إسرائيل ومنظور السلام التكتيكي مع سورية
الجمل: يدرك الإسرائيليون جيداً أن نجاح تل أبيب في التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا هو نجاح سيحسم مستقبل الصراع العربي – الإسرائيلي خاصة إذا اقترن بنجاح التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
* من يحدد طبيعة السلام مع سوريا: إشكالية ثنائية إسرائيل – اللوبي الإسرائيلي؟
ستبقى إسرائيل منقسمة إزاء طبيعة مفهوم السلام مع العرب وعلى وجه الخصوص السلام مع سوريا والفلسطينيين، وحتى الآن، تشير الوقائع الجارية في تل أبيب إلى أن السلام مع سوريا لم يصل إلى مستوى الملف وإنما ما زال مجرد ورقة تستخدمها النخب السياسية الإسرائيلية في المناورات الدبلوماسية الإقليمية والدولية وفي التسويق السياسي الإسرائيلي الداخلي.
القرار السياسي، أي قرار سياسي، يتضمن جانبين، عملية صنع القرار وعملية اتخاذ القرار، وتشير معطيات الخبرة التطبيقية إلى أن عملية صنع القرار تلعب الدور الأكبر، وبرغم ذلك، فإن عملية صنع القرار تخضع للعديد من المؤثرات التي تقوم بدور "مدخلات" صناعة القرار ومن أبرزها:
• البيئة الموضوعية: وتتمثل في الوضع الميداني وتوجهات الرأي العام والمنظمات القانونية والتشريعية والمعلومات المتاحة وما شابه ذلك.
• البيئة الذاتية: وتتمثل في توجهات الأطراف المسؤولة عن عملية صنع القرار وقدراتهم الإدراكية وتطلعاتهم المستقبلية لجهة التفاؤل والتشاؤم إضافة إلى مدى توازن مكوناتهم النفسية والعقائدية وما شابه ذلك.
تأسيساً على ذلك، فقد أوضحت خبرة الأداء السلوكي الإسرائيلي إزاء سوريا وتحديداً إزاء الحرب والسلام، بأن منظور السلام مع سوريا في تل أبيب هو غيره في واشنطن. بكلمات أخرى، يوجد منظور للسلام في تل أبيب يختلف بشكل أو بآخر عن منظور واشنطن ونشير في هذا السياق إلى الآتي:
• تضارب مفهوم السلام مع سوريا عندما كانت إدارة كلينتون الديمقراطية في البيت الأبيض وكانت حكومة نتينياهو الليكودية تسيطر على تل أبيب.
• تضارب مفهوم السلام مع سوريا عندما كانت إدارة بوش الجمهورية في البيت الأبيض وكانت حكومة أولمرت (ائتلاف كاديما – العمل ) تسيطر على تل أبيب.
تحاول بعض النظريات التفسيرية تعليل هذا التضارب لجهة التشدد بحيث أدى تشدد نتينياهو إلى الإضرار بجهود كلينتون وأدى تشدد إدارة بوش إلى الإضرار بجهود أولمرت.
برغم استخدام المحللين السياسيين لهذه النظريات التفسيرية التي راهنت على ظاهرة التشدد المؤدي للتضارب فإن الأمر برأينا يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد، ذلك أن المسألة برمتها تتعلق بمشروع أكبر هو مشروع المؤامرة على تاريخ المنطقة. بكلمات أخرى، فإن تفسير وتعليل تضارب مفهوم السلام على خط واشنطن – تل أبيب هو تفسير يجد معناه الحقيقي في معطيات نظرية المؤامرة وليس في أي شيء آخر:
• عندما تقول تل أبيب أن السلام ممكن مع سوريا، تقول واشنطن أن السلام غير ممكن مع سوريا.
• عندما تقول واشنطن أن السلام ممكن مع سوريا، تقول تل أبيب أن السلام غير ممكن مع سوريا.
هذا، وبتتبع جذور وخلفيات هذا التضارب والتعاكس نجد أن مفتاح الحل والتفسير لهذه الظاهرة يتمثل بشكل أساسي في وجود وسيطرة نفوذ اللوبي الإسرائيلي على عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية وتحديداً إزاء سوريا والفلسطينيين.
بكلمات أخرى، بينما يركز نفوذ اللوبي الإسرائيلي على دفع الخارجية الأمريكية للانسجام أكثر فأكثر مع المصالح الإسرائيلية فإن نفوذ هذا اللوبي يركز على عدم انسجام السياسة الخارجية الأمريكية عندما تسعى إسرائيل إلى السلام مع سوريا وعلى هذه الخلفية يمكن القول أن ورقة السلام مع سوريا تخضع لقواعد لعبة "الظاهر والباطن" التي ظلت المجتمعات اليهودية تستخدمها كآلية لتضليل الأطراف الأخرى.
* مفهوم السلام التكتيكي مع سوريا بدلاً عن مفهوم السلام الاستراتيجي:
الفرق بين المفهومين وفقاً للإدراك الإسرائيلي يختلف تماماً عن إسقاطات الفرق بين مصطلحي "تكتيكي" و"استراتيجي" على السلام، إضافة إلى مفهوم "السلام" نفسه يتضمن الاختلاف، ولتوضيح ذلك نشير إلى الآتي:
• الفرق بين تكتيكي واستراتيجي بالمعنى الإسرائيلي هو الفرق بين الظاهر والباطن.
• يوجد فرق بين مفهوم السلام الظاهر مع سوريا ومفهوم السلام الباطن مع سوريا.
على هذه الخلفية، فقد انفضحت حقيقة الإدراك الإسرائيلي دفعة واحدة، عندما قام اليهودي الأمريكي ديفيد فورمزر عدو سوريا رقم (1) في أروقة البيت الأبيض ومراكز الدراسات الاستراتيجية والبحوث التابعة للوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد، بالتطرق إلى البحث في منظور السلام التكتيكي مع سوريا من خلال النقاط الآتية:
• تفهم دمشق السلام من منظور "الأرض مقابل السلام"، بينما تفهمه تل أبيب من منظور "السلام مقابل السلام" .
• لن يستطيع أي من الأطراف الإسرائيلية الرئيسية (كاديما – العمل - الليكود) تحقيق السلام مع سوريا ضمن منظور الأرض مقابل السلام.
• نداءات الزعماء الإسرائيليين للسلام مع سوريا تطرح على المستوى المعلن مضموناً يهدف إلى تحقيق ما هو غير معلن.
هذه هي الخطوط العريضة لمنظور السلام التكتيكي الذي تحدث عنه فورمزر. هذا، وقد سعى إلى التأكيد أن سعي تل أبيب للسلام مع سوريا هو مجرد سعي ظاهري، يرتبط بسعي باطني يتعلق باستعادة قوة الردع الإسرائيلية، ويضيف فورمزر أن تل أبيب ستظل تشعر دائماً بعقدة الإهانة التي لحقت بها بعد هزيمة 2006 في جنوب لبنان التي كان وراءها السوريون. ويقول فورمزر بأن هذه العقدة والشعور بالانكسار أمام دمشق، ستظل تشكل المانع الهيكلي أمام تل أبيب التي تحاول الآن من خلال المحادثات غير المباشرة تفادي إضافة هزيمة دبلوماسية إلى هزيمتها العسكرية على يد السوريين وبالتالي فإن أي حكومة ستجد من الصعب العودة إلى البدء في المفاوضات مع دمشق حيث انتهت في الماضي.
هذا، وعموماً، تجدر الإشارة إلى أن منظور فورمزر المتعلق بالسلام التكتيكي مع سوريا هو منظور يكتسب أهميته بسبب:
• دور فورمزر الرئيسي في توجيه صنع القرار ليس داخل الإدارة الأمريكية وحسب وإنما داخل مؤسسات اللوبي الإسرائيلي كذلك، وعلى وجه التحديد في كل ما يتعلق بالشأن السوري.
• ارتباط مفهوم السلام التكتيكي الذي تحدث عنه فورمزر مع توجهات الليكود الإسرائيلي وزعيمه نتينياهو –صديق فورمزر- الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
• ارتباط مفهوم السلام التكتيكي مع مفهوم تأمين الحدود الشمالية الإسرائيلية الذي أصبح يشكل قوام المذهبية الأمنية – العسكرية – السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية الحالية.
تأسيساً على ذلك، علينا أن نتوقع أن يصبح ملف السلام مع سوريا أحد البنود الأكثر أهمية لجهة الخلاف داخل الإدارة الأمريكية وبين الإدارة والكونغرس وداخل تل أبيب إضافة إلى تمدده داخل القوى السياسية الإسرائيلية نفسها، وبرغم ذلك، على ما يبدو فإن تل أبيب ستجد نفسها في مواجهة المزيد من الضغوط إزاء موضوع السلام مع سوريا وسيكون مصدر هذه الضغوط دول الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أيضاً أن تتزايد الضغوط داخل أمريكا على اللوبي الإسرائيلي وعلى حلفاء إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي بسبب ظاهرة صراع الأجنحة داخل الحزب وهو صراع لم يعد مرتبطاً بأجندة السياسة الداخلية الأمريكية كما كان يحدث من قبل وإنما أصبح أكثر تأثراً بأجندة السياسة الخارجية الأمريكية مثل السياسة الأمريكية إزاء العراق وأفغانستان وروسيا وبالضرورة شرق المتوسط وفي مقدمته سوريا..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد