سؤال من أجل الجولان

03-08-2006

سؤال من أجل الجولان

في اليوم الخامس على مجزرة قانا يجوز السؤال: ما موقع المجزرة من مجرى الصراع الدائر على أرض لبنان؟ وهل أن جريمة الحرب المروعة والموصوفة قد أسهمت وتسهم في لجم العدوان الإسرائيلي وتعجيل وقف إطلاق النار والحل؟ أم أنه يجري استيعابها في عملية التصعيد والتوسيع لدائرة الحرب التي نشهد الآن فصلاً جديداً من فصولها؟
إذا صدّقنا وزيرة الخارجية الإسرائيلية، لا شك في أن المجزرة خلقت التباسات مع الجماعة الأوروبية (والوزيرة الشقراء تهوى الالتباسات التي ترد بغزارة في حديثها) وخرّبت اتفاقاً كان وشيكاً بين إسرائيل ولبنان. الأثر الأول واضح، أما عن الاتفاق الذي تخرّب، فالجواب عليه عند المفاوض الرسمي اللبناني.
في انتظار الجواب، استغل الجيش الإسرائيلي المجزرة لترويع أهالي الجنوب وحمل أعداد إضافية منهم على مغادرة قراهم وإلا يصيبهم ما أصاب النساء والأطفال والعجز في قانا المذبوحة مرتين، حسبما هددت منشوراته. وهذه ليست هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش الإسرائيلي المجازر النموذجية لتهجير السكان. بل هي عادة قديمة بدأت مع خطة داليت عام 1946 في فلسطين. ومهما يكن، ففي حين استخدمت إسرائيل هدنة القصف الجوي خلال يومين لإجلاء المزيد من الجنوبيين، قدّمت للعالم الخارجي على أنها للسماح بوصول المعونات الإنسانية للقرية المنكوبة.
انتقل العدوان فوراً إلى توسيع العمليات البرية بعد تردد أملته عليه الهزائم في مارون الراس وبنت جبيل وعيترون، وبعدما تبيّن أن الضغط السياسي الأميركي قد لا يعوّض إسرائيل عما لم تستطع تحقيقه في الميدان العسكري، وحتى بعد تسريبات معتدلة لصحيفة هآرتس عن استعداد إسرائيل لإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين. بدا خلال اليومين الأخيرين، وكأن كل شيء ينقلب إلى نقيضه. قضى القرار الأميركي بأنه لا يجوز أن تنتهي المواجهة بلا غالب ولا مغلوب، أي بما يوازي انتصاراً ولو معنوياً للبنان وللمقاومة. فأجاز مجلس الوزراء الإسرائيلي عملية احتلال حزام حدودي من عدة كيلومترات (بدأنا باثنين وصار خمسة) خالٍ من المقاومين (والسكان والعمران) وضرب مخزون المقاومة من الصواريخ، علماً أن المصادر العسكرية الإسرائيلية تقدّر أن المقاومة لا تزال تستطيع التصرف بتسعة آلاف صاروخ! وأخيراً ليس آخراً، تسعى إسرائيل إلى أن تتوّج عملياتها الحربية بضربة معنوية صاعقة يرجح أن تكون عمليات اختطاف أو اغتيال لقياديين في حزب الله كان مطلعها عملية الإنزال المجوقل في بعلبك يوم أمس.
نحن إذاً أمام حرب مفتوحة كما أعلنها أولمرت هي الأخطر والأوسع نطاقاً والأشرس من كل ما جرى خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة سوف تطاول ما وراء الليطاني بل سائر المناطق اللبنانية، وخصوصاً البقاع والشمال ولا تستثني العاصمة بيروت، حسب آخر التهديدات.
لم يعد الغرض الآن منع إسرائيل من أن تحقق في السياسة والدبلوماسية ما لم تحققه في الميدان، بل بات المطلوب منعها من أن تحقق مكاسب عسكرية تقلب موازين القوى التي تحققت لصالح لبنان ومقاومته بالتضحيات والخسائر المروعة.
لا تزال المهمة الحيوية والإنقاذية هي الوقف الفوري لإطلاق النار، بالتأكيد. ولكن في ضوء القرار الإسرائيلي بالحرب المفتوحة، لا يجوز استبعاد تأجيل قرار في الأمم المتحدة أو تأخير تنفيذه، خصوصاً بعد ربطه من قبل إسرائيل بالقبول بالقوات الدولية. ناهيك عن خرق إسرائيل له في حال اتخاذه. وحدّث ولا حرج عن آلية المحاسبة والعقوبات التي تملكها الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل!
تبدو الاندفاعة العسكرية متفارقة كلياً مع الحركة الدبلوماسية المشدودة إلى وقف إطلاق النار وتفاصيل الحل. وقد شهدت الأيام الأخيرة نشاطاً ملحوظاً لمسؤولي ما يسمى المحور الإيراني السوري تمثل لبنانياً في زيارة وزير خارجية إيران إلى بيروت ولقائه، على غير موعد مسبق، بوزير الخارجية الفرنسي، وارتفاع وتيرة الاتصالات بين المسؤولين السوريين واللبنانيين وتعبير الطرفين عن مواقفهما من العدوان والحل وإفصاح الدولتين عن آرائهما في الحل بوضوح متزايد.
لا بد من القول أولاً، إن مجلس الأمن خيّب النظريات المحلية القائلة بأن حزب الله أشعل الحرب مع إسرائيل لتأجيل البت في موضوع تخصيب اليورانيوم في إيران. فلم يتردد ولا هو تأخر في توجيه إنذار بوقف التخصيب قبل نهاية آب الجاري، وإلا تعرضت إيران إلى عقوبات دولية. هذه هي حال المنظمة الدولية الخصية في ظل السيطرة الأميركية، لا تملك أن ترمي إسرائيل بالمائة والخمسين من رؤوسها النووية ولو بوردة ولا تقوى على أن تدين مجزرة قانا الثانية بعد أن رمت إسرائيل على لبنان في أسبوعين من القنابل والصواريخ ما يوازي قنبلة هيروشيما أقلاً، ها هي تعاقب إيران على عملية تخصيب لليورانيوم قد تفضي بعد سنوات إلى إمكان امتلاكها السلاح النووي!
أين سوريا من كل هذا؟ كثيرة ومتنوعة هي المؤشرات والعروض الصادرة عن دمشق منذ بداية العدوان. بدأت بعروض خدمات عبّر عنها وزير المواصلات بإمكان قيام سوريا بالوساطة بين أميركا وإيران ولعبها دوراً ما في العراق وتقديمها معلومات أمنية عن خلايا تنظيم القاعدة في لبنان (كنا نظن أن الأحرى تقديم تلك المعلومات إلى السلطات اللبنانية عملاً باتفاقية الدفاع والأمن بين البلدين!). وارتقت المواقف السورية إلى المطالبة بربط حل الأزمة اللبنانية بحل شامل في المنطقة، ما يعني بدء المفاوضات حول الجولان. بعد أن مرّت برفض القوات الدولية والتهديد بأن وجودها من شأنه تحويل لبنان إلى عراق ثان، أي إشعال حرب أهلية لبنانية.
حقيقة الأمر أن غير معلق وسياسي في أوروبا وأميركا وإسرائيل يدعو إلى إشراك دمشق في الحل، بمن فيهم وزير الدفاع الإسرائيلي بيرتس، ناهيك عن دلالة زيارة الموفد الأوروبي موراتينوس الى دمشق.
ما المطلوب من سوريا؟ المطلوب الانفكاك عن إيران أولاً ووقف مرور الأسلحة إلى حزب الله والقبول بالقوات الدولية. وما المعروض في المقابل؟ الولايات المتحدة لا تعرض، بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن إسرائيل. لسان حالها يقول: لا مفاوضات للانسحاب من الجولان المحتل. وأقرب ما جرى التعبير عنه حتى الآن في هذا المضمار رأي خبير الشؤون السورية، الإسرائيلي ايتامار رابينوفيتش: مفاوضات مع سوريا (حول الجولان ومعاهدة السلام)؟ نعم. ولكن ليس الآن. أي ليس قبل تقديم سوريا التنازلات المطلوبة في الأزمة اللبنانية. في ازاء التصلب الأميركي الإسرائيلي، يحاول الأوروبيون الإغراء بالتعويضات. والتعويضات الأوروبية لسوريا نسخة طبق الأصل عن تلك المعروضة على إيران لوقف برنامجها النووي: حوافز اقتصادية واجتماعية> تقدمها ألمانيا خصوصاً.
ماذا سوف تختار دمشق من سبل لتحرير الجولان المحتل؟
تجديد الوهم بلعب دور إقليمي إيراني فلسطيني لبناني، تتراخى عناصره ومقوماته، حتى لا نقول إنها تنعدم؟ أم الطاقة الوطنية الجبارة التي يزخر بها الشعب السوري على النضال والتحرير وبالأسلوب الوحيد المتبقي: المقاومة؟ المقاومة ذاتها التي تمتدحها وتؤيدها سوريا، دولة وشعباً، في لبنان. يبدو الاختيار ملحاً في وقت يطاول فيه الحريق الحدود السورية وتتصاعد لهجة التهديدات الإسرائيلية.

فواز طرابلسي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...