25-11-2017
مذبحة في مسجد للصوفية في سيناء: تحويل المواجهة في اتجاه «طائفي»
تطوّر نوعي جديد للعمليات الإرهابية شهدته سيناء، يوم أمس، حين استهدفت جماعات مسلحة مسجداً للمصلّين في قرية الروضة، ذات الغالبية الصوفية، على بعد نحو 50 كيلومتراً من العريش، موقعةً مذبحةً، هي الأعنف في تاريخ المواجهة بين الدولة المصرية والجماعات الإرهابية، راح ضحيتها 235 قتيلاً و115 جريحاً
تطور نوعي جديد في العمليات الإرهابية في سيناء. الجماعات التكفيرية التي كانت تستهدف عادة نقاطاً عسكرية وأمنية، أو أفراداً من قبائل وعائلات تعاونت مع الشرطة والجيش في إمدادهم بمعلومات أو تحركات غير طبيعية قبل تنفيذ أي عمليات، نفذت، يوم أمس، هجوماً إرهابياً هو الأعنف في تاريخ مصر الحديث من حيث عدد الضحايا، الذي ناهز 235 قتيلاً و115 جريحاً في حصيلة غير نهائية.
ويشكّل عدد الضحايا نحو 20 في المئة من سكان القرية، بعدما استهدف المسلحون المكان الذي يجتمع فيه أكبر عدد من الأهالي أسبوعياً.
الهجوم هو أول عملية إرهابية في تاريخ مصر، تستهدف مصلين في أحد المساجد، فبرغم الفكر المتشدد الذي يكفر المسلمين غير المؤيدين للأفكار المتشددة، إلا أن مصر لم تشهد أي عمليات تستهدف مصلين مسلمين، في ما عدا حالات فردية، أشهرها حادثة اغتيال وزير الأوقاف الشيخ محمد الذهبي عام 1977، التي نفذها متشددون ينتمون إلى تنظيم «التكفير والهجرة».
ووفق المعلومات الأولية وشهود عيان، فإن انفجاراً وقع بالقرب من مسجد بلدة الروضة، قرب العريش، خلال صلاة الجمعة، ما دفع المصلين إلى التدافع والخروج من المسجد، ليفاجأوا برصاصات أطلقت من نحو 20 مسلحاً باتجاه كل الموجودين، الأمر الذي أسفر عن وقوع العدد الأكبر من الضحايا في الحال.
وتوقف إطلاق النار بعد وقت طويل، وفرّ جميع المسلحين من الموقع، من دون أن تتم ملاحقة سريعة لهم، وخاصة أنه ليس هناك أي نقطة أمنية بالقرب من المسجد.
وبحسب مصدر طبي، فإن العدد الأكبر من الضحايا سقط بإصابات مباشرة في الرأس، حيث استهدف المسلحون المصلين، خلال محاولتهم الخروج من المسجد بعد سماع صوت التفجير، بينما دخلوا المسجد، وواصلوا إطلاق النار على من تبقى، بحيث لم ينجُ سوى عدد محدود للغاية من المواطنين، وخاصة مع تعمّد المسلحين تصفية الفارين وملاحقتهم.
وتعرض عدد من سيارات الإسعاف لخسائر نتيجة الحادث، بعدما استهدفها المسلحون خلال محاولة نقل المصابين إلى المستشفى، في وقت عانى فيه الجرحى من نقص الرعاية الطبية بشكل كبير، وخاصة في ظل عدم جاهزية المستشفى القريب لاستقبال العدد الكبير من الجرحى، ونقص مخزون الدم في المستشفيات القريبة.
ونُقل عدد من المصابين إلى أماكن متفرقة في المحافظات القريبة، ومنها الإسماعيلية وبور سعيد، إضافة إلى مستشفى العريش، في حين نُقلت حالات أخرى إلى القاهرة لاحتياجها إلى علاج دقيق نتيجة خطورة الإصابة.
وبرغم ثبوت التقصير الأمني في وصول المسلحين إلى القرية بأسلحتهم، إلا أن وحدات الجيش المصري التي تسيطر على غالبية المناطق في سيناء، لم تكن قادرة، في حقيقة الأمر، على منع الحادث، أو حتى تقليل الخسائر، ليس فقط بسبب عدم وجود تأمين على أي من مساجد الجمهورية والتعامل مع المساجد باعتبارها أماكن مقدسة لا يجوز إيذاء الموجودين بداخلها، ولكن لأن المكان بالكامل غير مجهز لمواجهات مسلحة مع الإرهابيين.
وبصرف النظر عن الملابسات، فإن الهجوم الإرهابي يحمل دلالات عدة.
التفسيرات الأولية تشير إلى أن الإرهابيين قرروا الانتقام من أهالي القرية بسبب دعمهم للجيش والشرطة في المواجهات المحتدمة منذ عدة سنوات، والتي شهدت تطورات ميدانية لمصلحة القوات المصرية، جعلها تفرض سيطرتها على قطاعات عديدة شهدت اضطرابات، وخاصة بعد الاتفاقات والتفاهمات الأمنية التي جرت مع حركة حماس لإغلاق الحدود مع قطاع غزة بشكل كامل.
لكن هذا التفسير ليس وحيداً، مع النظر إلى الصورة من زاوية أخرى، فالهجوم يؤكد أن ثمة تحولاً في أهداف الجماعات الإرهابية في سيناء، ليصبح باتجاه المدنيين، وأبناء القبائل التي تدعم الجيش والشرطة، وهو ما قد يعكس نجاحاً نسبياً للاستراتيجيات الأمنية المتبعة في سيناء أخيراً، والتي حدّت من العمليات الإرهابية بشكل كبير، بعد أكثر من سنوات على انطلاقتها، في أحدث نسخها التوحشية، وتحديداً بعد إطاحة الرئيس «الإخواني» محمد مرسي في الثالث من تموز عام 2013.
من بين الأهداف المحتملة، أن تكون الجماعات التكفيرية راغبة في تحويل المواجهة باتجاه طائفي، وهو ما يمكن استنتاجه من الطبيعة الديموغرافية للقرية المستهدفة، والتي يغلب عليها الطابع الصوفي، وما يعنيه ذلك من مسعى لتكرار تجارب الهجمات الطائفية، وربما التحريض على مثيلات لها في مناطق مصرية أخرى، كما جرى في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وغيرها.
ولا شك في أن الجماعات التكفيرية وضعت نصب أعينها منذ فترة طويلة إثارة الفتن بين الطوائف المصرية، سواء عبر استهداف الأقباط بعمليات إرهابية، وتهديدات أدت إلى تهجيرهم من سيناء، أو حتى الطرق الصوفية، وهو توجه ليس بجديد، وبدأت ملامحه تتبدى منذ سنوات، وإن عبر حالات محدودة.
ما سبق يعكس صورة قاتمة بالنسبة إلى المواجهة مع الجماعات الإرهابية التي استطاعت فرض سيطرتها وتنفيذ عمليات أسقطت مئات الشهداء من الجيش والشرطة خلال السنوات الماضية. صحيح أن العمليات تراجعت بقوة خلال الفترة الماضية من الناحية الكمية، إلا أنها بقيت أكثر إيذاءً في بعض الضربات النوعية الكبيرة.
إلا أن ثمة من يعتقد بأن هجوم أمس، وتداعياته على أبناء القبائل والعائلات، سيولد اصطفافاً أكبر خلف الجيش والشرطة في مواجهات المتطرفين، متغاضين عن بعض الأخطاء التي وقعت في أوقات سابقة.
وفي كلمة مقتضبة، دمجت بين الارتجال والنص القصير، وأعقبت اجتماعاً للجنة الأمنية بمشاركة وزيري الداخلية والدفاع والقائم بأعمال رئيس الوزراء، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي الحداد العام لمدة ثلاثة أيام، مؤكداً أن الحادث «لن يزيدنا إلا إصراراً ووحدة» وأن الرد سيكون بـ«قوة غاشمة».
وقال السيسي إن «ما يحدث في سيناء هو انعكاس حقيقي لجهود مصر في مواجهة الإرهاب الذي تحاربه بمفردها نيابة عن المنطقة والعالم بالكامل»، مضيفاً «تأكدوا أن المعركة التي تخوضونها هي أنبل وأشرف معركة على الإطلاق في مواجهة الشر والأعمال الخسيسة، وترويع الآمنين».
وبينما تحدث السيسي عن عمليات ثأرية تقوم به قوات الجيش والشرطة لمواجهة «هؤلاء الشرذمة المتطرفين التكفيريين»، نفذ سلاح الجو غارات على سيارتين يعتقد أنهما كانتا تقلان عدداً من منفذي الهجوم، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً.
وقال عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف فؤاد علام، «أخشى أن يكون ذلك استكمالاً لتنفيذ المخطط العالمي في إحداث فوضى في المنطقة العربية، وحدوث حروب طائفية ودينية وسياسية يكون لها أثر فى إشعال الفتن الطائفية بين الشيعة والسنة وغيرهم، وهو مخطط دولي يحتاج إلى تماسك وتحالف من كل القوى العربية، ووضع خطة كاملة للقضاء على الإرهاب».
وطالب عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، الذي شغل في السابق منصب وكيل جهاز أمن الدولة، باتخاذ خطوات تأمينية جديدة لحدودنا الغربية والشرقية، نظراً إلى كون ليبيا أصبحت تشكل خطراً كبيراً في دخول الإرهابيين إلى مصر والتمويل بالسلاح، والبؤر الإرهابية، مقترحاً نقل المواطنين المدنيين من سيناء إلى مدن بور سعيد أو الإسماعيلية لمدة ستة أشهر، لكي يكون سهلاً على القوات المسلحة القيام بمسح لهذه المنطقة، والقضاء على العناصر الإرهابية بشكل كامل.
الصوفيون في دائرة الخطر
وقع حادث مسجد الروضة في قرية تقطنها غالبية صوفية ويتبع أنصارها الطريقة الجريرية الأحمدية، علماً بأن الصوفيين تلقوا تهديدات من قبل أكثر من مرة بعد مساعدتهم للأمن المصري. وخلال العام الماضي، تعرّض الشيخ الصوفي سليمان أبو حراز (80 عاماً) للذبح من قبل عناصر تنظيم «ولاية سيناء»، الذي وصف الشيخ بـ«الكاهن»، فيما قام التنظيم بتفجير أكثر من ضريح للصوفيين، من بينها ضريح الشيخ زويد الذي تعرض للتدمير الكامل. وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها القرية لهجوم، حيث تم تدمير ضريحين لاثنين من مشايخ الصوفية، فيما نفذت الجماعات المسلحة عمليات تدمير لثلاثة أضرحة أخرى قبل نحو عامين.
وشهدت القرية قبل أشهر نزوح عشرات الأسر التي ترتبط معها بعلاقة مصاهرة، من مدينة الشيخ زويد، هرباً من العمليات الإرهابية، حيث استقر عدد منهم بالقرب من أقاربهم.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد