عائلات سورية تعود جذورها إلى أقطار عربية
احتضنت دمشق العرب عبر آلاف السنين فكانت الحضن الدافئ والحصن الحصين لهم, وكان العرب خاصة والمسلمون عامة
يرغبون بزيارة دمشق بعد أداء فريضة الحج وسواء ممن كانت دمشق ممراً لهم مثل القاطنين في شمال آسيا كالشركس والداغستان والأبخاز والترك أو ممن جاء لزيارة دمشق قصداً من بلاد المغرب العربي.
وكان كثير منهم يرون أن حجه ناقص إذا لم يزر دمشق والقدس ويسمونها شام شريف والقدس الشريف, ومنهم من أعجبه حسنها وطيب عيشها فاستقر بها واتخذها سكنى.
كما قدمت إلى دمشق عائلات عربية في أزمان متفرقة وأكثرها عددا أهل فلسطين, وكانت أول قدوم جماعي لهم عند احتلال الفرنجة للقدس في عصر الحروب التي يسميها المؤرخون الأوروبيون بالحرب الصليبية, وقد نزل المقادسة أول أمرهم عند باب شرقي, وعندما رؤوا أن العودة إلى القدس قد تستغرق زمنا طويلا, وفدوا إلى سفح قاسيون وعمروه بالأسواق والبيوت والجوامع والمدارس, وأطلق الناس على الموضع اسم الصالحية لأن الذين سكنها من أهل بيت المقدس الصالحين, وبرز منهم علماء في الفقه واللغة والتاريخ وغيرها من العلوم.
وفي فترات لاحقة وفد قسم آخر من أهل فلسطين حبا بالمكان.
ونلاحظ ان عائلات كثيرة تحمل اسم إحدى المدن الفلسطينية ومنها عائلات القدسي والمقدسي نسبة إلى القدس او بيت المقدس, والنابلسي نسبة إلى نابلس والحيفاوي نسبة إلى حيفا والعكاوي نسبة إلى عكا والخليلي نسبة إلى الخليل والجليلي نسبة إلى الجليل, والغزي والغزاوي نسبة إلى غزة, وهناك عائلات معروفة من أصول فلسطينية منها السعدي والقاسم والقاسمي والخطيب, وبرزت من هذه العائلات شخصيات شهيرة في مختلف جوانب العلم والأدب والفن والسياسة ومنهم من وصل إلى رئاسة البرلمان السوري وتقلد مناصب وزارية وأكاديمية.
وآخر هجرة جماعية وفدت إلى دمشق كانت منذ ستين سنة بعد احتلال الصهاينة لفلسطين في عام ,1948 وقد سكن أغلبهم في مخيمي فلسطين واليرموك, كما أقاموا مخيمات في عدد من المحافظات السورية.
وفي فترات متعددة من الزمن وفد إلى دمشق كثير من الأخوة في المغرب العربي تونس والجزائر ومراكش وسكنوا دمشق, وكانت أولى الهجرات في العصرين العباسي والسلجوقي, وازدادت هجرتهم بعد الاحتلال الفرنسي, كما وفد إلى دمشق ليبيون بعد الاحتلال الايطالي وسن سياسة الأرض المحروقة في ليبيا, وتعد العائلات الجزائرية المقيمة في سورية الأكثر عددا من ابناء المغرب العربي, وثبتوا في بطاقاتهم الشخصية نسبة الجزائري او الجزائرلي لتأكيد روابطهم مع الوطن الأم.
وفي دمشق عائلات كثيرة تحمل نسبة المغربي, وكان لهم ولا يزال حتى يومنا هذا حي خاص في محلة السويقة يسمى حي المغاربة, ولهم في جمعية خيرية تحمل اسمهم, كما كانت السويقة ( تصغير سوق ) تسمى سويقة المغاربة, وفي دمشق أسر تحمل نسبة التونسي, وهي قليلة قياسا للجزائري والمغربي, مع احتمال أن يكون عدد من الأشقاء من أصل تونسي وجزائري اتخذوا نسبة المغربي.
ومن العائلات السورية التي يعود أصلها إلى المغرب العربي عائلات الهاشمي والحسني وهم من الجزائر أيضا وممن اشتهر منهم العلامة بدر الدين الحسني و تاج الدين الذي تولى رئاسة الدولة في الأربعينيات, وعالم الرياضيات المربي جودة الهاشمي الذي أطلق اسمه على أول ثانوية في دمشق.
وتفتح دمشق صدرها الرحب للعرب الذين قدموا من العراق وانتسبوا للمدن التي قدموا منها ومنها عائلات البغدادي والموصللي والبصري, كما فتحت صدرها للقادمين من مصر, واثبتوا نسبهم المصري في البطاقات الشخصية, وكذلك عائلات الحجازي الذين قدموا من الحجاز.
وإذا أردنا أن نتحدث عن لبنان فالأمر يحتاج إلى صفحات طوال, ونجد هذا واضحا عندما نستعرض أسماء عائلات سورية تحمل أسماء مدن لبنانية ومنها البيروتي نسبة إلى بيروت والطرابلسي نسبة إلى طرابلس وصيداوي نسبة إلى صيدا وبعلبكي نسبة إلى بعلبك وحلباوي نسبة إلى حلبا في شمال لبنان.ومن أشهر الهجرات الجماعية من لبنان إلى دمشق قدوم التيامنة نسبة إلى وادي تيم التابع الآن لقضاء راشيا تقريبا في منتصف القرن التاسع عشر, ويوجد في شرق مشفى المجتهد حي يدعى حي التيامنة, وذكر بعض الباحثين أن أهل جرمانا من وادي التيم أيضا.
وتتخذ العلاقة بين لبنان وسورية علاقة أعمق من الهجرة وهي المصاهرة والنسب على مدى قرون عديدة من الزمن, فكثير من اللبنانيات تزوجن من سوريين وكثير من السوريين تزوجوا من لبنانيات, ولا تزال العلاقات الاجتماعية قائمة ومستمرة, وأكثر من ذلك تولى عدد من اللبنانيين مناصب حكومية في سورية ومنهم شوكت شقير رئيس أركان الجيش السوري في مطلع الخمسينيات.
ومثلما قدم اللبنانيون إلى دمشق ذهب سوريون إلى لبنان خلال فترات زمنية متعددة ولا سيما في القرن التاسع عشر واستقروا فيه, وظهرت منهم شخصيات سياسية وثقافية بارزة, واعترف بعضهم مؤخرا على الفضائيات بجذوره السورية.
محمد قاسم الخليل
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد