بعد بريطانيا: الدانمارك وليتوانيا واستراليا تستعد للخروج من العراق
الجمل: أصبح لإعلان رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بالانسحاب من العراق مفعول العدوى، فحالياً تنظر كل من الدنمارك وليتوانيا في أمر إصدار قرارات مماثلة لسحب قواتها من العراق.. وتقول المعلومات: إن التحركات قد بدأت في البرلمان الاسترالي بهدف الضغط على الحكومة الاسترالية من أجل سحب قواتها من العراق.
الملخص التنفيذي لاستراتيجية بوش الجديدة حول العراق يشير إلى الآتي:
- ضرورة القيام بحفظ الأمن والاستقرار في العراق، عن طريق تأمين بغداد في المرحلة الأولى، والتي يتوجب أن تعقبها المناطق الأخرى. ولكي يتم ذلك، حددت استراتيجية بوش جملة من الأشياء، من بينها زيادة عدد وعتاد القوات الأمريكية في العراق.
- استهداف إيران وسوريا، باعتبار أنهما الدولتان مصدر الخطر على أمن وسلامة العراق في المنطقة.
وبرغم موافقة الإدارة الأمريكية الصريحة على قرار الانسحاب البريطاني، فقد كان لمراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية رأياً أخر، وهو رأي يستند على ما يبدو على تحليل قرار الانسحاب البريطاني وفقاً لمعطيات استراتيجية بوش الجديدة، ومفاصلها الأساسية التي أعدها المحافظون الجدد (بإشراف كاغان ودونيللي) ونشرها معهد المسعى الأمريكي.
• منظور معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
أعد الدراسة الباحثان: ميشيل كنايتس، وإيد ويليامز، وحملت عنواناً رئيسياً هو (الهدوء قبل العاصفة) وعنوان ثانوي (التجربة البريطانية في جنوب العراق).. وتناول الباحثان التجربة البريطانية ضمن:
- ثمانية نقاط هي: المقدمة، عمق الجنوب العراقي في آذار 2003 صيف السخط وعدم الرضا، صعود الأطراف والأحزاب، الانتفاضة والعصيان بين الانتخابات، الانحدار، التوقعات والدروس.
- ملحقين هما:
* جنوب العراق: البنى التحتية النفطية (خارطة).
* نتائج الانتخابات: كانون الثاني 2005م.
• منظور مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية:
أعد الدراسة الخبير الاستراتيجي أنطوني إتش كورديسمان، وحملت عنوان (الهزيمة البريطانية في الجنوب واستراتيجية بوش غير المؤكدة في العراق: "نقاط النفط"، "مخططات الحبر"، "الفضاء الأبيض"، أم اللامعنى وعدم الفعالية؟).
كذلك تبادل كورديسمان ال موضوع من ثمانية نقاط هي:
- الهزيمة البريطانية بواسطة الإسلاميين الشيعة.
- استراتيجية بوش: مرآة تصوير النتيجة الاستراتيجية للهزيمة البريطانية.
- التوهم والارتباك ببغداد كمركز للتغلغل.
- خيارات الاستجابة لاستراتيجية بوش الجديدة.
- "الهزيمة" (أو "النصر") بواسطة الحكومة العراقية.
- مسألة الصدر.
- المسائل السنية والكردية.
- "خسارة" في وقت "الفوز" أم "فوز" في وقت "الخسارة".
يرتبط معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بشكل وثيق مع منظمات اللوبي الإسرائيلي، بل ويندرج ضمنها تماماً باعتباره مركز الدراسات الأكثر نشاطاً والأسرع تجاوباً مع أحداث منطقة الشرق الأوسط، وقد كانت دراسة المعهد عبارة عن نقد صريح وواضح لأداء قوات التحالف في العراق بشكل عام، وعلى وجه الخصوص القوات البريطانية، متهماً العسكريين البريطانيين بأنهم سبق أن انسحبوا من منطقة ميسان العراقية أمام المسلحين، ثم مهدوا بعد ذلك لقرار انسحابهم الأخير باعتمادهم على استراتيجية تهدف إلى تحقيق الانسحاب البريطاني الكامل في نهاية الأمر، وأشار الكاتبان إلى النقاط الأساسية التي اعتمدتها الاستراتيجية البريطانية، وهي:
- الالتزام بمستوى قابل للإدارة والسيطرة في التعامل مع تهديدات ومخاطر المتمردين.
- تعزيز قدرة قوات الأمن العراقية للتعامل مع خطر الإرهاب، وذلك على النحو الآتي:
* إقامة نظام حكم محلي يتميز بالفعالية والكفاءة.
* موثوقية ومصداقية قوات التحالف في مساندة القوات المحلية- العراقية.
وفي نهاية الدراسة يشير الباحثان إلى أن الدرس المستنبط من أعماق الجنوب العراقي، يقول بأن وسطاء وممثلي السلطة المحلية من الشيعة العراقيين، قد قرروا على ما يبدو الإمساك بزمام مصائرهم المستقبلية، والتوقعات تقول بأن الفصائل العراقية قد سرعت من أمر المساومات واستخدامات العنف في الفترة الأخيرة الماضية وذلك من أجل حسم موضوع إيجاد الصيغة المثلى لأسلوب التعايش بين بعضها البعض في جنوب العراق، بالشكل الذي يقوم على توازن القوى في المنطقة.
أما مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فيرتبط بالتوجهات القومية الأمريكية، ودعم مشروعات السيطرة والهيمنة الأمريكية، وبرغم محاولته تفادي وتحاشي دعم إسرائيل، إلا أن دراساته وبحوثه تتضمن الـ(نزعة) التدخلية) التي تطرح رؤية الحزب الجمهوري الأمريكية في السياسة الخارجية الأمريكية، ويسيطر على المعهد نخبة من كبار الجمهوريين الأمريكيين، ومن أبرزهم اليهودي زبيغنيو بريجينسكي، ومستشار الأمن القومي السابق، والرافض لحرب العراق، والحرب المحتملة ضد إيران، باعتبارهما حربان تهددان وتعرقلان مشروع الهيمنة الأمريكية.
كان الخبير الاستراتيجي كورديسمان واضحاً منذ البداية، وذلك عندما تحدث عن هزيمة البريطانيين بواسطة الإسلاميين الشيعة العراقيين. وتقوم رؤية كورديسمان على أن توزيع المسؤوليات الميدانية في العراق يقوم على أساس اعتبارات أن يتولى الأمريكيون السيطرة على المنطقة الوسطى والشمالية، ويتولى البريطانيون السيطرة على جنوب العراق.
يشير كورديسمان إلى أن عدم قدرة البريطانيين على تبني استراتيجية جديدة في جنوب العراق، بشكل يماثل الاستراتيجية التي تبنتها إدارة بوش، هو السبب الرئيسي في فشل وهزيمة البريطانيين. وكان من أبرز تداعيات ذلك أن القوات الأمريكية انخرطت بالكامل في تنفيذ خطة تأمين بغداد باعتبارها تمثل مركز الثقل الأمني في الوسط، وبدرجة أكبر لعموم العراق، أما البريطانيون فعلى العكس من ذلك، لم يقوموا بالانخراط في خطة مماثلة لتأمين مدينة البصرة باعتبارها تمثل مركز الثقل في جنوب العراق، وفضلوا الرحيل وترك العراق بالكامل في نهاية الأمر.
وعموماً نقول: برغم السمعة الذائعة الصيت التي يتميز بها معهد واشنطن، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وبرغم مهارة كورديسمان وخبرته الطويلة في إعداد البحوث والدراسات للإدارة الأمريكية وللجان الأمن والدفاع والسياسة الخارجية التابعة للكونغرس، فإنه من الخطأ اعتبار الانسحاب البريطاني نتاجاً للتطورات العسكرية الميدانية وحدها، وهناك عوامل أخرى تدخل ضمن العوامل التي حفزت على صدور قرار الحكومة البريطانية، ومن أبرزهأ:
- ضغط الرأي العام البريطاني.
- عدم قدرة الاقتصاد البريطاني على تمويل حرب العراق والتي أصبحت تتطلب توفير مبالغ ذات أرقام فلكية.
- تدهور موقف حزب العمال البريطاني داخل بريطانيا.
- تذمر رجال الأعمال البريطانيين والشركات البريطانية من جراء سيطرة الشركات الأمريكية على كل شيء داخل العراق، بما في ذلك السيطرة على العقود الاستثمارية في المناطق التي تسيطر على القوات البريطانية، الأمر الذي جعل القوات البريطانية التي تعمل كمجرد حارس لمصالح الشركات الأمريكية والمتعاقدين الأمريكيين.
- انسحاب القوات البريطانية يؤدي لتخفيف الضغوط العسكرية الأجنبية في جنوب العراق، وهو أمر يتيح للشيعة العراقيين التواجد الآمن بجنوب العراق، وكل ذلك يهدف إلى تخفيف الضغط على القوات الأمريكية في بغداد، وبكلمات أخرى: إن القوات الأمريكية سوف تقوم بتشديد ضغوطها على الشيعة في بغداد، وبالتالي يتدفق الكثير منهم إلى جنوب العراق باعتباره يمثل الملاذ الآمن.
أما آخر التصريحات فيشير إلى احتمالات حدوث المزيد من المفاجآت، فقد صرح طوني بلير بأن القوات البريطانية التي سوف تنسحب من العرق من الممكن أن نعود إليه مرة أخرى.. كذلك هناك معلومات مؤكدة تقول: إن قرار البريطانيين قصد به سحب القوات من العراق، وإرسالها إلى أفغانستان على غرار مقولة الانتقال من مربع إلى مربع مع الإبقاء على الوضع نفسه.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد