برد السماء ونار إسرائيل يحاصران غزة
زودت اسرائيل قطاع غزة، امس، بـ«فتات» من شحنات الوقود تكفي لتشغيل محطة الكهرباء في القطاع يومين فقط، مبقية سيف الحصار والموت مسلطاً على السكان، فيما برز تطور جديد، امس، تمثل في «الاشتباك» بين حركة حماس والقاهرة، بعدما اتهمت القاهرة الحركة بانها «تحاول تصدير مشكلات داخلية اليها او الضغط عليها لتحقيق مكاسب سياسية»، وذلك إثر سقوط جرحى خلال محاولة متظاهرين فلسطينيين فتح معبر رفح الحدودي مع مصر جنوبي غزة، والمقفل منذ سيطرة حماس على القطاع منتصف حزيران من العام الماضي.
تزامن ذلك مع إقدام الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على إحباط مشروع بيان رئاسي تقدمت به ليبيا في مجلس الامن الدولي، يدعو اسرائيل الى انهاء حصار غزة، وذلك بحجة انه لم يشر الى إطلاق الصواريخ على اسرائيل.
في غضون ذلك، نقلت «وكالة فرانس برس» عن مسؤول اسرائيلي ان رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزيري الخارجية تسيبي ليفني والدفاع ايهود باراك قرروا، في اجتماع الاسبوع الماضي، اصدار امر للجيش بتدمير «رموز سلطة حماس» في غزة، وذلك في إطار استراتيجية ثلاثية تستهدف الإطاحة بها. أضاف «لقد بدأنا في استهداف الوزارات، ومراكز الشرطة ومباني الجيش والحكومة التي تستخدمها حماس في غزة من أجل إضعاف النظام هناك»، مشيراً الى ان الاجراءات الاخرى تشمل مواصلة الاعتداءات الجوية والبرية وفرض عقوبات اقتصادية على القطاع.
وفي اول مؤشر على تطبيق السياسة الجديدة، دمرت المقاتلات الاسرائيلية، يوم الجمعة الماضي، مقر وزارة الداخلية في مدينة غزة، ما ادى الى استشهاد امراة في مبنى مجاور واصابة العشرات.
وزودت الصهاريج الإسرائيلية غزة بـ700 الف ليتر من الوقود، ما يكفي لتشغيل محطة الكهرباء ليومين فقط، كما اوصل الاحتلال حوالى 80 طناً من الغاز المنزلي، نفدت في ساعة واحدة، والأدوية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ارييه ميكيل إن «التزويد بالوقود اليوم (امس) استثنائي. سنقوم بتقييم آخذين في الاعتبار اطلاق الصواريخ والوضع الانساني. نريد توجيه رسالة واضحة الى حماس وفي الوقت نفسه لا نريد مواجهة مع المجتمع الدولي».
غير ان محطات الوقود في القطاع بقيت مغلقة، خصوصا ان اصحابها رفضوا تسلم 60 الف لتر من السولار سلمتها اسرائيل، معتبرين انها «قليلة جداً ومن المفروض ان يصلنا 350 الف لتر يوميا»، كما كانت حركة السيارات خفيفة، فيما أبقت المستشفيات على استخدام المولدات. كذلك بقيت غالبية المخابز مغلقة، فيما امتدت طوابير طويلة على تلك القليلة التي فتحت ابوابها.
وأصيب حوالى 75 شخصاً، بينهم 60 فلسطينياً و15 مصرياً، منهم اربعة بالرصاص، بعدما اقتحم مئات الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء، البوابة المصرية في معبر رفح الحدودي مع مصر جنوبي القطاع، بعدما دفعوا افراد الامن المصري. وقال شهود ان افرادا من الجانبين المصري والفلسطيني استخدموا السلاح.
وكان آلاف الفلسطينيين قد تظاهروا امام البوابة المصرية للمعبر، مطالبين بفتحه خرقاً للحصار الاسرائيلي على غزة. ونجح عشرات الفلسطينيين في دخول الجانب المصري من المعبر، قبل ان تتدخل الشرطة التابعة للحكومة المقالة في القطاع وتبعد المتظاهرين. واتهم المتظاهرون الرئيس المصري حسني مبارك بأنه «جبان وعميل للأميركيين».
وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً شددت فيه على ان مصر «تعرب عن اسفها البالغ ازاء الاحداث التي شهدها معبر رفح من تظاهرة فلسطينية أغلبها نسائية بهدف فتح المعبر عنوة»، مضيفة «ان مصر تربأ بإخوانها الفلسطينيين ان يسيئوا التصرف او الحساب بمحاولة تصدير مشكلات داخلية اليها او الضغط عليها لتحقيق مكاسب سياسية». ودعا البيان «الجهات المسيطرة على القطاع الى العمل على عدم تكرار هذا الموقف مجدداً».
وفي دمشق، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لوكالة «رويترز» «الصواريخ الفلسطينية هي رد فعل على العدوان الاسرائيلي وعلى الاحتلال. لتوقف اسرائيل عدوانها وتنهي احتلالها عند ذلك المقاومة بما فيها الصواريخ تتوقف»، مضيفاً انه «اذا قدم الصهاينة عرضاً فسوف ندرسه. ان قضيتنا تعتمد على الصمود والصبر. إن العدو لن يكسرنا».
وفي رام الله، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقائه وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فيرهاغن ان الاسرائيليين «وافقوا... على إمداد القطاع ببعض المواد البترولية، لكن هذا لا يكفي وستستمر جهودنا لفك الحصار بالكامل»، مشدداً على ضرورة مواصلة التفاوض مع اسرائيل.
في المقابل، قالت ليفني أمام مؤتمر هرتسيليا «لست ممن يهتمون ما اذا كانت هذه المجموعة او تلك اطلقت الصواريخ حماس تسيطر على الارض، وحماس مسؤولة» عن اطلاق الصواريخ. اضافت ان «اسرائيل لا يمكن ان تعتذر عن وجودها... اسرائيل ستواصل التحرك والقيام بواجباتها إزاء مواطنيها حتى ولو كان الثمن الادانة»، موضحة «غادرنا غزة ولم تعد هناك ذريعة لدى المنظمات الارهابية لمهاجمتنا».
قالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس للصحافيين الذين يرافقونها إلى برلين «في النهاية، حماس هي التي تتحمل اللوم عن هذه الظروف، لانها لو كانت أكثر مسؤولية تجاه المجتمع الدولي، لكانت غزة متصلة بالعالم الخارجي بدلا من ان تكون معزولة عنه»، مضيفة «مع ذلك، لا احد يرغب في ان يعاني سكان غزة الابرياء، ولذلك فقد تحدثنا مع الاسرائيليين حول اهمية عدم السماح بحدوث أزمة انسانية». وتابعت ان الاسرائيليين يتعاملون مع موقف «لا يحتمل» بإطلاق الصواريخ على «وطن اليهود».
وبناء على طلب الدول العربية والاسلامية، عقد مجلس الامن الدولي جلسة طارئة، امس، ناقش خلالها المندوبون مشروع بيان رئاسي قدمته ليبيا التي تترأس المجلس هذا الشهر، يدعو إسرائيل الى وضع حد لحصارها وضمان «وصول المساعدات الانسانية الى السكان المدنيين في غزة من دون عوائق». ويطالب البيان اسرائيل ايضاً بـ«الالتزام بواجباتها طبقاً للقانون الدولي، خصوصاً بما يتعلق بالحقوق الانسانية والقيام على الفور بوقف كل الإجراءات والاعمال غير الشرعية ضد السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة».
غير ان المندوب الاميركي لدى الامم المتحدة زلماي خليل زاد اعتبر ان مشروع البيان «غير مقبول»، مضيفاً «انه لم يتطرق الى الصواريخ التي تطلق على اسرائيليين ابرياء». وقال نظيره الفرنسي جان موريس ريبار إنه لا بد «من تعديل النص ليأخذ بعين الاعتبار كل جوانب تدهور الوضع في غزة»، فيما ذكر المندوب البريطاني جون سورز أن لندن تتفهم حاجة اسرائيل للدفاع عن نفسها، مضيفا «ليس مقبولاً ان ترد اسرائيل على تلك الهجمات بتصرف يهدف الى التسبب في معاناة السكان المدنيين في غزة».
وقال المندوب الفلسطيني في الامم المتحدة رياض منصور ان «سياسة حافة الهاوية الاسرائيلية هي خلق كارثة انسانية في غزة وتصعيد المخاوف والتوترات والتحريض والاستفزاز وتغذية دائرة العنف الشريرة الرهيبة».
ورد المندوب الاسرائيلي جلعاد كوهن قائلاً «اطلب من كل عضو في مجلس الامن: ماذا كنتم ستفعلون في حال تعرضت لندن او موسكو او باريس او طرابلس للقصف بالصواريخ؟... هل ستجلسون ولا تفعلون شيئاً؟... انا متأكد أنه لن يجلس اي عضو ساكناً».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد