب المصلحة بتدمير المنطقة.
المشروع التحرري الحقيقي لا بد له أن يقدم ما هو متقدّم عما هو موجود، لا ما هو متخلف عنه بأشواط، كإيجاد منصات حضارية لصراع البشر بعضهم مع بعض: آليات ديموقراطية حقيقية تقوم على الحرية وتفتح الباب أمام الجميع؛ الغني والفقير، المثقف والجاهل،المؤمن والملحد.. وفي هذه الحالة سيكون هؤلاء معاً بالفعل ضد "تنين الديكتاتورية".
هذا لا يعني أن الأنظمة القائمة جيدة أو قادرة فعلاً على حمل هذا المشروع التحرري والذي يشكل مقتلاَ للمشروع الصهيوني، بل للمشروع الغربي كله.
فلكل منها الكثير من الثغرات والعقبات، إلا أن لبنان بتجرته الخاصة التي تجعلنا نشير إلى تأهّله ليأخذ منصة الطليعة في مثل هذا المشروع، وعلى مستوى المنطقة.
وهناك سببان على الأقل يدعمان هذا القول:
أولاَ: وجود المقاومة التي أمضت عقوداً في مقارعة الزحف الصهيوني، بل وانتصرت عليه مراراً، وتمكنت من أن تفعل ذلك دون أن تقع في خضم الصراع المذهبي والطائفي الذي أراد تحقيقه المشروع الصهيوني.
وثانياً: فشل النظام الجديد الذي تعمد في حرب طويلة في أن يكون تحديثاً جدياً وجوهرياً على النظام القديم (ما قبل سبعينيات القرن الماضي)، فلأسباب عديدة كان الناتج هو نظام يمكن اعتباره أسوأ من سابقه من عدة أوجه. وهو مثله من زاوية مهمة هي إعادة توزيع المناصب مناصفة على أساس طائفي (مسلمين، مسيحيين).
هذان الأمران رفعا بشدة من وعي المجتمع اللبناني للمشروع الصهيوني، كما لمساوئ النظام القائم بعد "الطائف"، وبالتالي فتحا المجال أمام المواطن اللبناني ليبحث عن دولة قانون مُمأسسة تقوم على العدالة الإجتماعية والسياسية، وتكون أساساً وسنداً للمقاومة، وتشكل رأس الحربة، أو الطيلعة، لمشروع تحرري حقيقي للمنطقة.
غسان عبد الخالق: آسيا
إضافة تعليق جديد