ما هي خطة العمليات الأمريكية السرية في لبنان

الجمل:    برغم استمرار القتال في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام، فقد حملت الأخبار المزيد من المعلومات القائلة بأن ثمة اشتباكات قد وقعت في مخيم عين الحلوة بين القوات اللبنانية، والجماعات الإسلامية السنية المسلحة الموجودة في المخيم.
• مخيم عين الحلوة:
يقع مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، بجوار مدينة صيدا اللبنانية، وعلى بعد 80 كيلومتر من العاصمة بيروت، ويعتبر مخيم عين الحلوة، الأكبر حجماً وسكاناً من بين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
توجد بمخيم عين الحلوة، إضافة إلى الفصائل الفلسطينية، بعض الجماعات الإسلامية المسلحة، ومن أبرزها:
- جماعة عصبة الأنصار.
- جماعة جند الشام.
وترتبط هاتان الجماعتان بتنظيم القاعدة، وقد تم دعمهما بواسطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، عن طريق سعد الحريري والسيدة بهية الحريري، وبعض زعماء قوى 14 آذار اللبنانية.
• الدلالات غير المعلنة لتمركز الجماعات الإسلامية في المخيمات:
يوجد في لبنان 19 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، منها 12 مخيماً معترف بها رسمياً، وبسبب الحصانة التي ظلت تتمتع بها هذه المخيمات، فقد استطاعت الجماعات الإسلامية المسلحة، المدعومة بواسطة حكومة السنيورة، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التمركز داخل هذه المخيمات.
المثير للانتباه أن عناصر هذه الجماعات تم تجميعها من أفغانستان وباكستان، والعراق، والسعودية، وبعض بلدان الخليج والبلدان العربية والإسلامية الأخرى، في الفترة التي أعقبت مباشرة هزيمة مقاتلي حزب الله للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.
أقامت هذه الجماعات مراكز القيادة والتدريب في هذه المخيمات وظلت تحصل بانتظام على الدعم والتموين والحماية الأمنية بواسطة بعض رموز قوى 14 آذار، وبعد بضعة أشهر على تواجد هذه الجماعات في المخيمات انكشفت فضيحة (القاعدة- غيت) والتي كشفت النقاب عن وجود مخطط لاستخدام هذه الجماعات في استهداف حزب الله اللبناني وإشعال حرب أهلية في لبنان.
• التطورات الأخيرة- خطة جديدة، أم مواجهة حقيقية:
السرعة التي تخلى بها رموز قوى 14 آذار عن دعم ومساندة هذه الجماعات تطرح أكثر من تساؤل:
لماذا جاء المسؤول الأمريكي ديفيد وولش إلى لبنان، ولماذا اندفع القتال بعد انتهاء زيارته تماماً بين فتح الإسلام والجيش اللبناني؟ ولماذا بدأ القتال ضد جماعة فتح الإسلام دون غيرها من الجماعات الأخرى،؟ وهل للأمر علاقة بصدور قرار المحكمة الدولية؟ وهل هذه الجماعات الإسلامية تمثل شيئاً واحداً، أم أنها تمثل عدة كيانات؟ وما هي أجندة كل واحدة منها؟ وما هو مشروعها الخاص؟ وما هي صلتها بتنظيم القاعدة؟ وكيف تم توصيل السلاح إليها؟ وهل كانت الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تشرف على حراسة وأمن المعسكرات لا تعلم عنها هذه الجماعات شيئاً أم أن هناك أطرافاً لبنانية (مؤثرة) طلبت من الفلسطينيين السكوت والتزام الصمت إن أرادوا البقاء في معسكراتهم بأمان؟
• الفرضيات المفسرة للتطورات الأخيرة:
- فرضية التخلي عن هذه الجماعات: وتقول هذه الفرضية بأن التطورات الأخيرة التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط قد أقنعت المخابرات الأمريكية بعدم الحاجة إلى هذه الجماعات، خاصة وأن قرار المحكمة الدولية قد تم إصداره بواسطة مجلس الأمن الدولي، كذلك فإن هذه الجماعات بدأت تؤثر على اللاجئين الفلسطينيين وتستقطبهم لعضويتها وتدربهم كانتحاريين، وهو أمر يهدد أمن إسرائيل.. إضافة إلى أنه سوف يؤدي بلا شك إلى توسيع دائرة الأصولية الإسلامية في لبنان والمنطقة.. كذلك فقد تأكدت المخابرات الأمريكية من عدم قدرة هذه الجماعات على الدخول في مواجهة حقيقية مع حزب الله اللبناني.. ومن هنا برزت الكثير من المخاوف، من أن تصبح هذه الجماعات منطقة تفريخ للعناصر الأصولية التي تهدد الوجود الأمريكي في العراق، وإسرائيل.
ولكل هذه الأسباب قررت المخابرات الأمريكية التخلي عن هذه الجماعات، وحتى لا يتكرر سيناريو أفغانستان الذي تخلت فيه أمريكا عن الجماعات الإسلامية، على النحو الذي جعلهم يستقلون بأنشطتهم ويشكلون فيما بعد تهديداً خطيراً لأمريكا وحلفائها، فقد قررت المخابرات المركزية تدبير (المحرقة) لهذه ا لجماعات، وذلك حتى يتم التخلص منهم بالكامل ضماناً لعدم استمرار وجودهم.. ويعتقد بأن (مخططات وأوامر تنفيذ المحرقة) أتى بها لحكومة السنيورة وقوى 14 آذار المبعوث الأمريكي ديفيد وولش، كذلك ضمن هذه الفرضية هناك رأي يقول بأن مخطط تجميع الإسلاميين في هذه المعسكرات قد تم بالأساس من أجل التخلص من الكثير من العناصر الجهادية العربية، وقد استطاعت المخابرات الأمريكية تنفيذ عملية سرية مع المخابرات الباكستانية وبعض زعماء الجماعات الاسلامية الباكستانية المرتبطين بها تم بموجبها برحيل بعض العناصر الجهادية الموجودة في باكستان، (ويقال إن الدفعة الأولى من هؤلاء المجاهدين جاءت إلى لبنان عن طريق طائرة أمريكية نقلتهم من باكستان) بعد  إقناعهم بالتجمع في لبنان تمهيداً للجهاد في فلسطين ولبنان، وبعد أن تم تجمع أكبر عدد ممكن منهم، تم الانقلاب عليهم بهدف التخلص النهائي منهم، وبالتالي فإن ما يحدث حالياً هو مواجهة حقيقية.
- فرضية تغيير الخطة: تقول هذه الفرضية بأن مكتب ديك تشيني ووكالة المخابرات الأمريكية كانوا يخططون لاستخدام هذه الجماعات من أجل إحداث المزيد من الفوضى والاضطرابات الأمنية في لبنان، ثم استخدام ذلك كذريعة لتوسيع دائرة ونطاق التدخل الدولي في لبنان والمنطقة.. ولكن بعد صدور قرار إنشاء المحكمة الدولية، فإن هذه الجماعات أصبح لا داعي لوجودها، وذلك لأن تداعيات الصراع التي سوف تجلبه تداعيات ملف المحكمة الدولية، سوف يؤدي إلى المزيد من الصراعات داخل لبنان، ومن ثم فإن وجود هذه الجماعات سوف يترتب عليه انخراطها في الصراعات القادمة، ولما كانت عناصر هذه الجماعات من المتطرفين الإسلاميين الذين تم تضليلهم وتجميعهم تحت رايات، وعلى خلفية واجهات معينة، فإنهم قد يتخذون مواقف غير مواتية لأمريكا وحلفائها، وذلك لأن طبيعة الصراع القادم في لبنان سوف تكون مكشوفة بوضوح، ولكل هذه الأسباب لابد من التخلص منهم، والمضي في المرحلة الثانية من خطة العمليات السرية الأمريكية- الإسرائيلية في لبنان، بحيث يتم في هذه المرحلة التركيز على الآتي:
* الوسائل السياسية: وذلك عن طريق الاعتماد على حكومة السنيورة وقوى 14 آذار كواجهة لبنانية تقوم بالدور الميداني الداخلي المتمثل في تسويق العداء لسوريا، والمطالب بنزع سلاح حزب الله، وضمان استمرارية الروابط المعلنة وغير المعلنة مع الإدارة الأمريكية وإسرائيل.
* الوسائل الاقتصادية: وذلك عن طريق استخدام المعونات كوسيلة لتوجيه أداء حكومة السنيورة وقوى 14 آذار.
* الوسائل العسكرية: وذلك عن طريق تقديم الدعم للجيش اللبناني طالما أنه على الأقل يقوم بالواجب المكلف به والذي يتمثل في تصفية الجماعات السنية المسلحة وسوف يتم تقديم المزيد من الدعم العسكري لهذا الجيش –وإن كان ضمن حدود- بحيث يكمل المهمة.
وعموماً، تسعى الخطط دائماً لإنجاز الأهداف، والغايات، ويتم وضع الخطط وفقاً لمراحل، وفي كل مرحلة يتم تحديد الأهداف الفرعية المطلوب إنجازها حتى يتسنى الانتقال للمرحلة التالية.
الهدف الرئيسي لإسرائيل وأمريكا في الأعوام الثلاثة الماضية كان: القضاء على حزب الله واستئصاله على النحو الذي يقضي على الخطر الذي يمكن أن تتعرض له إسرائيل في حالة قيام أمريكا بضرب إيران بأسلحة الدمار الشامل.
وقد تم وضع العديد من المخططات الهادفة لاستئصال حزب الله، وكانت أبرز المخططات الفرعية تتمثل في استخدام الضغوط السياسية بواسطة الأطراف اللبنانية الأخرى، ولكن لم ينجح هذا المخطط بعد فشل مشروع التفاهم الوطني اللبناني، وتم بعده اللجوء إلى الوسائل العسكرية عن طريق استخدام الجيش الإسرائيلي، ولكن هزيمة القوات الإسرائيلية أفشلت المخطط البديل، وبعد مرور فترة من الوقت تمت العودة إلى ملف المحكمة الدولية، والذي سبق أن أصبح شبه ميئوس منه بعد انكشاف فضيحة المحقق الدولي ديتلف ميلس.
وقد تمت العودة إلى ملف المحكمة الدولية بفضل الدور الكبير الذي لعبته حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية في تنفيذ عملية الالتفاف الناجح على السيادة اللبنانية والدستور اللبناني، وذلك عندما نجحت جهودهم في تجاوز وتخطي رئيس الجمهورية والبرلمان اللبناني، والوصول مباشرة إلى مجلس الأمن الدولي، عبر الأمين العام للأمم المتحدة.
وتشير المعلومات إلى أن المرحلة الجديدة التي تم الانتقال إليها سوف تتضمن الكثير من العمليات المتوازية بحيث يشهد لنبان، عمليات سرية، عسكرية، سياسية، اقتصادية، استخبارية، قد تأخذ طابعاً عابراً للحدود يتجاوز بلدان الجوار الإقليمي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة