الخارطة النووية لدول الشرق الأوسط وأفريقيا
الجمل: تتوقع معظم التحليلات السياسية, أن تشهد منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية صعود الكثير من ملفات الطموحات النووية, والتي وبرغم إصرار أصحابها على أنها تهدف إلى تحقيق الأغراض المدنية السلمية, فإن هناك العديد من الشكوك وملامح اللايقين التي تنطوي عليها هذه الطموحات.
مفاعيل التطورات النووية الجارية حتى نهاية عام 2009:
أظهرت 13 دولة طموحاتها النووية, منها 8 دول عربية "الجزائر-مصر-الأردن-الكويت-ليبيا-قطر-السعودية-الإمارات العربية المتحدة" و4 دول أفريقية "كينيا-ناميبيا-النيجر-جنوب أفريقيا", إضافة إلى إيران.
تقول التقارير والتحليلات بأن كل هذه الدول قد تذرعت باحتياجاتها المتزايدة لجهة تلبية الطلب المتزايد في أسواقها على مصادر الطاقة, وعلى خلفية ارتفاع أسعار النفط والغاز إضافة إلى الرغبة في القضاء على مخاطر الاحترار المناخي العالمي المهدد للبيئة الطبيعية العالمية, فإن السبيل الأمثل أمام هذه الدول هو استخدام التكنولوجيا النووية باعتبارها من المصادر النظيفة غير الملوثة للبيئة, إضافة إلى أنها منخفضة التكاليف.
تشير دراسات الجدوى الاقتصادية والتجارية المنطلقة لصناعة الطاقة, بان أسعار النفط والغاز سوف تشهد ارتفاعا متزايدا خلال الأعوام القادمة, بحيث سوف يصبح متوسط سعر برميل النفط الخام في حدود 150 دولار أميركي, وفي نفس الوقت سوف تحتفظ المواد الإشعاعية والانشطارية التي تستخدمها المفاعلات النووية بأسعار منخفضة للغاية, وبكلمات أخرى, فإن تكاليف إنتاج "واحد ميجاواط" من الطاقة الكهربائية في المفاعلات النووية, يمكن أن تعادل 2 إلى 3% من تكاليف إنتاج نفس هذه الكمية من الطاقة الكهربائية بواسطة محطات التوليد الحرارية الكهربائية.
ماذا تقول المعلومات والوقائع؟
تشير معطيات المعلومات والوقائع, الجارية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا إلى أن 14 دولة, قد توصلت حتى الآن إلى الآتي:
• الجزائر: أكدت على سعيها من أجل إنجاز بناء محطتها الأولى للطاقة النووية التجارية في حدود عام2020م, ثم بعد ذلك بناء المزيد بواقع محطة طاقة نووية كل خمس سنوات, وتقول المعلومات, بان الجزائر قد دخلت في اتفاقيات تعاون مع كل من: الأرجنتين-الصين-فرنسا-الولايات المتحدة الأميركية, وحاليا تنخرط الجزائر في محادثات مع كل من روسيا وجنوب أفريقيا بهدف التوصل إلى اتفاقيات تعاون نووي, هذا, وبرغم أن الجزائر تمتلك رصيدا وافرا من مخزونات النفط والغاز, فإن السلطات الجزائرية تقول بأنها تسعى إلى استخدام النفط والغاز كسلع للصادر بما يتيح لها الحصول على أكبر ما يمكن من النقد الأجنبي, وبالتالي, فإن استبدال محطات التوليد الكهربائي التي تعمل بالنفط والغاز, بمحطات توليد نووي, سوف يتيح لها تحقيق طموحاتها المالية والنقدية, لدعم اقتصادها المضطرب, هذا, وحاليا تمتلك الجزائر مفاعلين نوويين لأغراض البحث العلمي, ولكنها لا تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم.
• مصر: أعلنت مصر عن خططها الساعية إلى بناء العديد من المفاعلات النووية, لجهة مقابلة احتياجاتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية, وأشارت المعلومات, إلى أن مصر قد تلقت عروض تعاون نووي بواسطة كل من: الصين- روسيا- فرنسا- كازاخستان, وإضافة لذلك, فقد وقعت مصر بالفعل صفقة للاستثمار النووي مع شركة وورلي بارسونز الاسترالية المختصة باستشارات استخدامات الطاقة النووية, تقول بعض المعلومات, بأن الولايات المتحدة الأميركية راغبة في مساعدة ودعم مصر في بناء برنامجها النووي, ولكن هناك خلاف بين القاهرة وواشنطن, وذلك بسبب الشروط التي وضعتها أميركا, والمتمثلة في أن واشنطن مستعدة لدعم البرنامج النووي المصري للأغراض السلمية والمدنية, ولكن بشرط أن تتعهد مصر بعدم القيام بأي عملية تخصيب لليورانيوم, إضافة إلى التعهد بعدم معالجة النفايات النووية لجهة تحويلها مرة أخرى إلى وقود نووي.
• إيران:استطاعت إيران المضي قدما في تطوير برنامجها النووي, وذلك بسبب توافر ثلاثة عوامل:
- الأول: وجود بنيات تحتية نووية سبق أن قدمتها أميركا لنظام شاه إيران السابق.
- الثاني: نجاح طهران في تحقيق التعاون النووي مع روسيا, إضافة إلى الصين, وكوريا الشمالية.
- الثالث: استخدام إيران لشبكات تهريب المواد والمعدات النووية, ومن أبرزها شبكة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان.
تقول المعلومات, بأن روسيا سوف تقوم بتشغيل إحدى محطات الطاقة
الرئيسية في إيران, بحلول شهر آذار"مارس" 2010م, وأضافت
المعلومات, بأن مفاعل "بوشهر" الذي قامت بنائه روسيا سوف يتيح لإيران
الحصول على 9,5 ميجاواط من الكهرباء يوميا, وحاليا, تتزايد اتهامات
الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبلدان الاتحاد الأوروبي إضافة إلى
بعض البلدان العربية, لإيران باعتبارها تطبق برنامجا نوويا مزدوجا,
يهدف من جهة إلى توليد الكهرباء, ومن جهة أخرى إلى إنتاج الرؤوس
الحربية النووية غير التقليدية.
• الأردن: خططت الأردن لبناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية, وتقول المعلومات, بأن عمان تسعى لإنجاز بناء هذا المفاعل بحلول العام 2017م, وبهذا الخصوص فقد وقعت السلطات الأردنية اتفاقيات تعاون نووي مع كل من فرنسا والصين وكندا, لجهة الحصول على التكنولوجيا, والخبراء, والتدريب, وما شابه ذلك من المستلزمات, هذا, وقد دخل الأردن في عام 2008م في محادثات مع شركة أريفا النووية الفرنسية, لجهة القيام ببناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية في الأردن.
• كينيا: أعلن وزير الطاقة الكيني بان بلاده تسعى إلى الحصول على المستثمرين الراغبين في بناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية, بما يقابل احتياجات كينيا المتزايدة للطاقة الكهربائية, هذا وتقول المعلومات بأن إنتاج كينيا الحالي من الكهرباء هو 1100 ميجاواط وفقا لطاقة التوليد المتاحة, وأضافت المعلومات, بأن كينيا قد خصصت ميزانية لبناء مفاعل نووي لتوليد 1000 ميجاواط, وذلك ضمن تكلفة إجمالية في حدود واحد مليار دولار أميركي.
• الكويت: تقوم السلطات الكويتية حاليا بإجراء الدراسات اللازمة لإقامة مفاعل نووي, يتيح لها, توليد احتياجاتها من الطاقة الكهربائية, وأيضا تحلية مياه البحر لمقابلة احتياجاتها من المياه العذبة, وتقول المعلومات, بان السلطات الكويتية قد دخلت في محادثات مع شركة أريفا النووية الفرنسية في مطلع هذا العام, وحتى الآن, لا توجد معلومات واضحة حول الصفقة الكويتية-الفرنسية النووية.
• ليبيا: أعلنت كل من ليبيا وروسيا بأنهما قد بدأتا التفاوض في تشرين الثاني"نوفمبر" 2008م, حول صفقة تقوم بموجبها روسيا ببناء مفاعلات نووية في ليبيا لأغراض البحث العلمي, وإنتاج الطاقة الكهربائية, إضافة إلى تحلية مياه البحر بما يتيح سد حاجة ليبيا للمياه العذبة, وتقول المعلومات, بان ليبيا وروسيا تقومان حاليا بالتفاوض حول وثيقة التعاون النووي للأغراض المدنية السلمية, والتي تم وضع خطوطها العامة على أساس محادثات القذافي-بوتين التي تمت خلال زيارة بوتين الماضية لليبيا, وتشير المعلومات, إلى أن اتفاق الصفقة النووية الليبية-الروسية, يتضمن قيام روسيا ببناء المفاعلات النووية, وتشغيلها, إضافة إلى توليد الوقود النووي اللازم لها.
• ناميبيا: ظلت دولة ناميبيا تعتمد على استيراد الكهرباء من جنوب أفريقيا, ولكن, وبسبب الخلافات والأعباء ورغبة ناميبيا في التخلص من ظاهرة التبعية في مصادر الطاقة, فقد سعت السلطات إلى بناء مفاعل نووي يتيح لناميبيا تغطية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء, وفي هذا الخصوص فقد دخلت السلطات الناميبية في مفاوضات مع شركة أريفا النووية الفرنسية, ووصلت المفاوضات إلى مرحلة متقدمة,وحاليا تسعى ناميبيا من أجل الحصول على موافقة وكالة الطاقة النووية العالمية بما يتيح لها إسناد برنامجها النووي ضمن السياق القانوني الدولي.
• النيجر: تعتبر النيجر من أكبر البلدان المصدرة لليورانيوم الخام, وبرغم امتلاك النيجر لمخزوناته الكبيرة, فإنها تفتقر بشكل كبير إلى الطاقة الكهربائية, وتقول المعلومات, بأن السلطات قد سعت إلى التفاهم مع البلدان الكبرى المستوردة لليورانيوم, لجهة عقد صفقة, تحصل بموجبها هذه الدول على خامات اليورانيوم مقابل بناء مفاعل نووي يلبي احتياجات النيجر من الطاقة الكهربائية. وأفادت التقارير, بان النيجر قد وصلت إلى مرحلة متقدمة في مفاوضاتها مع جنوب أفريقيا لجهة إبرام صفقة بناء المفاعل, بعد الحصول على موافقة وكالة الطاقة الذرية العالمية.
• قطر: ظلت قطر تسعى من أجل بناء مفاعل نووي يتيح لها الحصول على الطاقة الكهربائية, وتحلية المياه, إضافة إلى دعم البحث العلمي, وتقول المعلومات, بان القطريين قللوا اهتمامهم بأمر بناء المفاعل النووي, وذلك, لأن انخفاض أسعار النفط الذي حدث مؤخرا, قد عزز قناعة القطريين لجهة الاستمرار في تشغيل مصادر الطاقة الحرارية الحالية, وعدم السعي لإقامة مصادر الطاقة النووية إلا إذا ظهرت مؤشرات تفيد لجهة ارتفاع أسعار النفط بما يتجاوز الحدود المعقولة لجدوى إنتاج الكهرباء الحرارية, وتقول المعلومات, بان السلطات القطرية قد أعدت دراسة الجدوى اللازمة لجهة التحول نحو إنتاج الكهرباء النووية, وإذا حدث وبدأت قطر في مطلع العام القادم في تنفيذ هذا المخطط, فإن التوقعات تشير إلى أن قطر سوف لن تتمكن من إكمال برنامجها النووي والحصول على الكهرباء قبل حلول العام 2018م.
• السعودية: دخلت السعودية في مفاوضات مع فرنسا, لجهة عقد صفقة نووية تقوم بموجبها فرنسا ببناء المفاعلات النووية للسعودية, وأضافت المعلومات بأن المفاوضات السعودية-الفرنسية, قد قاربت على الانتهاء والوصول إلى الاتفاق النهائي خلال الأشهر القادمة, وأكدت المعلومات أيضا بان الولايات المتحدة الأميركية وروسيا, قد أبدتا الرغبة للسلطات السعودية لجهة الدخول في الصفقات النووية مع السعودية, ولكن, وكما هو واضح, فإن بناء القدرات النووية السعودية سوف لن يتم بسهولة خارج نطاق التفاهم مع أميركا, وعلى الأغلب, إن وافقت أميركا, فإن البرنامج النووي السعودي سوف يكون حصرا من نصيب الأميركيين. هذا, وتقول بعض المعلومات, بان مجلس التعاون الخليجي الذي يضم كل من السعودية-قطر-الكويت-البحرين-الإمارات العربية المتحدة-سلطنة عمان, قد وضع خطة لإقامة برنامج نووي خليجي موحد, تساهم فيه كل دول المجلس, ويقوم على أساس اعتبارات الشراكة الخليجية.
• جنوب أفريقيا: تعتبر جنوب أفريقيا, أول بلد أفريقي نجح في بناء برنامجه النووي, واستطاع إنتاج الرؤوس الحربية النووية, ولكن, خلال فترة حكم الرئيس نيلسون مانديلا, تم تفكيك القدرات العسكرية النووية, واكتفت جنوب أفريقيا باستخدام الطاقة النووية في الأغراض المدنية السلمية, وحاليا, تمتلك جنوب أفريقيا مفاعل إيسكوم النووي الذي يزود جنوب أفريقيا بطاقة قدرها 1800 ميجاواط, ولكن, وبسبب رغبة جنوب أفريقيا في تغطية احتياجاتها المتزايدة للكهرباء, والمصحوبة بالرغبة في التخلص من محطات توليد الكهرباء التي تعتمد على الفحم الحجري, فقد أعلنت جنوب أفريقيا على مساعيها لتطبيق خطة عشرية تهدف لزيادة عدد المفاعلات النووية خلال الأعوام القادمة, هذا, والجدير بالذكر, أن جنوب أفريقيا لن تحتاج إلى التعاقد مع الشركات العالمية, لأنها تملك القدرة على تصنيع التكنولوجيا النووية, إضافة إلى وجود خامات اليورانيوم بالقدر الكافي لجهة تغطية الاحتياجات المحلية والتصدير إلى الأسواق الخارجية.
• الإمارات العربية المتحدة: تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة, من بين أكثر الدول الخليجية سعيا لجهة بناء القدرات النووية للأغراض النووية السلمية, وذلك بسبب الاحتياجات المتزايدة في كل من دبي-أبو ظبي-الشارقة-رأس الخيمة وغيرها من مناطق الإمارات التي شهدت توسعا مدنيا متزايدا إلى الكهرباء الرخيصة التكلفة. تقول المعلومات, بان السلطات الإماراتية قد قامت بعملية الفحص النهائي لمناقصة المفاضلة بين العروض التي قدمتها الشركات العالمية المختصة بشؤون التكنولوجيا النووية, وفي هذا الخصوص فقد وقع اختيار السلطات الإماراتية لمجموعة من الشركات الكورية الجنوبية, وتم بالفعل التوقيع على صفقة تقوم بموجبها الشركات الكورية الجنوبية ببناء 5 مفاعلات نووية بطاقة 5,600 ميجاواط, وحدد العقد إكمال بناء المفاعل الأول في عام 2017م, وإكمال الأربعة مفاعلات الأخرى في عام 2020م.
عند القيام بتخمين مستقبل التطورات النووية في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا, نجد انه من الصعب على البلدان الأفريقية بناء قدراتها النووية بسبب ارتفاع التكاليف, ما عدا بالنسبة لجنوب أفريقيا والتي تمتلك بالأساس برنامجا نوويا دخل مرحلة التشغيل لفترة تتجاوز الثلاثين عاما, أما بالنسبة للدول العربية, فإن الأقرب إلى تنفيذ طموحاته النووية هو دولة الإمارات, ولكن, وبرغم ذلك, فإن معادلة توازنات المصالح الاستراتيجية والأمنية, السائدة حاليا في النظام الدولي القائم على أساس النفوذ والهيمنة الأميركية, سوف يجعل من حصول البلدان العربية على القدرات النووية أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا, إلا إذا نجح العرب في كسر قيود التبعية لجدول أعمال السياسة الخارجية الأميركية, وهذا أمر يتطلب ليس مجرد الرغبة وحسب, وإنما الإدارة والقدرة اللازمة لجهة القيام بذلك, ولاسيما بالنسبة لدول مثل مصر والسعودية والأردن, ودول الخليج, والتي درجت نخبها السياسية على التعامل بمصداقية عالية مع الوعود الأميركية المتزايدة, والتي لم تسفر عن شيء حتى الآن!.
الجمل: قسم الدراسات والترجم
إضافة تعليق جديد