لماذا تخفي فرنسا تواصلها مع سوريا؟
مع استمرار المقاطعة الأوروبية للدولة السورية على مدار أعوام طويلة، كشفت تقارير إعلامية أن السلطات الفرنسية أجرت تواصلًا رسميًا وسريًا مع سوريا، وذلك بحسب مراسلات بريدية كشفت عنها منظمات غير حكومية.
وأظهرت هذه المراسلات، تواصل محافظة باريس ومحافظة غارون العليا مع القنصلية السورية في فرنسا، بهدف التحقق من هوية شخصين وطلب إصدار تصريح مرور قنصلي (وثيقة أساسية من أجل إتمام عملية الترحيل)، وهو ما وصفته الجمعيات الحقوقية بـ “غير القانوني” وبـ “الممارسات الفاضحة”، بحسب ما نقلته “فرانس 24”.
وقال مراقبون إن التواصل لم يكن سياسيًا وكان الغرض منه قنصليًا فقط، بيد أنه يعد بداية التواصل الاضطراري الذي ستلجأ إليه كل الدول الأوروبية في مراحل مقبلة مع سوريا، بسبب أزمة اللاجئين و”الإرهابيين”، ولأهمية موقع سوريا العام، وتداخل الملفات التي تعتبر السلطات السورية معنية بها.
واقع سياسي
قال الدكتور أسامة دنورة، الخبير السياسي السوري، إنه لا يمكن اعتبار هذه الاتصالات الفرنسية مع الجهات القنصلية السورية تواصلا ذا بعد سياسي، لا سيما أن التقارير تشير إلى أن من أجرى هذا التواصل هي جهات معنية بالملفات الفردية للاجئين، وليس قضاياهم بشكل جماعي، وهذا يضع الأمر في البعد القنصلي أكثر من كونه ضمن البعد الدبلوماسي بالمعنى السياسي.
وأضاف، أنه “مع ذلك هناك مدلولان لهذه الخطوة، أولهما أن جميع الدول التي استثمرت في الفوضى والإرهاب في سوريا، وحاولت تاليًا أن تستغل ملف اللاجئين من باب تسييس القضايا الإنسانية، معرضة جميعها لوجود أعداد لا يستهان بها من الإرهابيين ضمن صفوف اللاجئين، وهنا تكون هذه الدول قد اضطرت إلى أن تتذوق السم الذي طبخته لدمشق”.
وتابع: “هذه الدول مضطرة لترحيل من يُرحل من هؤلاء، ومحاكمة بعض ممن يثبت بالدليل القضائي ضلوعه في العمل الإرهابي قبل أن يتحول إلى مشكلة أمنية داخلية في هذه الدول، وهنا لا بد من التأكيد أن أرشيف أجهزة المخابرات المتورطة بدعم المجموعات الإرهابية لم يتم فتحه أمام القضاء في الدول الأوروبية تهربًا من المسؤولية السياسية والجنائية، وهذا الأمر قد يبقي على عدد من الإرهابيين والمتطرفين طلقاء في المدن الأوروبية، وفي أحسن الأحوال التعامل مع وجودهم بالعمل الاستخباري وليس القانوني”.
أما المدلول الآخر، بحسب دنورة يتعلق بتراجع إحكام قبضة المقاطعة والعزل تدريجيًا ضد سوريا، فموقع سوريا العام، وتداخل الملفات التي تعتبر السلطات السورية معنية بها، بما فيها ملف مكافحة الإرهاب واللاجئين، سيفرض شيئاً فشيئاً التواصل مع الحكومة السورية على مستويات عدة قد يكون المستوى القنصلي أولها وأبسطها، في حين أن الاعتراف بضرورة التواصل مع الدولة السورية على مختلف المستويات سيتزايد كأمر واقع سيفرض نفسه باضطراد.
وأشار إلى أن “بعض الدول الغربية لم تتعظ من المنعكسات المدمرة لسياسات إفشال الدول ودعم الحركات المتطرفة والتسبب بموجات لجوء متجددة، فسياسات العديد من دول الغرب في أوكرانيا تبدو وكأنها، وعبر إطالة عمر الحرب، لا تزال تعزف على المنوال ذاته”.
فوضى اللاجئين
اعتبر عمر رحمون، المحلل السياسي السوري، أن المعلومات المتناقلة حول تواصل فرنسا مع سوريا بشكل رسمي غير مؤكدة، لا سيما وأن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي قطعت علاقاتها الرسمية مع دمشق منذ 11 عامًا.
وأضاف أنه “في المحصلة فرنسا وكل الدول الأوروبية دعموا الإرهاب في سوريا، ويعانون حاليًا من ارتدادات هذا الأمر، لا سيما وأن إرهابيين ذهبوا إليهم بصفة لاجئين ونازحين، واستقبلتهم فرنسا وهذه الدول من باب إنساني”.
ولفت إلى أن فرنسا وبعض الدول الأوروبية أدركوا جيدًا هذا الخطر، ويعلمون ألا يمكنهم التخلص منه سوى بالتواصل والتنسيق مع الدولة السورية، مؤكدًا أنه في وقت لاحق سيضطرون لإعادة علاقاتهم التي قطعوها مع دمشق، وبدء التفاوض للتخلص من هذا العبء.
وعلى الرغم من عدم التأكد من المعلومات المتداولة، لم يستبعد المحلل السوري قيام باريس بهذه المراسلات، مؤكدًا أن التخلص من أزمة اللاجئين، وضبط هذه العملية التي باتت مرهقة وتمثل خطوة لأوروبا لا يمكن دون التعاون والتواصل مع الحكومة السورية.
في تطور غير مسبوق، تواصلت السلطات الفرنسية مع القنصلية السورية، في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين منذ أكثر من عشرة أعوام، وذلك للتحقق من هوية شخصين والمضي قدما في الإجراءات التي تتبعها الدولة عادة من أجل ترحيل الأشخاص إلى بلدهم الأم.
وبحسب موقع “دويتشه فيله” الألماني، انتهكت السلطات الفرنسية عن عمد القواعد الدولية والأوروبية، وقال تقرير للموقع إن محافظات الشرطة، التي تمثل السلطة المحلية الفرنسية تواصلت في حالتين منفصلتين ومدينتين مختلفتين، مع القنصلية السورية بعد أن وضعت شابا في مركز الاحتجاز الإداري “منيل أملو” شمال العاصمة باريس وآخر في مركز احتجاز “كورنيباريو” قرب مدينة تولوز جنوبي فرنسا، في أكتوبر 2022.
ونقل التقرير عن منظمة العفو الدولية، قولها إن “هذا التواصل الرسمي من قبل محافظتي الشرطة مع القنصلية السورية، تكون السلطات الفرنسية قد انتهكت “عن عمد القواعد الدولية والأوروبية التي تحظر تماما إعادة أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب وسوء المعاملة”.
وتابع التقرير: “محافظة غارون العليا ومكتب وزارة الداخلية أجابا عن أسئلة فريق مهاجر نيوز، بالقول: من الواضح أننا لا نرحّل الأشخاص إلى سوريا، لكن من الضروري أحيانا مطالبة السلطات السورية عبر جهات اتصال قنصلية بالتحقق من الجنسية السورية لأجنبي في وضع غير نظامي يدّعي ذلك”، مبررة أنها بذلك تحد من ادعاءات أجانب آخرين بأنهم من الجنسية السورية.
سبوتنبك
إضافة تعليق جديد