خلفيات النوايا الأمريكية-الإسرائيلية إزاء الحدود السورية - العراقية
الجمل: تشير المعلومات والتقارير والتسريبات إلى أن مناطق الحدود السورية – العراقية، والسورية – التركية من المحتمل أن تصبح مسرحاً لسيناريوهات معطيات نظرية المؤامرة المتجددة لجهة القيام بالمزيد من عمليات استهداف سوريا، وكما هو واضح، فقد جاءت بعض المؤشرات الجديدة الدالة على ذلك، بواسطة تقرير وكالة اليونايتد برس الذي حاول الربط بين ملف تنظيم القاعدة وملف البعثيين العراقيين، وملف الحدود السورية – العراقية.
* أبرز المعطيات والمعلومات:
استندت المعلومات الجديدة على التسريبات التي أوردها المحلل السياسي الأمريكي «بيل روغيو» وتم نشرها بدء في صحيفة الحروب الطويلة الأمريكية، ثم نشرت وكالة الأنباء اليونايتد برس تقريراً مختصَراً عنها، هذا، وبالاستناد إلى المصدر الأصلي لصحيفة الحروب الطويلة الأمريكية، نشير إلى النقاط الرئيسية الواردة على النحو الآتي:
• يشدد المسؤولين في المخابرات الأمريكية بمدى إمكانية أن تصبح سوريا ملاذاً لتنظيم القاعدة، طالما أن تنظيم القاعدة أصبح يتعاون مع جماعة البعثيين العراقيين الناشطة في العراق.
• إعادة تنظيم القاعدة التركيز على جهوده من أجل إقامة بنية تحتية في شرق سوريا، وذلك بعد أن تعرضت شبكته في العراق للأضرار بفعل جهود القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية خلال الفترة من عام 2007 إلى العام 2009.
• أشار أحد كبار المسؤولين في المخابرات العسكرية الأمريكية بأن منطقة شرق سوريا أصبحت تشبه منطقة شمال غرب باكستان، فمنطقة شمال غرب باكستان هي المنطقة التي لجأت إليها حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وقاما بتجميع وإعادة تنظيم قواتهما ، ثم أصبحا يشنان العمليات العسكرية العابرة للحدود الباكستانية – الأفغانية ضد أفغانستان.
• نفذت القوات الخاصة الأمريكية في نهاية العام 2008 عملية عسكرية ضد بلدة الصغارية الواقعة في شرق سوريا بالقرب من البوكمال على الحدود السورية – العراقية، وتحديداً على بعد خمسة أميال من الحدود، وقد قامت القوات الخاصة الأمريكية بقتل أبو غاديه الذي يقدم المساعدات لتنظيم القاعدة، إضافةً إلى بعض معاونيه.
• بعد تنفيذ القوات الخاصة الأمريكية لعملية اغتيال أبو غاديه، قام تنظيم القاعدة بإرسال أحد كبار زعمائه من باكستان إلى سوريا وذلك لمشاركة بعض الناشطين الخطرين الذي درجوا على القيام بتسهيل تمرير المسلحين الأجانب والمال والسلاح والعتاد إلى مناطق غرب العراق.
• وصل موفد القاعدة «شيخ عيسى المصري» إلى سوريا في حوالي شهر أيار (يونيو) 2009، والتقى مع «أبو خلف» الناشط الكبير في تنيظم القاعدة والذي ظلَّ يقوم بدور أساسي في إعادة إحياء شبكة تنظيم القاعدة في العراق عبر شرق سوريا، إضافة إلى القيام بالإشراف على توجيه عمليات تنظيم القاعدة في العراق.
• تعتقد المخابرات الأمريكية بأن «شيخ عيسى المصري» و«أبو خلف» قد قاما بالإشراف والمسئولية عن انفجار بغداد الذي حدث خلال شهر آب (أغسطس) 2009 الماضي، وانفجار بغداد الذي حدث في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، وهما الانفجاران اللذان استهدفا الوزارات العراقية وتسببا في قتل 230 وجرح 1000 شخص تقريباً.
• وجهت الحكومة العراقية الاتهامات بالمسئولية عن الانفجارين الكبيرين ضد كل من تنظيم القاعدة وجماعة البعثيين العراقيين السابقين، وفي هذا الخصوص، فقد تقدمت بغداد بطلب إلى دمشق بتسليمها كل من «ساثام فرحان» و«محمد يونس الأحمد» اللذان يعتبران من الزعماء البعثيين العراقيين.
• أعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عن انفجار آب (أغسطس) وانفجار تشرين الأول (أكتوبر) اللذان ضربا بغداد.
• أكد الجنرال «رايموند أوديرنو» قائد القوات الأمريكية في العراق قائلاً بأن تنظيم القاعدة في العراق قد تحوّل بشكلٍ كبير باتجاه العمل بشكلٍ مرتبط بالجماعات البعثية العراقية التي تقوم بشن الهجمات والعمليات القتالية ضد القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية.
• تحدث الجنرال «رايموند أوديرنو» قائلاً بأن قيام تنظيم القاعدة في العراق بالعمل مع البعثيين قد أدى إلى جعل العناصر المسلّحة الأجنبية تعمل تحت سيطرة العناصر البعثية العراقية، وأضاف قائلاً، بأن عدد العناصر الأجنبية هذه قد أصبح صغيراً مقارنةً بعدد العراقيين الناشطين في العمليات المسلحة.
• التعاون الذي يجري حالياً بين تنظيم القاعدة وجماعات البعثيين العراقيين ليس هو الأول من نوعه، فقد سبق أن تعاون الطرفان خلال الفترة من عام 2006 إلى عام 2007، وذلك من خلال التعاون الذي تم بين «الجيش الإسلامي العراقي» الذي يتكون بصفة غالبة من البعثيين العراقيين السابقين، مع دولة العراق الإسلامي الذي قام بإعلانها تنظيم القاعدة في عام 2006 لجهة استخدامها كواجهة عراقية توفر الغطاء لأنشطة وعمليات تنظيم القاعدة في العراق.
نلاحظ من خلال هذه النقاط، أن المعلومات الواردة تستند على المصادر الأمريكية، إضافةً إلى القيام بالربط بين المعلومات الأمريكية وتطورات الأحداث والوقائع الجارية في المسرح العراقي، بالإضافة إلى وضع بعض المعلومات الافتراضية الإضافية التي لا يوجد أي سند أو دليل على صحتها، مثل افتراض وصول «شيخ عيسى المصري» إلى سوريا ولقاءه مع «أبو خلف».
* خلفيات النوايا الأمريكية – الإسرائيلية إزاء الحدود السورية الشرقية والشمالية:
ترتبط النوايا الأمريكية إزاء ملف الحدود الشرقية السورية – العراقية بالنوايا الإسرائيلية السابقة إزاء ملف الحدود الشمالية السورية – التركية، وأيضاً بالنوايا الإسرائيلية السابقة والحالية إزاء ملف الحدود الغربية السورية – اللبنانية.
وعلى هذه الخلفية، تجدر الإشارة إلى النقاط الآتية:
- خلال فترة الخلافات السورية – التركية، ظلت إسرائيل تسعى لاستغلال هذه الخلافات بما يتيح فرض المزيد من الضغوط الأمنية على سوريا عبر حدودها مع تركيا.
- خلال الفترة التي دارت فيها الحرب الأهلية اللبنانية السابقة، وطوال الفترة التي أعقبت خروج القوات السورية من لبنان وحتى الآن، ظلت إسرائيل تسعى مستخدمةً كل الوسائل الممكنة لاستخدام اختلال توازن الوضع السياسي اللبناني لجهة خلق المزيد من التهديدات ضد سوريا عبر حدودها مع لبنان.
- خلال الفترة الممتدة من لحظة قيام القوات الأمريكية بغزو واحتلال العراق وحتى الآن، ظل محور واشنطن – تل أبيب يسعى من أجل استغلال كل الفرص الموجودة لجهة توجيه المزيد من التهديدات ضد سوريا عبر حدودها مع العراق.
وجدت النوايا الإسرائيلية – الأمريكية حضورها القوي في مناطق الحدود السورية – العراقية، وفي الوقت الذي ظلت فيه الإدارة الأمريكية توجه المزيد من الاتهامات ضد سوريا، وإلقاء اللوم على دمشق بالمسئولية عن تمرير المسلحين وتهريب السلاح والعتاد إلى داخل العراق، فقد ظلّت هذه الاتهامات تجد سندها القوي في تصريحات قادة القوات الأمريكية في العراق، وليس غريباً أن نلاحظ أن تصريحات الجنرال «أوديرنو» قائد القوات الأمريكية الحالي في العراق، هي تصريحات تمثل صورةً طبق الأصل من تصريحات اليهودي الأمريكي الجنرال «ديفيد بترايوس» قائد القوات الأمريكية السابق في العراق، والقائد الحالي للقيادة الوسطى الأمريكية والمرشح القادم -كما تقول تسريبات مراكز اللوبي الإسرائيلي- لقيادة حلف الناتو.
إضافةً إلى ذلك، نلاحظ أن نوايا استهداف المناطق الشرقية السورية هي نوايا لم يتم التعبير عنها حصراً بواسطة العسكريين والسياسيين الأمريكيين، وإنما وجدت هذه النوايا حضوراً واضحاً في مراكز الدراسات التابعة للوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد، وصقور الإدارة الأمريكية المحافظين، وكان مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية السبّاق إلى ذلك، من خلال الدراسة البحثية التي نشرها والتي سعت إلى التأكيد على مدى ضرورة وأهمية قيام القوات الأمريكية الموجودة في العراق بعمليات «التتبع الساخن» للمسلحين العراقيين داخل الأراضي السورية.
* الأبعاد غير المعلنة للتسريبات الأمريكية:
من الصعب التأكيد على أيهما الأكثر رجوحاً: هل هذه التصريحات تهدف إلى مجرد الردع الرمزي الأمريكي؟ أم إنها تهدف إلى تمهيد المسرح لجهة القيام بالمزيد من عمليات الاستهداف السلوكي – العملي ضد شرق سوريا؟ ولكن، وبرغم تعدد التفسيرات الممكنة، فإن ما هو واضح بتمثل في النقاط الآتية:
• إن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية لا ترغب في التورط في المزيد من الصراعات في المنطقة.
• توجد خلافات داخل الإدارة الأمريكية الحالية بين طرفٍ يرى بضرورة التصعيد "وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط" باعتباره الوسيلة الأفضل لتحقيق مشروع قيادة أمريكا للعالم (أي مشروع الهيمنة الأمريكية على العالم بالمعنى الجمهوري) وطرف آخر يرى بضرورة التهدئة باعتبارها الوسيلة الأفضل لاستمرار عملية العولمة الاقتصادية التي سوف تتيح لأمريكا صعود قوتها الاقتصادية وقيادة العالم.
• الأطراف الأمريكية التي تطالب بالتهدئة، تركز على عمليات الإصلاح الاقتصادي وتفعيل برامج السياسة الداخلية الأمريكية.
• الأطراف الأمريكية التي تطالب بالتصعيد ما تزال موجودة وفاعلة من خلال سيطرتها على مقاليد الأمور في العديد من مرافق الإدارة الأمريكية المعنية بشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
• تسعى الأطراف الأمريكية المطالبة بالتصعيد إلى الضغط على الأطراف الأمريكية المطالبة بالتهدئة من خلال تحريك الوقائع الميدانية، وبناء الذرائع بما يدفع الإدارة الأمريكية الى الاقتناع بضرورة المضي قُدماًَ لإكمال المسيرة التي بدأتها إدارة بوش السابقة.
نلاحظ في تقرير وكالة يونايتد برس وصحيفة الحروب الطويلة، بمحاولة لمقاربة التطورات الجارية على الحدود السورية – العراقية، بالتطورات الجارية على الحدود الباكستانية – الأفغانية، وبكلماتٍ أخرى، فإن المقاربة المُشار إليها، تجعل من منطقة شرق سوريا تعادل منطقة شمال غرب باكستان، ومن منطقة غرب العراق المعادل لمنطقة جنوب أفغانستان، ومن ثم، هل معنى ذلك أنه طالما أن واشنطن قد سعت لاستهداف مناطق شمال غرب باكستان بالتعاون مع القوات الباكستانية، فإنها بالضرورة أي واشنطن – لا بد أن تسعى لجهة البحث عن رفيق لاستهداف مناطق شرق سوريا، وهل هذا حقاً ما هدف إليه ما كتبه «بيل روغيو» نقلاً من مصادر المخابرات الأمريكية، ونشرته صحيفة الحروب الطويلة، ولحقه تقرير وكالة يونايتد برس؟ أم أن الهدف هو شيءٌ آخر، لم نوفق في العثور عليه بين ثنايا السطور؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد