لماذا تطالب تل أبيب بضرورة مشاركة واشنطن في رعاية المفاوضات مع دمشق
الجمل: تزايدت التسريبات المتعلقة بمطالبة الإسرائيليين لواشنطن بضرورة القيام برعاية المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة الجارية حالياً على خلفية الوساطة التركية.
* محفزات الموقف الإسرائيلي الجديد: أبرز التساؤلات:
برغم انخراط الإسرائيليين في المحادثات غير المباشرة مع سوريا فقد ظلت تل أبيب صامتة على غير العادة إزاء الموقف الأمريكي السلبي ولكن كما هو معروف فإن كل المؤشرات تؤكد على أن الموقف الأمريكي السلبي قد جاء ضمن سيناريو توزيع الأدوار المتفق عليه مسبقاً على خط واشنطن – تل أبيب.
التوجهات الإسرائيلية الجديدة تحمل الكثير من الدلالات التي تنطوي على الكثير من التساؤلات والتي من أبرزها:
• لماذا جاءت التوجهات الإسرائيلية في هذا الوقت بالذات؟
• ما هي العلاقة بين هذه التوجهات وتحركات دبلوماسية الرئيس الأسد الأخيرة في روسيا وتركيا؟
• هل يوجد اتفاق أمريكي – إسرائيلي مسبق حول التوجهات الجديدة أم أن الأمر ما يزال في البداية؟
• هل لعبت تركيا دوراً على خط أنقرة – تل أبيب بما أدى إلى إقناع الإسرائيليين بهذه التوجهات؟
• هل لعبت تداعيات حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية دوراً في بلورة هذه التوجهات؟
من الواضح أن عملية صنع السياسة الإسرائيلية تتأثر وترتبط بكثير من المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص حسابات الفرص والمخاطر التي تمثل منهجية صنع القرار السياسي الإسرائيلي في التعامل مع المواقف والظروف المتغيرة باستمرار.
* دبلوماسية سوريا والضغط على دبلوماسية خط تل أبيب – واشنطن:
برغم محاولات الإسرائيليين إبداء قدر من التجاهل وعدم الاهتمام للتحركات الدبلوماسية السورية فإن تحركات الأسد على خط دمشق – موسكو ودمشق – أنقرة ودمشق – طهران قد دفعت الإسرائيليين هذه المرة إلى التخلي عن صمتهم والقيام بإطلاق التحذيرات التي تشير إلى:
• مدى اهتمام تل أبيب بالتحركات الدبلوماسية السورية.
• مدى الضغوط المزعجة التي أصبحت تتعرض لها الدبلوماسية الإسرائيلية.
ومن الواضح أن تحركات دبلوماسية الرئيس الأسد على هذه الخطوط الثلاثة لم تؤثر على دبلوماسية تل أبيب وحسب وإنما اكتسبت تأثيراتها طابعاً دولياً عابراً للحدود وعلى وجه الخصوص لجهة التأثير على:
• خط تل أبيب – واشنطن.
• خط تل أبيب – بروكسل (الاتحاد الأوروبي).
التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عكست مدى الانزعاج الكبير الذي أفقد دبلوماسية تل أبيب توازنها السياسي وتقول التوقعات بأن الإسرائيليين سيظلون لفترة طويلة قادمة يراجعون علاقاتهم مع موسكو وذلك لأن التقارب الروسي – السوري يمثل بالنسبة للإسرائيليين المشكلة الحقيقية الكبرى القادمة.
* دبلوماسية خط تل أبيب – واشنطن: تأثير العامل السوري:
بعد اكتمال عملية غزو واحتلال العراق وما أعقبها من تداعيات تصاعد المقاومة العراقية إضافةً إلى هزيمة القوات الإسرائيلية على يد حزب الله، بدا واضحاً أمام محور واشنطن – تل أبيب أن المواجهة العسكرية مع سوريا لم تعد خياراً ممكناً ومن ثم فقد تحول المحور إلى الخيار الرباعي الذي راهن على دبلوماسية:
• عزل سوريا عن البيئة الإقليمية والدولية.
• استخدام البوابة اللبنانية لاستهداف سوريا سياسياً.
• استخدام الضغوط الاقتصادية لإضعاف قدرات سوريا.
• شن حملة إعلامية لتنميط سوريا ضمن نموذج الراعي للإرهاب.
إدراك محور تل أبيب – واشنطن كان يقوم على أساس اعتبارات أن هذا الخيار الرباعي سيؤدي إلى كسر الإرادة السورية واستسلام دمشق وذلك لأن قدرات دمشق محدودة ضمن حدود نطاق المنطقة العربية، ولكن دمشق فاجأت محور تل أبيب – واشنطن بقدراتها على النحو الذي دفع هذا المحور إلى:
• إعادة ترتيب الأولويات الدبلوماسية.
• إعادة صياغة قواعد الاشتباك الدبلوماسي.
لقد استطاعت دمشق مفاجأة محور تل أبيب – واشنطن بالعديد من الاختراقات الاستراتيجية التي أدت إلى تقويض الخيار الرباعي ومكوناته وكان من أبرز هذه الافتراضات:
• نجاح محور واشنطن – تل أبيب في إبعاد الرياض والقاهرة والرباط وبيروت عن دمشق واستطاعت دمشق إبطال مفعوله عن طريق الانفتاح على طهران وأنقرة وموسكو وباريس.
• نجاح محور واشنطن – تل أبيب في تعبئة حلفائه اللبنانيين وتمكنت دمشق من إبطال مفعوله عن طريق المزيد من التعاون مع حلفائها اللبنانيين.
• نجاح محور واشنطن – تل أبيب في تمهيد المسرح الشرق أوسطي لجهة إدراجه ضمن استراتيجية منظومة السلام الأمريكي – الإسرائيلي وتمكنت دمشق أن تقلب ترتيبات هذه المنظومة عن طريق استخدام الردع الدبلوماسي الذي هدد بالمزيد من العلاقات والروابط مع موسكو.
والآن، وعلى خلفية تأثير دبلوماسية العامل السوري ظهر رد الفعل الإسرائيلي الذي طالب بضرورة مشاركة واشنطن في رعاية المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة الجارية حالياً برعاية تركية، وبكلمات أخرى فإن هذه المطالبة الإسرائيلية تنفي بوضوح أن مفهوم السلام السوري الجديد القائم على ضرورة الالتزام الأمريكي بالمشاركة في المفاوضات قد أصبح على وشك أن يكون مفهوماً سارياً، وفقط ما علينا إلا أن نتوقع إعلان البيت الأبيض رسمياً مشاركة الإدارة الأمريكية في محادثات أنقرة طالما أن محور تل أبيب – واشنطن يدرك جيداً أن عدوة موسكو لملء الفراغ الذي خلقه في الشرق الأوسط انهيار الاتحاد السوفيتي ستكون عودة تحمل معها الكثير من الأخبار غير السعيدة على خط واشنطن – تل أبيب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد