القاهرة وسيناريو تأجيج الخلافات داخل حزب الله
الجمل: تزايدت التقارير والتسريبات حول دعوة الرئيس المصري حسني مبارك للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بزيارة القاهرة ومدى إلحاح القاهرة على ذلك، وقبل ذلك ببضعة أيام تناقلت التقارير والأخبار زيارة سمير جعجع -الذي تطلق عليه بعض الصحف الأمريكية تسمية القاتل المدان- إلى القاهرة، وحفاوة استقبال الرئيس مبارك ووزير خارجيته أبو الغيط له، وبعد ذلك سمعنا المزيد من التقارير والأخبار عن زيارة زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى القاهرة، وإن كان استقبال المصريين له أقل حفاوة من جعجع وتزامن مع هذه الزيارات إلى القاهرة زيارة سعد الحريري للملكة العربية السعودية.
* دعوة الرئيس مبارك لنصر الله : ماذا تقول التسريبات:
برزت بعض التحليلات التي تطرقت لتفسير دعوة نصر الله باعتبارها محاولة تهدف القاهرة من خلالها الظهور بمظهر الوسيط المحايد النزيه بين أطراف الأزمة اللبنانية لأن القاهرة سبق أنت استقبلت جعجع وجنبلاط أبرز خصوم حزب الله في لبنان. هذا، وإضافة لذلك، أشارت بعض التسريبات إلى أن الرئيس حسني مبارك قد بعث برسالة لنصر الله تضمنت ما يلي:
• إن حزب الله قد استطاع بالأساس تحقيق أهدافه الرئيسية المتمثلة في تحرير جنوب لبنان بخروج القوات الإسرائيلية منه في العام 2000م والوقوف بشجاعة في مواجهة القوات الإسرائيلية في العام 2006م.
• لقد آن الأوان لكي يقوم حزب الله بإلقاء سلاحه.
أضافت التسريبات أن الرئيس مبارك قد حاول إقناع نصر الله بأن نفوذ وسمعة حزب الله قد وصلت إلى القمة، وبأن استمرار ذلك سيترتب عليه تزايد الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت تنظر إلى حزب الله باعتباره الفرقة العسكرية الإيرانية المتقدمة في المنطقة وهو أمر سيكون تأثيره خطيراً على حزب الله.
* سيناريوهات دعوات القاهرة: ماذا تحمل؟
بعد اغتيال الحريري، تضمن سيناريو استهداف سوريا العديد من المشاهد الجانبية ومن أبرزها: إخراج القوات السورية من لبنان وإشعال المظاهرات المعادية لها وتلفيق الاتهامات والذرائع ضدها وتجريد المقاومة اللبنانية من السلاح بما يجعل من لبنان بلداً أعزلاً وبلا مقاومة أمام قوة الآلة العسكرية الإسرائيلية، وإشعال الصراع السني – الشيعي، هذا وعلى خلفية هذه المشاهد الفرعية أصبح المشهد السياسي اللبناني يتضمن المزيد من التحركات والجهود الهادفة لإعطاء زخم الأزمة ديناميكية أكبر ومن أبرز ذلك:
• استمرار مسلسل الاغتيالات السياسية اللبنانية.
• تكرار زيارات زعماء قوى 14 آذار إلى العاصمة الأمريكية واشنطن والعاصمة الفرنسية باريس.
• تزايد جهود محور تل أبيب – واشنطن في الدفع باتجاه تعزيز تدويل الأزمة اللبنانية لجهة توظيف تدويل تداعياتها ضد سوريا.
• تزايد جهود معسكر المعتدلين العرب بقيادة محور الرياض – عمان – القاهرة، الهادفة إلى تحريك الأوضاع الإقليمية بما يعزز جهود محور تل أبيب – واشنطن إزاء تدويل الأزمة اللبنانية وتداعياتها.
جاءت أحداث التاسع من أيار الماضي على النحو الذي ترتب عليه نجاح قوى 14 آذار في إحداث تحول محوري في ملف الأزمة اللبنانية ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• تعديل معادلة توازن القوى الداخلي بما أدى إلى هزيمة قوى 14 آذار واضطرها للتوقيع على اتفاق الدوحة على النحو الذي لم يغفل فيه سمير جعجع إضافة عبارة "مع التحفظ" بجانب توقيعه.
• تعديل معادلة توازن القوى الإقليمي بما أدى إلى إفشال مخطط العدوان الإسرائيلي الذي كان مرتباً القيام به ضمن توقيت يتزامن مع تصاعد الصراع وأيضاً بما أدى إلى إحراق أوراق المعتدلين العرب المتعلقة بالأزمة اللبنانية.
• تعديل معادلة توازن القوى الإقليمي وذلك بما أدى إلى عدد من النتائج الجديدة التي تمثل أبرزها في:
- تراجع الدور الأمريكي في لبنان بما أدى إلى محاولة الإدارة الأمريكية اللجوء إلى بدائل أخرى، كدعم الرئيس اللبناني وتقديم المعونات العسكرية والمساعدات للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بدلاً من زعماء 14 آذار الذين كشفت أحداث 9 أيار عن مدى هشاشة موقفهم ووزنهم الداخلي.
- تراجع الحملة الأمريكية الهادفة إلى استخدام الأزمة اللبنانية ووقائعها ضمن الوقود المحفز لديناميكيات مخطط حملة الذرائع ضد سوريا.
- حدوث تغير مفاجئ في دبلوماسية باريس الوقائية إزاء المنطقة وانتهاجها لمسار التعاون بدلاً من الصراع مع سوريا.
وعلى خلفية هذه التعديلات، برزت محاولات زعماء 14 آذار الهادفة لإعادة معادلة توازن القوى الداخلي إلى ما كانت عليه قبل أحداث 9 أيار وهو أمر ظلت تؤكده المؤشرات الآتية:
• تزايد محاولات تيار المستقبل إشعال الصراع الداخلي في منطقة شمال لبنان.
• تزايد محاولات قوى 14 آذار الضغط على الرئيس اللبناني الجديد لجهة تبني أجندتها بما يؤدي إلى إعادة الاصطفاف السياسي الداخلي إلى ما كان عليه قبل الأحداث بحيث يعود سيناريو الصراع بين طرفين الأول هو 14 آذار زائد قصر بعبدا بعد تحويله إلى قوة مضافة جديدة والثاني هو 8 آذار.
• تزايد محاولات المعتدلين العرب الهادفة لدعم جهود قوى 14 آذار لجهة تقويض الاستقرار وإعادة توازن القوى إلى ما كان عليه.
وعلى خلفية هذه السيناريوهات جاءت على ما يبدو محاولات القاهرة الرامية إلى استلام الملف اللبناني والقيام بإعادة توجيه ديناميكيات هذا الملف بما يعيد لقوى 14 آذار والمعتدلين العرب وزنهم ومصداقيتهم أمام محور واشنطن – تل أبيب.
* ماذا وراء ملف القاهرة؟
يقول التحليل الذي نشره أحد المواقع الإلكترونية الأمريكية بأنه لا توجد تأكيدات مادية يمكن استخدامها كذليل على أن القاهرة قد نسقت توجهاتها اللبنانية الجديدة مع إسرائيل، ولكن –كما أشار الموقع- فإن تحركات توجهات القاهرة إزاء لبنان تتماشى مع توجهات إسرائيل الهادفة إلى "قصقصة" أجنحة حزب بالله، ويشير تحليل الموقع الإلكتروني الاستخباري الأمريكي إلى أن "سردية" دعوة الرئيس مبارك لنصر الله تضع تحت دائرة الضوء النقاط الآتية:
• إبعاد حزب الله عن سوريا وإيران.
• تأجيج الخلافات داخل حزب الله.
برغم تعدد النظريات التفسيرية إزاء الدعوة المصرية لنصر الله فمن الممكن تقديم قائمة من التساؤلات الافتراضية حول خلفيات الموقف المصري الجديد:
أولاً: لجهة بواعث ومحفزات الدور المصري الجديد:
• هل طلبت واشنطن من القاهرة استلام الملف اللبناني بما يوحد الجهود الأمنية – الدبلوماسية المصرية في المنطقة ضمن دائرة بروكسي إقليمي واحد بما يحقق المزيد من التنسيق في التعامل مع الملفات المهددة للأمن الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص كلف غزة (حماس) وجنوب لبنان (حزب الله) مع احتمالات أن يتم ترك ملف الضفة الغربية (صراع حماس - فتح) ليتم التعامل معه بتنسيق مصري – أردني مشترك.
• هل طلبت القاهرة من محور واشنطن – تل أبيب إفساح المجال أمامها لإثبات مصداقية نفوذ القاهرة الإقليمي بعد فشلها في إدارة أزمة غزة، أم هل تريد القاهرة إقصاء دور الرياض بعد أن نجحت في إقصاء دور عمان في المنطقة خاصة وأن نجم الرياض في لبنان قد بدأ يسطع مرة أخرى بعد تزايد أحداث طرابلس اللبنانية.
إذا كان محور واشنطن – تل أبيب هو صاحب المبادرة في تحويل الملف اللبناني إلى القاهرة أو إذا كانت القاهرة هي صاحبة المبادرة في ذلك، فإن الأمر برمته يأتي ضمن توجهات القاهرة الهادفة إلى استعادة دورها الإقليمي الذي فقدته بسبب إدماج أجندتها الإقليمية ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الخارجية لمحور واشنطن – تل أبيب وما هو مثير للسخرية أن القاهرة تحاول التأسيس لفرضية وجود قوتين إقليميتين في الشرق الأوسط الحالي هما طهران والقاهرة وبالتالي فمن الأفضل لمحور تل أبيب – واشنطن تعزيز دور القاهرة للقيام بالمعادل الإقليمي لإيران، وكما أشارت التحليلات فإن محاولة القاهرة الهادفة لإبعاد حزب الله عن سوريا وإيران هي مجرد فرضية تندرج ضمن أطروحات السياسة الخارجية المثالية التي سبق أن روجت لها جماعة المحافظين الجدد وبرغم أن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية عندما تحاول تجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا تكون مجرد يوتوبيا، فسوف ننتظر ونرى ما سوف تحصده أوهام السياسة الخارجية المصرية في ساحة الشرق الأوسط!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد