الهجوم التركي على شمال العراق: أسبابه ونتائجه
الجمل: اكتملت الاستعدادات التركية لشن عملية عسكرية واسعة النطاق، تقوم بموجبها قوات الجيش التركي بتنفيذ مخطط اقتحام عسكري لشمال العراق.
• أهداف الاقتحام العسكري الوشيك:
على الصعيد (المعلن) تقول الأطراف التركية بأن عملية الاقتحام العسكري تهدف إلى القضاء على قوات وقواعد حزب العمال الكردستاني الموجودة في مناطق شمال العراق.. أما على الصعيد (غير المعلن) فإن أهداف عملية الاقتحام العسكري كما أشارت صحيفة ويكلي التركية إلى الآتي:
- إضعاف حكومة إقليم كردستان العراقية.
- إعطاء رسالة قوية لدول العالم والأطراف الداعمة للحركات الكردية بأن تركيا موجودة ولن تسمح بقيام أي كيان كردي مستقل أو حتى يتمتع بقدر كبير من الاستقلال الذاتي.
- إقناع الحركات الكردية بأن المشروع الانفصالي الكردي سوف يظل طريقه مسدوداً.
- إقناع الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بأن دعم الحركات الكردية من أجل إضعاف البلدان العربية والإسلامية هو أمر غير مجد، وذلك لأن تركيا مهما كانت وثيقة الصلة بأمريكا وإسرائيل، فإنها غير مستعدة للتنازل مهما كان الثمن عن موقفها الواضح إزاء (المسألة) الكردية.
- إحباط مخطط ضم منطقة كركوك إلى إقليم كردستان.
- حرمان الحركات الكردية من الاستفادة من عائدات النفط العراقي.
- إضعاف الضغوط الكردية داخل البرلمان العراقي والحكومة العراقية الحالية، والتي تهدف إلى تمرير قانون توزيع عائدات النفط العراقي.
- القضاء على كل البنى التحتية العسكرية والأمنية للفصائل الكردية المسلحة.
- إقامة منطقة عازلة شمال العراق، بحيث يكون الوجود العسكري التركي مستمراً بشكل دائم فيها.
• سيناريو الاقتحام العسكري.. الفرص والمخاطر:
حشدت تركيا حوالي 200 ألف مقاتل، وفقاً للمعلومات التي أوردتها صحيفة الأخبار اللبنانية نقلاً عن وكالة رويترز، والقراءة العسكرية لمثل هذا العدد من القوات تشير إلى الآتي:
- يتشكل قوام القوات التركية من ثمان إلى عشرة فرق على الأقل، أي حوالى 30 إلى 35 لواء.
- ان الأصناف السائدة في هذه القوات سوف تشمل في معظمها القوات الخاصة، وقوات المشاة، والقوات المحمولة جواً.
- العملية العسكرية التركية سبقتها عملية استخبارية ضخمة حول قدرات الفصائل الكردية الموجودة في المنطقة.
تتوقع الفصائل التركية الكردية المسلحة، بأن قتالها مع القوات التركية سوف يكون على غرار مواجهة بين قوات ميليشيا تخوض عمليات عسكرية وفقاً لمذهبية (الحرب اللامتماثلة) في مواجهة قوات نظامية حكومية تخوض عمليات عسكرية وفقاً لمذهبية (الحرب التقليدية المخفضة الشدة).
ولكن على ما يبدو من حجم الحشد التركي، فإن المواجهة لن تكون على غرار سيناريو المذهبية اللامتماثلة في مواجهة المذهبية التقليدية المنخفضة الشدة، وأكثر السيناريوهات المحتملة أن تقوم القوات التركية بتطبيق مذهبية مختلفة تمثل خليطاً من المذهبيات الأخرى بحيث:
- التركيز على نقل القوات التركية جواً لمحاصرة المعسكرات والسيطرة على الطرق والممرات الرئيسية.
- استخدام الطيران والهلكوبترات الهجومية من أجل عرقلة تحركات البشمركة الكردية وحرمانها من استخدام وسائل النقل الكبيرة.
- قصف المعسكرات وإلحاق أكبر الخسائر بالبنى العسكرية الكردية.
- الاستخدام المكثف للمشاة والوحدات الخاصة وقوات الصاعقة في تنظيف الممرات وجيوب المقاومة.
- تركيز الهجوم في المناطق الشمالية الشرقية من إقليم كردستان والمتاخمة للحدود مع سورية وتركيا، بحيث يغدو انسحاب الميليشيات الكردية حصراً إلى المناطق الجبلية (جبال قنديل) الموجودة على مقربة من الحدود الإيرانية.
• أجواء ما قبل الاقتحام العسكري.
كانت الفصائل الكردية، ومازالت تعول على أمريكا وإسرائيل في درء الاقتحام العسكري التركي ومنعه من الحدوث، وقد نجحت هذه الاستراتيجية خلال الفترة السابقة، ولكن ترتب عليها انقسام خطير بين الحكومة والمؤسسة العسكرية التركية، إضافة إلى أن الملف الكردي أصبح الأكثر أهمية بالنسبة للرأي العام التركي، وذلك بعد حالة الإحباط التي تفشت إزاء ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي.. وقد ظلت الحكومة التركية والجيش التركي يمتنعان عن اللجوء لاستخدام القوة، وذلك خشية الإضرار بالعلاقات التركية- الأمريكية، والإضرار بموقف تركيا في ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي، وبسبب فشل ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي، لم يعد للأتراك ما يخسرونه إزاء القيام بعملية الاقتحام العسكري، إضافة إلى إدراكهم التام بأن أمريكا وإسرائيل لن يغامرا بالتخلي عن تركيا والوقوف إلى جانب الأكراد في حالة اندلاع المواجهة العسكرية.. وذلك لأن العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية- الكردية، هي علاقات تكتيكية مؤقتة، والعلاقات مع تركيا هي علاقات استراتيجية دائمة.
- على مستوى الفصائل الكردية، برزت الكثير من التصريحات المطالبة بمقاومة الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق، وفي هذا الخصوص تحدث سيميل باييك (أحد أقوى زعيمين في حزب العمال الكردستاني) إلى صحيفة أوراسيا أنسايت بهذا الخصوص وقال بأن حزب العمال الكردستاني ملتزم باتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعها مع الحكومة التركية منذ تشرين الثاني 2006م، ولكن في حالة الاقتحام العسكري التركي، فإن مقاتلي الحزب سوف يمارسون حق الدفاع عن النفس.
- الرئيس العراقي، والزعيم الكردي (جلال الطالباني) واصل تحذيراته لتركيا وإيران، وقال بأن الاقتحام العسكري التركي هو عدوان على العراق، وبالتالي فإن العراق، وعملاً بمبدأ المعاملة بالمثل سوف يتدخل في كردستان التركية، وكردستان الإيرانية، وأيضاً في إقليم خوزستان الإيراني.
- ناميك تان المتحدث باسم الخارجية التركية حذر العراق، قائلاً بأن حزب العمال الكردستاني لا يشكل خطراً ضد تركيا وحسب، بل وضد العراق أيضاً.
- اسماعيل أحمدي مقدم، المدير العام للأمن الإيراني، التقى مع قوكان أيرينار مدير عام الأمن التركي وناقشا ضرورة القيام بعمليات مكافحة قوات حزب العمال الكردستاني، وعبر مدير الأمن التركي عن ترحيب تركيا بأي مساعدات إيرانية في هذا الخصوص.
- الإدارة الأمريكية أبلغت الزعماء الأكراد العراقيين بأن الوقت قد بدأ ينفذ، وبأن عليهم القيام بشيء من أجل حل مشكلة حزب العمال الكردستاني.
وعموماً أصبح واضحاً أن هناك صفقة أمريكية- إيرانية- تركية إزاء التعاون التركي- الإيراني في الملف الكردي يعرفه الأمريكيون جيداً، خاصة وأن جذوره تمتد من مطلع ستينيات القرن الماضي عندما استخدم شاه إيران البشمركة التابعة للملا مصطفى البرزاني في الحرب ضد العراق.
إيران سوف تقدم المعلومات الاستخبارية والأموال لتركيا، وأمريكا سوف تعمل على تقديم المعلومات الاستخبارية والعتاد العسكري، إضافة إلى أنها سوف تقوم بالعمل على تهدئة الفصائل الكردية العراقية، للقبول بالاقتحام العسكري التركي كأمر واقع، أما تركيا فسوف تمثل المتغير المستقل في المعركة.. وقد قال ذلك بوضوح الناطق الرمسي لوزارة الخارجية التركية، عندما علق على تصريح الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي قال فيه بأن أمريكا قد أكدت له بأن تركيا لن تقوم باقتحام شمال العراق، قائلاً بأن على جلال طالباني أن يفهم بأن تركيا قد جهزت قواتها، واتخذت قرارها، ولن تتراجع عنه مادام حزب العمال الكردستاني موجوداً في شمال العراق.
الموقف من إقليم كردستان العراقي أصبح أكثر سخونة، ومن المتوقع أن يتصاعد الخلاف بين الزعماء الأكراد، والذين باتوا محتارين في مواجهة السيناريوهات الآتية:
- سيناريو القتال ضد القوات التركية، وهو سيناريو سوف يقضي على قدراتهم العسكرية، وينهي مكانتهم ووزنهم السياسي في الساحة العراقية.
- سيناريو التخلي عن حزب العمال الكردستاني، وهو السيناريو الذي تريده أمريكا، ولكنه سوف يؤدي إلى انقسامات وانشقاقات خطيرة داخل الحركات الكردية، خاصة وأن حزب العمال الكردستاني هو القوام المسيطر على النزعة القومية الكردية في أوساط المقاتلين الأكراد الشباب، وفي حالة حدوث هذا السيناريو:
* سوف ينضم عدد كبير من مقاتلي الاتحاد الوطني الكردستاني (جلال الطالباني)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (مسعود البرازاني) إلى القتال مع حزب العمال الكردستاني.
* حزب بيجاك الكردي الإيراني، سوف يقاتل بكامل قواته إلى جانب حزب العمال الكردستاني، وذلك لأن هذا الحزب تم تكوينه بالأساس من العناصر الكردية الإيرانية التي كانت تقاتل ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني في الأعوام السابقة.
* القيادات الكردية السياسية (مسعود البرزاني وجلال الطالباني) سوف يضعف وزنها السياسي داخل إقليم كردستان والحركة الكردية، إضافة إلى وزنها السياسي في العملية السياسية العراقية.
* العلاقات الكردية- الأمريكية، والعلاقات الكردية- الإسرائيلية سوف تمر بحالة توتر كبيرة، وقد يترتب على هذا التوتر تزايد وزن الفصائل الكردية الإسلامية التي ظلت تحذر الاكراد من مغبة التعامل مع أمريكا وإسرائيل، وفي هذه الأوضاع سوف تستغل الفصائل الأصولية الإسلامية الكردية، فرصة الغضب والسخط الكردي إزاء أمريكا وإسرائيل، وتقوم بتنفيذ العديد من الهجمات ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية الموجودة في إقليم كردستان العراقي.
إن الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من التحولات (النوعية) الجديدة في الصراع الكردي- العربي، الكردي- التركي، الكردي- الإيراني، بإضافة صراع كردي- أمريكي، وكردي- إسرائيلي، يلعب تنظيم القاعدة دور البطولة في مشاهده الدراماتيكية القادمة.
كذلك سوف يؤدي التدخل التركي إلى تقارب سني- كردي، شيعي- كردي، في الصراع داخل العراق، ولكن بشرط أن يتصاعد الصراع الكردي الأمريكي إلى درجة المواجهة.
أما في تركيا فقد أصبح السيناريو واضحاً، وعلى ما يبدو فإن صفقة للانتخابات الرئاسية التركية، والبرلمانية التركية، بين المؤسسة العسكرية التركية، وحزب العدالة والتنمية، والتي لعبت أمريكا دوراً فيها، هي صفقة انتخابية سوف يتم تنفيذها في انتخابات يوم 22 تموز الحالي، وبعدها سوف تكون أنقرا جاهزة لتنفيذ قرارها الذي اتخذته بشأن شمال العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد