أمن الخليج العربي وإشكاليات الحماية
الجمل: تعتبر منطقة الخليج العربي من المناطق ذات الحضور المركزي في قوام استراتيجيات مجلس الأمن القومي الأمريكي وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بصياغة مذهبية حماية المصالح الحيوية الأمريكية. وتقول آخر المعلومات أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز صرح قبل بضعة أيام قائلاً: كلما كان بمقدور أصدقائنا وحلفائنا العرب تعزيز وتقوية قدراتهم الأمنية كلما كان بمقدورهم تقوية تعاونهم مع بعضهم البعض ومع الولايات المتحدة الأمريكية.
* أمن الخليج وإشكالية تعارض الخيارات؟
ستظل منطقة الخليج لفترة طويلة قادمة تعاني ليس من انكشاف أمنها العسكري والسياسي فقط وإنما من تعارض خيارات الدفاع والحماية لأمنها ولتوضيح ذلك بتفصيل أكثر وضوحاً نشير إلى الآتي:
أولاً: المخاطر والمهددات:
تواجه منطقة الخليج العربي مجموعة من المهددات الداخلية والخارجية ويمكن توصيفها على أساس الاعتبارات النوعية الآتية:
• مهددات اقتصادية: تتمثل في اعتماد الدخل الوطني على الريع النفطي المصحوب بسيطرة الولايات المتحدة على عائداته.
• مهددات اجتماعية: تتمثل في قلة عدد السكان إضافة إلى انخراط الأغلبية العظمى منهم في قطاعات غير منتجة مع الاهتمام الشديد بالرفاه الاجتماعي أكثر من الإنتاج والعمل.
• مهددات عسكرية: تتمثل في صغر حجم الجيوش والتبعية في التسليح وتواجد القوات الأجنبية بشكل مكثف ودائم براً وبحراً وجواً وفضاءً.
• مهددات سياسية: تتمثل في سيطرة النخب العائلية التي تحولت إلى أوليجارشيات حاكمة تتمتع بالصلاحيات المطلقة في كل شيء.
ثانياً: إشكاليات الحماية:
تلجأ كل دول العالم تقريبياً في حماية أمنها إما إلى الاعتماد على قدراتها الذاتية أو الاعتماد على التحالف مع الأطراف الخارجية وفي حالة دول الخليج فإن كل واحد من الخيارين ينطوي على مخاطر أكثر عمقاً وتهديداً،وبكلمات أخرى فإن اللجوء إلى القدرات الذاتية غير ممكن لأن القدرات الداخلية لا تتمتع بالكفاءة والفعالية المطلوبة، وبالتالي فإن الضعف الناتج سيجعل أمن الخليج أكثر انكشافاً، أما اللجوء إلى الأطراف الخارجية فإنه يتيح لهذه الأطراف فرصة فرض سيطرتها وإملاء شروطها وهو ما يحدث الآن، وتأسيساً على ذلك فإن حيرة دول الخليج أمام خيارات المفاضلة بين الاعتماد على القدرات الذاتية والاعتماد على القدرات الخارجية سيظل يشكل حيرة مستمرة لفترة طويلة قادمة.
* بين الأمن العسكري الأمريكي والأمن العسكري الخليجي:
أشارت التحليلات إلى أن دول الخليج العربي لم تكن راغبة في وجود القواعد الأمريكية وتحديداً عندما دخلت القوات السوفيتية خلال سبعينات القرن الماضي إلى أفغانستان سعت إدارة ريغان الأمريكية إلى إرسال قوات الانتشار السريع إلى المنطقة بما يحقق الحفاظ على معادلة توازن القوى مع السوفييت، وبسبب رفض دول الخليج والسعودية تحديداً، فقد تمركزت القوات الأمريكية في جيبوتي وكينيا، ولكن بعد قيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بغزو الكويت وصعود المخاوف من احتمال تقدم القوات العراقية لاحتلال شرق السعودية وبقية مناطق الخليج سارعت السعودية إلى الموافقة على وجود وتمركز القوات الأمريكية بشكل مؤقت، ولكن بعد دخول القوات الأمريكية لم يعد من الممكن لأي طرف خليجي أن يصدر قراراً بخروج القوات الأمريكية طالما أن فترة وجودها قد انتهت وهناك تبدو المشكلة فلا توجد معالم تلوح في الأفق على أن الوجود العسكري الأمريكي سينتهي قريباً. وتوجد حالياً ثلاثة عوامل تشكل مفاعيل عملية تحسين قدرات الأمن العسكري الخليجي وهي:
• القدرة التخطيطية لتحسين إعداد القوات العسكرية وفقاً لأحدث أنظمة التكنولوجيا العسكرية المتطورة إضافة إلى توافر الملاءة المالية في الاعتبارات المتعلقة بتغطية النفقات المالية وتكاليف التزاماتها.
• القدرة على إجراء التدريبات وتطبيق البرامج التعليمية وفق أحدث المعايير والمواصفات العسكرية العالمية.
• القدرة على التكيف إزاء المستجدات ففي مطلع تسعينات القرن الماضي كان الإدراك الخليجي لمصدر الخطر العسكري يتمثل في العراق، وبالتالي كانت الكويت والسعودية والبحرين تمثل دول المواجهة المحتملة مع العراق، وتبعاً لذلك كان تركيز القوات العسكرية الخليجية على تطوير قطع المدفعية والوحدات الهندسية والدروع والأسلحة المضادة للدروع، ولكن بعد قيام القوات الأمريكية باحتلال العراق تحول الإدراك الخليجي لإيران باعتبارها مصدر الخطر وبالتالي أصبحت كل دول الخليج تمثل مناطق مواجهة محتملة مع إعطاء أهمية أكبر لقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ومن ثم تحولت الاهتمامات الاستراتيجية باتجاه الحصول على القدرات الحيوية والدفاع الصاروخي والقطع البحرية.
على خلفية تفاعل هذه العوامل الثلاثة الإقليمية والدولية وفي ظل الوجود العسكري الأمريكي المكثف، من المتوقع أن تشهد القدرات العسكرية الخليجية المزيد من التغيرات والتي من أكثرها خطورة تغيير المذهبية القتالية والعسكرية بفعل الاندماج ضمن معطيات المدرسة العسكرية الأمريكية المعاصرة.
عموماً، سيستمر التلازم العسكري – السياسي الأمريكي – الخليجي بوتائر متزايدة ولا يمكن توقع حدوث أي انفصال بين مسار العلاقات العسكرية ومسار العلاقات السياسية فكلاهما يقدم المساندة والدعم للآخر، وستظل واشنطن أكثر إمساكاً بزمام المبادرة والسيطرة في الخليج بحيث تطرح السياسة الأمريكية مقارباتها الدورية إزاء تعريف مصادر المخاطر الأمنية وبالمقابل ستسعى دول الخليج إلى اعتماد المذهبية وأنظمة التسليح التي تتلاءم وتنسجم مع قواعد الاشتباك المحددة أمريكياً،وبالتالي كلما ظهر جيل جديد من الأسلحة الأمريكية المتطورة والمرتفعة الثمن كلما سعت واشنطن لتحديد العدو الملائم والمناسب وبالمقابل كلما اعتمدت دول الخليج قواعد الاشتباك الأمريكية الجديدة، وسعت للحصول على الأسلحة المتطورة التي تتناسب مع درء الخطر الجديد الذي كان عراقياً ثم أصبح إيرانياً، ومن يدري فقد يكون غداً صينياً أو هندياً أو روسياً!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد