تقرير بريطاني: لبنان بحاجة إلى (الطائف-2) وليس (باريس-3)
الجمل: نشرت أكاديمية الدفاع البريطانية تحليلاً أعد تقريره بيتر كويكينبير الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، وقد حمل التقرير عنوان (موازنة لبنان المتأرجح).
حدد الباحث منذ البداية النقاط الأساسية للتحليل الذي قام بإعداده، وتتمثل هذه النقاط في الآتي:
- التأرجح الكارثي السائد والطاغي في لبنان أصبح أكثر تقلباً عبر التطورات الجارية حالياً –ومن ثم- يتوجب ترميمه وتقويمه من أجل مستقبل لبنان.
- شيعة لبنان، لهم مظالم سياسية واقتصادية حقيقية غير زائفة، يتوجب الاهتمام والتعامل معها، والقيام بذلك، سوف يزيد ويعلي شرعية الدولة، وبالتالي يقلل من الحاجة –أي حاجة الشيعة اللبنانيين- إلى حزب الله كبديل –للدولة-.
- الحكومة غير الشاملة سوف لن تكون قادرة على اتخاذ القرارات حول المسائل الحيوية. وحكومة الوحدة الوطنية يتوجب تكوينها لكي تهتم وتعنى بالمسائل ذات الأولوية والأهمية العليا مثل محكمة الحريري –الدولية، مؤتمر المانحين بباريس، وجود حزب الله العسكري.
- يمثل لبنان دولة شديدة الهشاشة، ومن غير الممكن أن تستخدم –هذه الدولة الهشة- في صراع القوى الجيوبوليتيكي الأكبر، والضغط الخارجي على لبنان، يجب تخفيفه، وذلك للسماح له بحل مشاكله الذاتية.
- يتوجب التوصية من أجل عقد مؤتمر آخر لاقتسام السلطة، ضمن وفي اتجاه مؤتمر الطائف.
تناول الباحث الموضوع من خلال خمس نقاط، يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• المقدمة: لبنان يواجه المشاكل، وبعدما استمتع بحوالي 15 عاماً من الاستقرار النسبي بدءاً من لحظة انتهاء حرب 1975- 1990، ولكن التطورات الحالية المتمثلة في:
- اغتيال الحريري.
- انسحاب القوات السورية.
- حرب الصيف بين حزب الله وإسرائيل.
جميعها أدت بالسماح للصدع والشقاق بالصعود والعودة إلى السطح مرة ثانية.. وحالياً كلما برز أمل في ردم هذا الصدع، فإنه سرعان ما يتبخر ويتلاشى، بحيث أصبح الكثير من اللبنانيين يغادرون بلدهم من أجل بناء حياتهم في الأماكن الأخرى.
• النظام الفاشل للبنان: منذ الاستقلال في عام 1943، ظل لبنان يحكم وفقاً لنظام دستوري، بحيث تم تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية بين مجموعاته –الاجتماعية- الكبرى، وذلك بشكل يقوم على التناسب الديمغرافي. وحالياً أصبحت عملية النسبة والتناسب هذه غير متناسبة. وقد كانت الحرب الأهلية اللبنانية جزء منها نتيجة للضغوط على هذا النظام الجامد المتصلب، وفي جزء آخر بسبب الضغوط الخارجية. وبرغم أن اتفاقية الطائف قد قوّمت وضبطت قواعد الارتباط السياسي، إلا أنها من الناحية الأخرى أرست قواعد النظام القديم.
• العمل غير المكتمل- شيعة لبنان: موقف شيعة لبنان هو الذي وضع النظام اللبناني تحت الضغوط، وذلك لأن الشيعة لم يستفيدوا كثيراً من التغييرات التي جلبتها وأحدثتها اتفاقية الطائف.. وفي الوقت الذي حصل فيه السنة اللبنانيون على دور أكبر عبر منصب رئيس الوزراء فإن الشيعة لم يحصلوا على ما يتوازن مع ذلك. وقد بقي جنوب لبنان، الذي تقطنه أغلبية شيعية كبيرة متخلفاً من الناحية الاقتصادية، وذلك بسبب فشل الدولة في تقديم الخدمات الضرورية وإعداد البنى التحتية اللازمة.
أدت الحرب بين حزب الله وإسرائيل إلى تغيير التوازن، وبسبب نتيجة الحرب أصبح حزب الله يعمل على تعزيز وتدعيم وزنه السياسي في الدولة اللبنانية، وأصبح الشيعة اللبنانيون يطالبون بدور أكبر يتناسب مع وزنهم وحجمهم الحقيقي. كذلك أدت التطورات الأخرى التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط إلى تعزيز موقف الشيعة اللبنانيين، ومن أبرز هذه التطورات، صعود قوة الشيعة في العراق، وبروز قوة إيران.
أما على الجانب الآخر، فقد تزايدت مخاوف بعض الأطراف اللبنانية من صعود قوة حزب الله داخل لبنان، وأصبحت هذه الأطراف تعمل من أجل تقليل قوة حزب الله عن طريق توجيه المزيد من الاتهامات والانتقادات لمواقفه، وذلك إضافة إلى قيام هذه الأطراف بالاستعانة بالأطراف الخارجية الدولية والإقليمية طلباً للاستقواء في مواجهة نفوذ حزب الله المتعاظم.
• الوحدة: المطالبة من أجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ليست أمراً غير معقول، أو غير مقبول، أو غير ممكن.. كذلك فهي ليست أمراً جديداً في الساحة السياسية اللبنانية، وقد تمت المطالبة بها حتى في فترة ما قبل الحرب، والشيء الذي تغير هو وزن وقوة حزب الله، بحيث أصبح حزب الله بعد الحرب أكثر وأكبر قوة عما كان قبلها.
إن المطالبة بـ(الثلث+1) من مقاعد مجلس الوزراء، (أو ما يُعرف بـ:الثلث الضامن)، لا يمكن أن تشكل إخلالاً لعملية النسبة والتناسب المعمول بها، خاصة وأن القاعدة الاجتماعية السكانية التي يستند عليها حزب الله تشكل حوالي 40% من حجم لبنان السكاني الكلي.
إذا تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فإنها سوف تتصدى لمعالجة المسائل الهامة، والتي من أبرزها موضوع المحكمة الجنائية الدولية، وملفات مؤتمرات باريس الأول، والثاني، والثالث... وغيرها.
• (الطائف-2)، وليس (باريس-3): وفي هذه النقطة يخلص الباحث بيتر كويكينبير إلى القول: إن اتفاقية الطائف لن تستطيع تفسيراتها، وتأويلاتها أن تتلاءم مع التغييرات والتطورات المطردة الجارية في لبنان. ومن ثم فهناك حاجة إلى القيام بإعادة معايرة توازن القوى داخل لبنان، وقد أثبت التاريخ أن لبنان يمكن أن يعمل إذا كانت مجتمعاته تعمل مع بعضها البعض، أي إذا تم إعطاء الشيعة وزناً وقوة أكبر في الحكومة، وتم إعطاء الجنوب اللبناني اهتماماً أكبر، فإن الحكومة اللبنانية سوف تصبح أكثر وزناً وأهمية في أعين اللبنانيين الجنوبيين الذين باتوا حالياً لا يثقون بها.
ويرى الباحث أن أي إعادة معايرة لتوازن القوى في لبنان، من هذا النوع، يتوجب أن تبدأ بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وأيضاً أن لا تقف حدود إعادة المعايرة عن هذه الحكومة، بل يجب أن تمتد إلى الجوانب الأخرى، بحيث تتم إعادة معايرة النظام الانتخابي.
ويخلص الباحث إلى ضرورة عقد ما أطلق عليه تسمية (الطائف-2) باعتباره الأكثر أهمية من مؤتمر (باريس-3).
وفي نهاية التحليل ألمح الباحث مشيراً إلى أن الزعماء اللبنانيين ظلوا يوجهون أنظارهم دائماً إلى الخارج، ويتجاهلون الداخل إلى حين يتفاقم ويستفحل المرض والداء.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد