ما هو مستقبل المحادثات السورية – الإسرائيلية بعد ذهاب أولمرت
الجمل: ما زالت المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة تمضي قدماً بشكل منتظم، وبالأمس على الجانب الإسرائيلي أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت أنه سيتنحى من منصبه بعد إنجاز حزب كاديما اختيار رئيسه الجديد ضمن الانتخابات الحزبية الداخلية التي حددها الحزب في شهر أيلول 2008م القادم.
* تنحي أولمرت: أبرز التساؤلات على خط دمشق – تل أبيب غير المباشر:
برغم تركيز التقارير والتحليلات على الجانب الظاهري لقرار أولمرت الذي يقوم على أساس الربط بين تحقيقات الشرطة الإسرائيلية مع أولمرت وتداعيات وجود أو عدم وجود أولمرت على الائتلاف الحاكم وحزب كاديما ومستقبل الكنيست وما شابه ذلك، فإن الجانب الاستراتيجي الأكثر أهمية يتمثل في مدى تأثير استقالة أولمرت على مستقبل المحادثات مع سوريا وهل حقيقةً تمثل المحادثات مع سوريا خياراً يرتبط بوجود أولمرت وتوجهاته أم أن هذا الخيار يرتبط بتوجهات النخبة الإسرائيلية بكافة أطيافها؟
* تأثيرات خروج أولمرت على معادلة توازن القوى الإسرائيلي الداخلي:
تقول التحليلات بأن خروج أولمرت سيترتب عليه مواجهة النظام السياسي الإسرائيلي المهتز لثلاثة سيناريوهات:
• السيناريو الأول: يرتبط بتطور ومسار الصراع داخل كاديما وقد أوضحت استطلاعات الرأي الأخيرة بأن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني والجنرال شاؤول موفاز وزير النقل الحالي والدفاع سابقاً، هما المرشحان الأكثر فرصة للفوز بزعامة كاديما، وتقول التحليلات بأن عضوية كاديما ترى كل من ليفني وموفاز قادراً على أن يشكل ائتلافاً مماثلاً للائتلاف الحالي الذي شكله أولمرت ولما كانت سيطرة كاديما على الحكومة تستند على استمرار الائتلاف الحالي، فإن الضمانة الوحيدة لهذا الاستمرار برأي معظم أعضاء كاديما هو أن يتولى زعامة كاديما إما ليفني أو موفاز طالما أن صعود أي زعيم آخر سيترتب عليه تفكك الائتلاف وبالتالي فقدان كاديما للحكومة الإسرائيلية. وفي حالة تحقق هذا السيناريو فإن الفائز من الاثنين سيحصل بكل سهولة على تأييد إيهود باراك زعيم حزب العمل وبقية حلفاء كاديما في الكنيست ومن المتوقع بعد ذلك أن يؤدي القسم كرئيس وزراء جديد بدلاً عن أولمرت الذي سيستمر بتصريف الأعمال حتى نهاية تشرين الأول 2008م موعد أداء القسم.
• السيناريو الثاني: يرتبط باحتمال نشوء الخلافات في الكنيست في حالة فوز تسيبي ليفني بزعامة كاديما، وذلك لأن بعض حلفاء أولمرت المتشددين من أعضاء الكنيست التابعين لبعض الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، لمحوا إلى أنهم قد لا يوافقون على دعم كاديما في حال فوز ليفني التي يرون بأنها تتبنى توجهات معتدلة أكثر مما يجب. وتقول التحليلات بأن تخلي المتشددين عن كاديما سيترتب عليه استقطابهم إلى جانب الليكود وهو أمر قد يترتب عليه تغير في موازين القوى داخل الكنيست لصالح الليكود يدفع بالرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز إلى الطلب من نتينياهو تشكيل الحكومة الجديدة.
• السيناريو الثالث: ويرتبط باحتمالات رغبة الأطراف السياسية الموجودة في الكنيست اللجوء إلى محاولة تحسين مركزها السياسي وبالتالي فمن الممكن أن تتفق أحزاب العمل والليكود وشاس وإسرائيل بيتنا وبقية الأحزاب الصغيرة على استقالة أولمرت كفرصة لخوض انتخابات برلمانية مبكرة. وإذا تحقق هذا السيناريو فإن الكنيست سيعلن حل نفسه ويحدد تاريخ للانتخابات المبكرة بحيث يتم إجراؤها قبل حلول الموعد المحدد للانتخابات البرلمانية الدورية المقررة في العام 2010م. وبحسب القواعد فإن الانتخابات المبكرة في حالة تحقق السيناريو يجب أن يتم
إجراؤها خلال خمسة أشهر من تاريخ حل الكنيست لنفسه.
* تأثيرات السيناريوهات الثلاثة على أولمرت:
في حالة تحقق السيناريو الأول والثاني فإن أولمرت يتنحى عن منصبه كرئيس للوزراء بمجرد انعقاد مؤتمر كاديما، وبعد ذلك يظل مستمراً كمكلف بتسيير مهام المنصب حتى نهاية تشرين الأول القادم الموعد المقرر لرئيس الوزراء الجديد لأداء القسم، أما في حالة تحقيق السيناريو الثالث فإن أولمرت سيستمر في تأدية مهام منصبه كرئيس وزراء مكلف إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وانعقاد الكنيست الجديد وإجراء المشاورات بين الكتل السياسية الجديدة واختيار رئيس الوزراء الجديد وقيامه بأداء القسم وتقول التحليلات بأن فرصة أولمرت في الاستمرار كرئيس وزراء مكلف ضمن هذا السيناريو ستمتد بضعة أشهر.
* خلف أولمرت المحتمل ومستقبل المحادثات غير المباشرة مع دمشق:
تشير التوقعات إلى أن دائرة التنافس على منصب رئيس الوزراء المتنحي أولمرت أصبحت تضم الشخصيات السياسية الإسرائيلية الخمسة الآتية:
• تسيبي ليفني: فرصتها أكبر للفوز بزعامة كاديما في مواجهة منافسها شاؤول موفاز ولكنها ستواجه احتمالات عدم الحصول على تأييد حلفاء كاديما المتشددين داخل الكنيست.
• الجنرال شاؤول موفاز: فرصته للفوز بزعامة كاديما أقل نسبياً من فرصة ليفني ولو نجح في تخطيها داخل الحزب فإن فرصته للحصول على تأييد المتشددين داخل الكنيست ستكون كبيرة.
• الجنرال إيهود باراك: لن يستطيع الوصول إلى منصب رئيس الوزراء حالياً، لأنه ليس عضواً في الكنيست ويتوجب عليه أولاً وقبل كل شيء خوض الانتخابات البرلمانية للحصول على مقعد في الكنيست الذي ظل إيهود باراك يتعامل خلال الفترة السابقة من خلال موقعه كزعيم لحزب العمل. ويلكن باراك يتمتع بميزة صانع الحكومة، بسبب مزايا القدرة على المناورة التي تتمتع بها كتلة حزب العمل داخل الكنيست وبكلمات أخرى، فإن تحالف العمل مع كاديما سيؤدي إلى حكومة كاديما وتحالف الليكود سيؤدي إلى حكومة الليكود. وتقول المعلومات بأن باراك كان السبب وراء قرار تنحي أولمرت وتشير التقارير الإسرائيلية أن باراك هو الذي سبق أن طلب من أولمرت التنحي والابتعاد عن الحكومة وظل يشدد على ذلك طوال الفترة الماضية، وعلى وجه الخصوص بعد تقرير فينوغراد المتعلق بالحرب في جنوب لبنان في العام 2006م وعندما انفجرت فضيحة تحقيقات الشرطة مع أولمرت. هذا، ومن الممكن أن يصبح باراك رئيساً للوزراء إذا تحقق حصراً سيناريو إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وحقق حزب العمل حصراً تقدماً في نتائج الانتخابات بما في ذلك حصول باراك نفسه على مقعد في الكنيست، ونجح في بناء تحالف مع الأطراف الإسرائيلية داخل الكنيست الداعمة لتوليه منصب رئيس الوزراء.
• بنيامين نتينياهو: ظل يتولى منصب زعيم المعارضة داخل الكنيست طوال الفترة الماضية منذ أن كان إرييل شارون رئيساً للوزراء وحتى خلفه أيهود أولمرت. يتولى منصب زعيم حزب الليكود الإسرائيلي ويتمتع بتأييد المؤسسة الدينية وجماعات اللوبي الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص اليهود الأمريكيين والغربيين. فرصة نتينياهو في الصعود إلى منصب رئيس الوزراء يمكن أن تتم:
- في حالة تخلي المتشددين في الكنيست عن تحالفهم مع كاديما وقبولهم بالتحالف مع نتينياهو.
- في حالة اللجوء إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة في الفترة المقبلة طالما أن استطلاعات الرأي أكدت أن 60% من الإسرائيليين يؤيد في الوقت الحالي نتينياهو.
• الجنرال حاييم رامون: يعتبر من أبرز أصدقاء أولمرت المقربين، ويتولى منصب نائب رئيس الوزراء، وبسبب علاقته الوثيقة بأولمرت فقد تخلى عن عضويته في حزب العمل واختار الانضمام إلى كاديما بعد انشقاق أولمرت عن الليكود. وكان قد تم إجبار رامون على الاستقالة من منصبه كنائب لرئيس الوزراء بعد إدانته بارتكابه جريمة التحرش الجنسي ضد إحدى المجندات الإسرائيليات ولكن لاحقاً برأته محكمة الاستئناف وسمحت له بالعودة إلى منصبه.
تشير التحليلات إلى أن تولي نتينياهو لمنصب رئيس الوزراء سيترتب عليه انتهاج الحكومة الإسرائيلية للمزيد من التوجهات والسياسات العدائية ضد سوريا وإيران وحزب الله والفلسطينيين. أما في حالة تولي الجنرال موفاز للمنصب فإن السياسات العدائية ستكون مرتفعة الشدة ضد الفلسطينيين واللبنانيين وستكون أقل تشدداً تجاه سوريا وإيران، أما في حالة تولي الجنرال باراك للمنصب فإن السياسات الإسرائيلية ستتسم بالمناورات العدائية واللجوء إلى مخطط المساومة من خلال تعدد المسارات التفاوضية بحيث تخلق إسرائيل عدة مسارات تفاوضية ثم تعمل على المناورة فيما بينها وبالنسبة لسوريا فإن باراك سيركز على إجراء مفاوضات تهدف بشكل مبرمج إلى الوصول إلى النقطة المغلقة وخيار اللاحل. أما في حالة تولي ليفني للمنصب فإن السياسة الإسرائيلية ستركز على استخدام الأساليب الدبلوماسية في فرض الضغوط على سوريا وإيران وحزب الله والفلسطينيين وعلى الأغلب أن تستمر بشكل طبيعي المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة التي تعتبر تسيبي ليفني من أبرز المساهمين فيها حالياً. وفي حالة تولي رامون للمنصب فإن المحادثات الفلسطينية – الإسرائيلية ستحرز تقدماً ونفس الشيء بالنسبة لسوريا ولكن من غير المتوقع أن يقدم حاييم رامون التنازلات في ملف الجولان في ظل الظروف الحالية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد