السياسة التركية الخارجية تعود إلى حاضنتها المشرقية
الجمل: بعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية في البرلمان التركي، بدا واضحاً أن قادة الحزب قد أدركوا مضمون الرسالة المبطنة التي تضمنتها نتيجة الانتخابات البرلمانية، وبكلمات أخرى، فإن ازدياد رصيد الحزب على أساس اعتبارات عدد الأصوات الأكبر وعدد المقاعد الأكثر التي حصل عليها هو أمر يشير بوضوح إلى أن الشعب التركي لا يؤيد توجهات حزب العدالة والتنمية الإسلامية وحسب، بل ويريد المزيد من هذه التوجهات، لذلك قام بمنح الحزب المزيد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
* الجولات الجديدة:
تتمثل الجولات الجديدة التي يتوجب على حزب العدالة والتنمية خوض غمارها في:
- تشكيل الحكومة الجديدة: وبحسب الدستور فإن حزب العدالة مطالب بتشكيل الحكومة الجديدة وإعلان أسماء الوزراء الجدد خلال فترة 45 يوماً من لحظة قيام الرئيس التركي بإخطار زعيم الأغلبية البرلمانية رسمياً بأمر تشكيل الحكومة.
وتقول المعلومات بأن قيادة حزب العدالة والتنمية ترتب أمورها من أجل تعيين المزيد من ذوي التوجهات الإسلامية في مجلس الوزراء الجديد.
- انتخاب الرئيس: انتهت فترة ولاية الرئيس التركي الحالي نجدت سيزار منذ 16 أيار الماضي، ولكنه استمر في منصبه وفقاً للنص الدستوري الذي يلزمه بالبقاء في تصريف المهام إلى حين انتخاب الرئيس الجديد.
وتقول المعلومات بأن حزب العدالة والتنمية قد قام مرة أخرى بترشيح عبد الله غول وزير الخارجية الحالي لتولي منصب الرئيس، وعلى ما يبدو فإن حزب العدالة والتنمية قد أصبح أكثر ثقة في نفسه بسبب الدعم الشعبي الكبير الذي أصبح يتمتع به حالياً في أوساط الرأي العام التركي.
- الاستفتاء لتعديل الدستور: هناك بالأساس قرار بإجراء استفتاء للرأي العام التركي من أجل تعديل الدستور وذلك لتغيير طريقة انتخاب الرئيس التركي، وقد تم تحديد يوم 21 تشرين القادم كموعد لإجراء الاستفتاء ويطالب حزب العدالة والتنمية بأن يتم اختيار الرئيس التركي عن طريق الاستفتاء الشعبي المباشر.
هذا بالنسبة للمعارك الرسمية، أما بالنسبة للمعارك الأخرى، فهناك بعض القضايا المدرجة على جدول أعمال حزب العدالة والتنمية، والتي قرر الحزب المضي قدماً في معالجتها، وتتمثل في:
- أزمة شمال العراق: وضع رجب أردوغان أمام الأمريكيين والعراقيين المتحالفين مع سلطات الاحتلال الأمريكي ثلاثة خيارات:
* أن تقوم أمريكا والعراق بتدمير قواعد ومعسكرات حزب العمال الكردستاني والقضاء على بنيته التحتية والقبض على قياداته وعناصره وتسليمهم إلى تركيا.
* في حال تعذر الخيار الأول، تقوم كل من أمريكا والعراق وتركيا بإنجاز المهام المشار إليها داخل شمال العراق.
* في حال عدم قدرة أمريكا والعراق القيام بالمهمة، فإن تركيا سوف تقوم وحدها بإنجاز المهمة مهما كلف الثمن.
- العلاقات مع إيران: وضع رجب اردوغان مخططاً واضحاً لتطوير التعاون الاستراتيجي مع إيران وتعزيز روابطه معها، وسوف يتم تمديد المزيد من أنابيب صادرات النفظ والغاز الإيراني عبر الأراضي التركية كذلك سوف يتم إعطاء إيران الكثير من المزايا في الاستفادة من خدمات الموانئ التركية على البحر الأبيض المتوسط.
- العلاقات مع العرب: جدد رجب اردوغان رغبته الأكيدة لقيام حكومته بتطوير علاقاتها مع الدول العربية، وتقديم المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية، وسوف تركز علاقات تركيا على العالم العربي عموماً، وعلى وجه الخصوص مع سوريا وبلدان الخليج العربي.
تركيا ومستقبل التوجهات الجديدة:
تتميز التوجهات التركية الجديدة بجملة من الخصائص والملامح التي تعتبر جديدة بالنسبة للسياسة التركية التقليدية، وتتمثل ابرز الملامح الجديدة في الآتي:
- التركيز على إدماج تركيا ضمن بيئة الشرق الأوسط والشرق الأدنى.
- عدم مسايرة السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية الهادفة إلى عزل سوريا وإيران، وتقليل مستوى العلاقات التركية – العربية، ودعم إسرائيل.
- التحدي الواضح للمؤسسة العسكرية التركية التي ظلت في الماضي تحاول دفع مسيرة تركيا باتجاه أمريكا والغرب، وعلى ما يبدو فإن عملية الاقتحام العسكري لشمال العراق سوف تكون بمثابة (الصفقة) بين حزب العدالة الإسلامي والمؤسسة العسكرية المتشددة.
- عدم إعطاء أي اعتبار لملف الانضمام للاتحاد الأوروبي
- تقوية العلاقات مع إيران وسوريا معناه أن تركيا قد بدأت خطواتها الأولى في ممارسة (المروق) على السياسة الخارجية الأمريكية.
- وضع الإدارة الأمريكية أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو التكيف مع التوجهات التركية الجديدة إزاء جيرانها، وإزاء مستقبل هويتها وانتماءها الشرق أوسطي الإسلامي أو خسارة تحالفها مع تركيا، و هو الخيار الذي لن تستطيع أمريكا اللجوء له بل خسارة كامل الإستراتيجية الأمريكية في الشرقين الأوسط والأدنى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد