دعوة المصالحة الوطنية اليمنية وخيارات النجاح والفشل
الجمل: تحدثت الأوساط السياسية اليمنية والإقليمية والدولية بالأمس واليوم كثيرا عن مبادرة المصالحة الوطنية اليمنية التي أطلقها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, وبرغم التعليقات التي رحبت بهذه المبادرة, فإن ردود أفعال الأطراف اليمنية المعنية بهذه المصالحة, مازالت تنطوي على قدر كبير من التردد المتحفظ؟
الصراع اليمني-اليمني : إشكالية بناء الثقة
تؤكد معطيات خبرة التاريخ اليمني القديم والوسيط والحديث والمعاصر, بأن اليمن ظل على الدوام مسرحا للصراعات الإنسانية بمختلف أنواعها, ولم تخلو حتى الكتب المقدسة من الإشارة إلى هذه الصراعات, هذا, وبالنسبة للصراع اليمني الحالي, فهو لم يكن الأول, وإن كان الجميع يتمنون بأن يكون هو الأخير الذي يجب أن يحل بعده السلام والوئام بين جميع اليمنيين بما يفسح المجال أمام الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بالدولة اليمنية إلى المقدمة, خاصة وأنها لا تتميز بالموارد الطبيعية والبشرية, وإنما بالموارد الحضارية والجيوبوليتيكية إضافة إلى الموقع الجيوستراتيجي الهام بالنسبة للعالم.
شهدت الساحة اليمنية خلال الأشهر الماضية صراعا مركبا شديد التعقيد, وعلى أساس اعتبارات معطيات علم الصراع السياسي والاجتماعي, القائلة بأن الصراع يكون واحدا, ويتضمن في داخله العديد من النزاعات, فإن التحليل التفكيكي للصراع اليمني, يشير إلى وجود النزاعات الرئيسية والفرعية الآتية:
• نزاع صعدة اليمنية: تضمن نزاعا رئيسيا بين الشيعة الزيدية والنظام اليمني, ونزاعات ثانوية بين الشيعة الزيدية وجيرانهم في المحافظات اليمنية ذات الأغلبيات السنية والوهابية والسلفية, إضافة إلى نزاعات إضافية أخرى عابرة للحدود تورطت فيها السعودية وإيران وأريتريا.
• نزاع الجنوب اليمني: تضمن نزاعا رئيسيا بين الحراك الجنوبي الذي يطرح انفصال جنوب اليمن كدولة مستقلة والنظام اليمني, ونزاعات ثانوية بين اليمنيين الجنوبيين وجيرانهم في المحافظات اليمنية التي كانت تمثل جزءا من جمهورية اليمن الشمالية.
• نزاع الأصولية الإسلامية: تضمن نزاعا رئيسيا بين تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, والنظام اليمني, ونزاعات ثانوية تورطت فيها المزيد من الأطراف الخارجية وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية, وحركة الشباب الصومالية إضافة إلى المهاجرين السعوديين والخليجيين وغيرهم من العرب المتطوعين للجهاد في اليمن.
• نزاع السلطة السياسية: تضمن نزاعا رئيسيا بين حزب المؤتمر الشعبي العام اليمني الحاكم وبقية الأحزاب السياسية اليمنية المعارضة له داخل وخارج البرلمان, إضافة إلى نزاعات ثانوية تورطت فيها العديد من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية على خلفية ما أطلقت عليه تسمية ملفات انتهاكات حقوق الإنسان.
على خلفية الصراع اليمني ونزاعاته الرئيسية والفرعية الثانوية, فقد انتهز الرئيس اليمني علي عبد الله صالح احتفالية مرور عشرين عاما على الوحدة اليمنية لكي يعلن عن مبادرته المتعلقة بالمصالحة والوحدة الوطنية اليمنية.
تحليل المبادرة: عوامل القوة والضعف
تحدث الرئيس علي عبد الله الصالح طويلا عن مدى أهمية المصالحة وتحقيق السلام بالنسبة لمستقبل استقرار وسلامة الوحدة الوطنية اليمنية, وفي معرض توصيف مبادرة المصالحة التي طرحها الرئيس علي عبد الله صالح نشير إلى النقاط الآتية باعتبارها تمثل المفاصل الرئيسية للمبادرة:
• التأكيد على ضرورة الحوار والتفاهم مع كافة الأطراف اليمنية.
• التأكيد على العفو وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء.
• التأكيد على الرغبة في تكوين حكومة وحدة وطنية.
هذا, وعلى خلفية تحليل مضمون ومحتوى مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح, نلاحظ الآتي:
• عوامل القوة: يتمتع الرئيس علي عبد الله صالح بوجود الأغلبية البرلمانية التي تكفل له تمرير كافة أنواع القرارات, إضافة إلى تمتعه بمساندة المؤسسة العسكرية اليمنية بشقيها الأمني والعسكري, وأيضا, يتمتع بدعم العديد من الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية, فإقليميا يتمتع بتأييد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي, ودوليا يتمتع بدعم ومساندة الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي.
• عوامل الضعف: وتتمثل في عمق جذور الخلافات اليمنية-اليمنية, إضافة إلى تنوع هذه الخلافات, فهناك أطراف تطرح إشكالية ضعف التنمية وعدم عدالة الفرص إضافة إلى عدم كفاءة التخصيص السلطوي للموارد الاقتصادية والاجتماعية, وهناك أطراف أخرى تطرح إشكالية الهوية السياسية كما في حالة المسيحيين الحوثيين من أنصار طائفة الشيعة الزيدية, وإضافة لذلك تأتي الجماعات السلفية والوهابية وأنصار العلمانية, والذين يأخذون مذاهبا شتى في مقاربة الهوية الوطنية اليمنية.
