مستقبل السياق السياسي العراقي والحملة على سوريا
الجمل: بدأت الخارطة السياسية العراقية تشهد المزيد من التبدلات والتغيرات وبرغم حالة الشكوك واللايقين المتعلقة بقانون وموعد عقد جولة الانتخابات العامة، فإن معدل تواتر الكتل والتحالفات السياسية العراقية أصبح أكثر ارتباطاً بعمليات الاستقطاب التي تتراوح بين الطابع الإثنو-طائفي والإثنو-عرقي والطابع الوطني العام.
* الكتل السياسية العراقية: آخر المعلومات الجارية:
من الصعب القول أن الخارطة السياسية العراقية ستتثبت على شكل معين بسبب الطبيعة غير المستقرة التي ظلت تتميز بها أوضاع العراق السياسية الداخلية والإقليمية والدولية ومع ذلك فإن آخر ملامح الخارطة السياسية تشير إلى وجود الكتل السياسية المتصارعة الآتية:
• كتلة تحالف دول القانون: تضم الأطراف الآتية:
- حزب الدعوة: وهو حزب إسلامي شيعي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.
- زعماء بعض القبائل الشيعية.
- زعماء بعض القبائل السنية.
- زعماء بعض القبائل الكردية.
- بعض الزعماء المسيحيين.
وتقول المعلومات أن قوام الكتلة يتشكل من الأطراف التي خاضت إلى جانب المالكي الانتخابات السابقة ونجحت في تحقيق الفوز بأغلبية مقاعد المحليات العراقية. وبالتالي تؤكد المعلومات أن هذا التكتل سيسعى باتجاه تسويق برنامج انتخابي يركز على النقاط الآتية:
- الحفاظ على المكاسب الأمنية التي تحققت خلال ولاية نوري المالكي.
- العمل على تحسين قطاع الخدمات العامة في العراق.
- التأكيد على بقاء العراق دولة قوية موحدة.
• كتلة التحالف الوطني العراقي: تضم هذه الكتلة الأطراف الآتية:
- التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.
- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة عمار عبد العزيز الحكيم.
- حزب الفضيلة.
- بعض الزعماء السنة.
- أتباع رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري.
- أتباع السياسي العراقي أحمد الجلبي.
- بعض الجماعات العراقية الصغيرة.
وتشير التوقعات إلى أن الطرفين الرئيسيين في هذا التحالف هما التيار الصدري والمجلس الأعلى وبرغم أنهما يمثلان الفصيلين الشيعيين الرئيسيين فإن هناك الكثير من المؤشرات تقول أنهما فقدا شعبيتهما في المناطق الشيعية وبدا تدهورهما واضحاً في الانتخابات المحلية الأخيرة التي أكدت نتائجها أن زعماء القبائل والعشائر الشيعية أصبحوا أكثر استقلالية عن مقتدى الصدر وعمار الحكيم أما بقية مكونات هذه الكتلة فهي مجرد شخصيات سياسية بارزة بسبب بروزها خلال الفترة الماضية ولكنها حالياً لا تمتلك الرصيد الشعبي – السياسي الكافي لتعزيز قوة هذه الكتلة.
• كتلة الأكراد: تقليدياً ظلت الكتلة تتكون من طرفين كرديين رئيسيين هما:
- الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني الذي يتولى حالياً منصب رئيس الوزراء في حكومة كردستان العراق.
- الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني الذي يتولى منصب الرئيس العراقي.
ولكن في مجرى التنافس الانتخابي برزت كتلة كردية جديدة حملت اسم "تكتل التغيير" نجحت في الحصول على 25% من إجمالي البرلمان الكردستاني.
إضافة لهذه الكتل الثلاثة توجد بعض الكتل الصغيرة نسبياً والتي ستلعب دوراً مرجحاً في حالة توازن الأوزان الانتخابية للكتل الرئيسية الثلاث.
* من هم اللاعبون الرئيسيون في المسرح العراقي؟
على أساس اعتبارات اللاعبين الرئيسيين فإن المسرح العراقي ينطوي على مفارقة كبيرة تتمثل في الآتي:
• اللاعبون الرئيسيون: أمريكا – إيران – السعودية – إسرائيل.
• اللاعبون الثانويون: الكتل السياسية العراقية.
تشير المعلومات إلى أن الصراع السياسي العراقي بشكله الحالي يتضمن عملية سياسية تخضع أولاً وقبل أي شيء لتوازنات المصالح والأطراف الثالثة الخارجية. وبكلمات أخرى نجد أن مفاعيل الصراع السياسي الانتخابي تتضمن الآتي:
• كتلة دولة القانون: وتمثل حلفاء واشنطن الساعين إلى الحصول على الدعم الأمريكي ومقايضة حماية المصالح الأمريكية في العراق باستمرارهم في السلطة.
• كتلة التحالف الوطني العراقي: تمثل حلفاء إيران وبرغم من مساندتهم لنوري المالكي طوال الفترة الماضية فقد انشقوا عنه بسبب تزايد ميوله الداعمة للمصالح الأمريكية في العراق.
• كتلة الأكراد التي ترتبط بشكل وثيق بالولايات المتحدة وعلى خلفية النزعة الانفصالية فقد نشأت علاقات وثيقة بين الحركات الكردية وإسرائيل وما تزال تل أبيب تلعب دوراً بارزاً في الضغط على واشنطن لجهة دعم كتلة الأكراد ولكن على خلفية التطورات السياسية الجارية فقد ظهرت المزيد من الحركات السياسية الكردية بعضها علماني يتبنى خط المعارضة ضد تحالف البرزاني – الطالباني، وبعضها الآخر إسلامي يتبنى معارضة توجهات تحالف البرزاني – طالباني المرتبطة بواشنطن وتل أبيب.
ونلاحظ أن توازنات المصالح بين الطرف الخارجي وحليفه العراقي الداخلي فقد ظلت خلال المراحل الأخيرة الحالية تميل كفتها بقدر أكبر نحو إلزام الحليف الداخلي بحماية مصالح الطرف الخارجي وقد أدى ذلك إلى نشوء ظاهرة البروكسي السياسي العراقي الذي يلتزم بتأمين ودعم مصالح حليفه الخارجي بما يضعها في الأولوية على المصالح الوطنية العراقية.
* السياق السياسي العراقي المستقبلي: إلى أين؟
يتضمن المشهد السياسي العراقي مسارين رئيسيين هما:
• مسار العملية السياسية التي تتم ضمن نطاق القوام المؤسسي السياسي الذي وضعته سلطات الاحتلال الأمريكي.
• مسار العملية السياسية التي تتم خارج نطاق القوام المؤسسي السياسي الذي وضعته سلطات الاحتلال الأمريكي.
يتمثل الفرق بين المسارين على أساس اعتبارات الفرق بين القوى المتعاملة مع الاحتلال وقوى مقاومة الاحتلال بحيث تحصل القوى المتعاملة على دعم وحماية سلطات الاحتلال الأمريكي وحلفائها بينما تحصل قوى المقاومة على دعم السكان المحليين وبعض الأصدقاء.
الصراع المحتدم بين قوى المتعاملين وقوى المقاومة لم يعد حصراً يتم في داخل العراق وإنما انتقلت عدواه بشكل عابر للحدود وفي هذا الخصوص فقد تزايدت استخدامات معطيات نظرية المؤامرة بواسطة قوى المتعاملين لتوجيه الاتهامات لخصوم حليفهم الخارجي ومن الأمثل الدالة على ذلك قيام عناصر كتلة دولة القانون بالتسويق لحملة بناء الذرائع ضد سوريا وما يؤكد أن هذه الحملة مصدرها واحد يتمثل في الآتي:
• تشابه تقنيات وسلوكيات هذه الحملة مع تقنيات وسلوكيات الحملة التي تم تنفيذها ضد سوريا بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
• تشابه معطيات خطاب الأطراف العراقية الداعمة لهذه الحملة مع معطيات خطاب قوى 14 آذار اللبنانية.
• تشابه السيناريو الذي تسعى الأطراف العراقية لانتهاجه ضد سوريا مع السيناريو الذي سبق أن انتهجته قوى 14 آذار اللبنانية.
عموماً، ستنطوي إشكالية الأداء السلوكي السياسي العراقي القادم على إشكالية تنمط الإدراك السياسي السائد في أوساط النخب العراقية إزاء العديد من المسائل والقضايا التي من أبرزها:
• مدى جدوى بقاء قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.
• مدى جدوى أهمية تعزيز التعاون العراقي – العراقي والتعاون العراقي مع دول الجوار.
• مدى جدوى أهمية التمسك بالإبقاء على العراق مستقلاً وموحداً.
تقول المعلومات أن الصراع الانتخابي لم يعد خطره يتمثل في مجرد ارتباط الأطراف العراقية بالأطراف الأخرى وإنما في سعي الأطراف السياسية العراقية لابتزاز بعضها البعض وفي هذا الخصوص فقد صعدت أزمة منطقة كركوك إلى سطح الأحداث من جراء سعي الكتلة الكردية إلى استخدام ملف كركوك في المساومات السياسية على أساس اعتبارات أن الكتلة الكردية ستقف إلى جانب كتلة دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي وتطالب بالقانون الانتخابي القائم على ضم كركوك إلى إقليم كردستان العراقي.
إن الكتلة الكردية ستقف إلى جانب كتلة التحالف الوطني العراقي التي تطالب بالقانون الانتخابي على أساس نظام القوائم المفتوحة إذا وافقت كتلة التحالف على ضم كركوك إلى كردستان.
حتى الآن تبدو كتلة تحالف دولة القانون والتحالف الوطني العراقي في حيرة من أمرهما لأن من يتنازل سيكسب دعم الكتلة الكردية ولكنه سيخسر بقية سكان العراق!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد