إنتظار جو بايدن.. مضيعة وقت
كيف سيتعامل “الرئيس” الديموقراطي جو بايدن مع قضايا ودول الشرق الاوسط؟
لا بد قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال النظري من القول إن التركيز الأساسي في المعركة الإنتخابية الأميركية يتمحور حول الشؤون الداخلية، وبالتالي، لن يكون الشرق الاوسط وغيره من الملفات الخارجية محور مناقشة وتنافس بين الحزبين والمعسكرين الإنتخابيين الديموقراطي والجمهوري.. إلا أن ذلك لا يمنع من مقاربة ملفات منطقتنا من وجهة نظر الأميركيين.
أولاً، تبقى إسرائيل حليفاً وصديقاً لواشنطن بغض النظر عن شخصية أو حزب أو معسكر رئيس الحكومة الإسرائيلية. إن رؤية جو بايدن ومعه الأكثرية الساحقة من أبناء الطائفة اليهودية الأميركية لسلام إسرائيلي فلسطيني تختلف عن رؤية بنيامين ناتنياهو وحلفائه من يمين المكون اليهودي في اميركا. إن بايدن وحلفائه هم مع حل الدولتين، ذلك أنهم يخشون ان يؤدي الضم الذي يرغب نتنياهو به مع حلفائه إلى فرض حل الدولة الواحدة على ارض فلسطين التاريخية بحيث يكون فيها للمكون الفلسطيني اكثرية عددية تقضي تدريجيًا على اسرائيل، كما رسمها وبناها وايزمان وهرتزل وبن غوريون وغيرهم من المؤسسين الاوائل. كذلك، يخاف بايدن ومعسكره من ان ينتقل الخلاف على ارض فلسطين من مشكلة مزمنة بين شعبين الى قضية حقوق مدنية للفلسطينيين تشبه ما كان عليه الحال في جنوب افريقيا. ومهما كانت الظروف، من الأرجح، ان يتبع بايدن سياسة اوباما بتجاهل ما يقوم به ناتنياهو وتبقى القضية الفلسطينية في إنتظار تغيير جذري في اسرائيل.
ثانياً، تبقى دول الخليج العربية، وبالأخص السعودية صديقة لواشنطن بغض النظر عمن هو الملك وولي العهد. لنتذكر جيداً ان ولي العهد السابق، محمد بن نايف كان صديقهم الحميم ولم يفعلوا شيئًا لمساعدته عندما أُقصي من منصبه. واشنطن والرياض متفقتان في سوريا على تغيير سلوك النظام السوري وانسحاب ايران وحزب الله من الأراضي السورية. ومن المتوقع ان يختلف بايدن عن ترامب في نظرته لما تقوم به تركيا في شمال سوريا، فهو يميل إلى الإتفاق مع السعودية في هذا المضمار. كذلك، يتفق بايدن مع السعودية في عدم التخلي عن الاكراد، لكن من ضمن دولة سورية موحدة في ظل نظام جديد ودستور جديد، وكيان لا يهدد أمن جنوب تركيا. أما في ما يخص اليمن، فربما يحاول بايدن مساعدة السعودية في كيفية الخروج من هذا المأزق إذا تعاونت إيران مع الأمم المتحدة.
لن يحاول بايدن ان يسهّل او يحسّن العلاقات مع طهران لانه لا يشارك الرئيس اوباما في النظرة المتعاطفة مع دول العالم الثالث، كما انه لن يجد في واشنطن من يشجعه على السير في هكذا سياسة مكلفة سياسياً
ثالثاً، ليس لإيران أصدقاء في معسكري واشنطن الجمهوري والديموقراطي، وهذا يعني ان بايدن لن يسعى الى معاكسة سياسة ترامب تجاه ايران، لكن ربما لن يزيد من وطأة العقوبات عليها. سيستمع بايدن الى حلفائه الاوروبيين واسرائيل والسعودية بهذا الشأن قبل ان يقرر كيفية معالجة القضايا العالقة مع ايران. وربما يقرر العودة الى مسار المفاوضات الذي أدى إلى إبرام إتفاق ٢٠١٥ بين إيران والدول الخمس + 1، في عهد باراك اوباما، مع تعديل في تاريخ انتهاء مدة العمل بالإتفاق، بالاضافة الى اتفاق موازٍ بشأن الصواريخ البالستية.
لن يحاول بايدن ان يسهّل او يحسّن العلاقات مع طهران لانه لا يشارك الرئيس اوباما في النظرة المتعاطفة مع دول العالم الثالث، كما انه لن يجد في واشنطن من يشجعه على السير في هكذا سياسة مكلفة سياسياً. ومن الارجح ان تتجنب الإدارة الديموقراطية في المفاوضات، اذا حصلت، مقاربة مشاكل تتعدى الملف النووي والصاروخي كالعراق ولبنان، تماماً كما حدث في المفاوضات السابقة في عهد اوباما.
رابعاً، إن المؤثر الرئيسي في السياسة الاميركية تجاه لبنان هو الكونغرس. العقوبات الاميركية على حزب الله بدأت في الكونغرس في عهد الرئيس اوباما. لم يكن اوباما متعاطفًا مع قرار الكونغرس لكن لم يكن باستطاعته نقض القرار لانه اقر باكثرية ساحقة في مجلسي الشيوخ والنواب. وحتى في ما يتعلق بدعم الجيش اللبناني، يبقى القرار للكونغرس. فقد حاولت ادارة ترامب توقيف الاعتمادات للبنان في العام الماضي بعدم صرفها، فأتى الضغط من الكونغرس. هنا أستذكر مناسبتين لوقف المساعدات الاميركية للجيش اللبناني. الاولى، في أوائل تسعينيات القرن الماضي وقد أوقَفَ شيخ أميركي واحد، هو جيسي هلمز، المساعدة التي كانت واشنطن تقدمها للجيش اللبناني. كان الملحق العسكري في السفارة اللبنانية العميد طنوس معوض، وكنت اعرف الشيخ هلمز من ولاية كارولينا الشمالية، ولقد نجح معوض، بعد جهد إستثنائي، في تأمين عودة الدعم الاميركي الى الجيش. أما المناسبة الثانية، فكانت في العام ٢٠١٧ وقد رافقت وزير الخارجية وقتذاك جبران باسيل الى اجتماع مع رئيسة لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأميركي. وقد عمدت النائبة الأميركية الى الثناء على الجيش اللبناني، فاشار الوزير باسيل إلى ان هناك اشاعات بان الادارة قد توقف الدعم للجيش. فردت النائبة بحزم وحسم على ان الكونغرس يقرر ذلك فلا تقلقوا.
ان من عادات اللبنانيين والعرب انتظار “الاستحقاقات” الدولية لحل مشاكلهم المزمنة، وحالياً هم ينتظرون انتخابات الرئاسة الاميركية. حتماً، سيكون هناك تغيير في حال انتخب جو بايدن رئيساً. لكن، من المهم التأكيد أن حل القضايا والمشاكل المحلية والاقليمية تبدأ من داخل كل دولة ومن داخل المنطقة لا من خارجها. لذلك، عندما تتهم معظم الأنظمة الفاشلة في الشرق الاوسط الولايات المتحدة بأنها سبب فشلها من دون أن تحمّل هذه الدول نفسها عناء أية مسؤولية عما وصلت إليه أوضاعها المزرية سياسياً وإقتصادياً، إنما تظلم عقول شعوبها التي صارت تعلم أنه في كل بلد فاشل.. هناك كذبة “راجح”!
عبد الله بو حبيب
إضافة تعليق جديد