هذا, وتأسيسا على ما سبق نشير إلى الملاحظات الآتية:
• عدم وجود الأطراف الثالثة الإقليمية أو الدولية, التي تستطيع من خلال وجودها من جهة إضفاء المزيد من المصداقية على المبادرة, ومن الجهة الأخرى ردع الأطراف اليمنية من مغبة التعامل بعدم جدية مع المبادرة, وبكلمات أخرى, فإن وجود الأطراف العربية والإسلامية الفاعلة والمؤثرة في منطقة الشرق الأوسط مثل: السعودية – سوريا – إيران – مصر, إضافة إلى الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي, وأطراف دولية مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة, يمكن لها جميعا من خلال وجودها بصفة المراقبين أن تقدم المزيد من المساعدة في حل الصراع اليمني-اليمني, مع ملاحظة ان تتم دعوة الأطراف ضمن المشروطيات التي تكفل احترام السيادة الداخلية اليمنية.
• التبسيط الشديد لبنود المبادرة, بما أدى إلى الإخلال بالتوازن المفترض بين حجم المشكلة الميداني, وحجم المشكلة المقترح, وبكلمات أخرى, لم تتضمن المبادرة طرح جدول أعمال دقيق واضح المعالم على النحو الذي يحمل مضمومنا يطلق المزيد من الإشارات القوية الفاعلة للمواطنين اليمنيين والحركات والفصائل اليمنية المتناحرة..
• تم طرح مبادرة المصالحة اليمنية ضمن سياق يشبه إلى حد كبير مبادرات المصالحة السابقة, التي كان مصيرها الفشل, بما أدى إلى إشعال المزيد من جولات الصراع, وقد أدى هذا التشابه إلى خلق المزيد من الشكوك المتبادلة إزاء مدى جدية السلطات اليمنية في حل الأزمة اليمنية.
من الصعب التنبؤ باحتمالات تحقيق السلام والاستقرار الكامل في اليمن, وذلك لأن العديد من أطراف الصراع اليمنية أصبحت تطرح المزيد من التساؤلات الجديدة المتعلقة ببنود المبادرة, وإضافة لذلك, فإن الشكل الذي تم به طرح المبادرة يشير إلى أنها سوف تتم تحت إشراف مظلة الإطار السلطوي الرسمي الحكومي, والذي ظلت القوى السياسية اليمنية المعارضة تنظر إليه باعتباره يمثل أًصل ومصدر المشكلة, هذا, وحاليا, توجد المزيد من الأسئلة التي يمكن وصفها بأنها أسئلة حرجة, وسوف تظل بلا إجابة واضحة, منها على سبيل المثال لا الحصر, ما هي التنازلات التي سوف تقدمها الحكومة اليمنية لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, والذي أصبح أكثر تمركزا في الساحة اليمنية, وبالمقابل ما الذي سوف يقدمه تنظيم القاعدة للحكومة اليمنية, وهل يا ترى سوف يقبل تنظيم القاعدة أن يتنازل عن مشروع الإمارة الإسلامية, وفقه الخلافة السياسية, ويقبل النقاش مع نظام سياسي حكومي يقوم على أساس اعتبارات المعطيات السياسية العلمانية.
ونفس الشيء بالنسبة لقوى الحراك الجنوبي, والتي على ما يبدو قد حسمت أمرها على خيار الانفصال, فما هي التنازلات التي يمكن أن يقدمها النظام لقوى الحراك الجنوبي, لكي تتنازل عن خيار الانفصال, وهل سيقبل النظام اليمني خوض المواجهة واختيار الاستفتاء, حول تقرير المصير باعتباره يمثل المعركة الفاصلة الحقيقية التي يمكن لنظام الرئيس علي عبد الله صالح أن يحسم بها المعركة ضد أصحاب النزعة الانفصالية, ويقطع بها دابر الانفصال بشكل نهائي طالما أن الرئيس علي عبد الله صالح مازال أكثر تفاؤلا ورهانا بأن خيار الوحدة هو المفضل لدى اليمنيين الجنوبيين.
ونفس الشيء بالنسبة للحوثيين من أنصار الشيعة الزيدية, والذين كما هو واضح, لديهم رغبة غير مسبوقة في التأكيد على ما يرون بأنه يشكل حقوقهم, فهل يمكن لحكومة صنعاء أن تقبل بمنح محافظة صعدة اليمنية قدرا من الاستقلال الذاتي, وإن وافقت صنعاء على ذلك فهل ستوافق السعودية, والتي مازالت أكثر استشعارا للخطر الداهم على حدودها الجنوبية, كلما تزايدت سخونة الأجواء في صعدة اليمنية.
سوف تظل التحديات ماثلة لفترة طويلة أمام اليمنيين, وإن كان هناك أمل لحل الصراع اليمني-اليمني, ونزاعاته الفرعية والثانوية, فمن الأفضل أن توافق كل الأطراف اليمنية على مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح – برغم عوامل الضغط الكثيرة التي تشوبها – ثم العمل من أجل الدفع باتجاه تطوير وتوسيع إطار المبادرة, وعلى ما يبدو, إذا كان المطلوب من المعارضة اليمنية في الوقت الحالي هو أن يتسع صدرها لقبول المبادرة والتجاوب معها, فإن المطلوب غدا من الحكومة اليمنية هو أن يتسع صدرها لقبول ملاحظات وآراء القوة السياسية اليمنية لجهة الدفع باتجاه توسيع نطاق وتعميق المبادرة وذلك حتى لا تنهار كسابقاتها, ويرجع اليمن إلى المربع الأول: مربع الحرب المدمرة التي لم يعد يريدها أحد .
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد