مراحل الحرب الإعلامية الإسرائيلية ضد قافلة الحرية
الجمل: كشفت تطورات الوقائع والأحداث التي أعقبت هجوم القوات الخاصة الإسرائيلية البحري على قافلة المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة المحاصرين, عن جانب آخر, للآلة العدوانية الإسرائيلية, وهي الآلة المختصة بعمليات توجيه العنف الرمزي-النفسي ضد شعوب المنطقة وأمم العالم: فما هي أبعاد وملامح العملية النفسية الإسرائيلية الجديدة؟
العدوان النفسي-الرمزي: الوسائط الإسرائيلية إلى أين؟
توضح المتابعة الفاحصة لما كان ينشر في الصحافة الإسرائيلية وأجهزة الإعلام الإسرائيلية الأخرى إضافة إلى مواقع إعلام اللوبي الإسرائيلي, إلى أن العدوان ضد قافلة المساعدات الإسرائيلية الإنسانية قد سبقته عملية نفسية واسعة النطاق, ويمكن تتبع مراحل هذه العملية على النحو الآتي:
• مرحلة بناء الذرائع: تضمنت التسويق للعديد من المفاهيم المختارة بعناية وانتقاء بما يمهد الرأي العام العالمي والشرق أوسطي, لجهة قبول فكرة أن تقديم أي مساعدات للسكان المدنيين الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة, يجب أن يمر أولا عبر إسرائيل, وذلك لعدة أسباب أبرزها: أن قطاع غزة مازال ضمن السيادة الإسرائيلية – إن من حق إسرائيل فحص نوعية المساعدات الإنسانية بحيث يتم التحقق من عدم احتواءها على مواد يمكن استخدامها للأغراض العسكرية ضد إسرائيل – إن من حق إسرائيل فحص هويات المرافقين لهذه المساعدات بحيث يتم التحقق من عدم ارتباطهم بالإرهاب – إن تقديم هذه المساعدات لا داعي له لأن إسرائيل ظلت تقوم بتقديم كافة أنواع المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين الموجودين في قطاع غزة – أن على المجتمع الدولي ودول العالم, والمنظمات الدولية غير الحكومية الالتزام بالتعاون مع إسرائيل في تقديم المساعدات – إن على المجتمع الدولي ودول العالم والمنظمات غير الحكومية العالمية عدم التعاون مع حركات المقاومة الفلسطينية وخصوم إسرائيل في المنطقة لأنهم يسعون من خلال هذه المساعدات إلى إفساد عملية سلام الشرق الأوسط, وذلك بما يلحق الأضرار بجهود إحلال السلام الإسرائيلية والأميركية.
• مرحلة التنميط: سعت الوسائط الإعلامية الإسرائيلية, ووسائط إعلام منظمات اللوبي الإسرائيلي إلى محاولات تنميط الناشطين القائمين بأمر قافلة المساعدات عن طريق وصفهم بأنهم مرتبطين بحركة حماس الفلسطينية وسوريا ولبنان وبقية خصوم إسرائيل في المنطقة, إضافة إلى وصف عملية توصيل المساعدات بأنها تمثل انتهاكا صارخا لحق إسرائيل في ممارسة السيادة الكاملة على كافة المناطق البحرية والبرية والجوية الواقعة ضمن نطاق سيادة الدولة الإسرائيلية, وإضافة لذلك سعت هذه الوسائط إلى تنميط المنظمات والدول والحكومات التي قدمت المساعدات والدعم للقافلة, باعتبارها أطراف تدعم الإرهاب.
• مرحلة الإعاقة: تضمنت القيام بخلق وتضخيم مشاعر الخوف والقلق في أوساط الناشطين المشاركين في القافلة بأنهم سوف يتعرضون للاعتقال والاستجواب والمحاكمة والسجن تحت طائلة انتهاك سيادة إسرائيل وتهديد أمنها, إضافة إلى تضخيم المخاطر في إدراك أصحاب البواخر والسفن المشاركة في القافلة, وأيضا شركات التأمين التي تكفل سلامة هذه البواخر والسفن, وذلك لإثناء أصحاب هذه البواخر والسفن والعدول عن نقل المواد الإغاثية والأفراد الناشطين, طالما أن الأمر سوف يعرض ممتلكاتهم ورؤوس أموالهم للخطر. ولم تكتف الوسائط الإعلامية بذلك, وإنما سعت إلى خلق انطباع في أوساط حكومات الدول التي سوف تمر السفن والبواخر عبر موانئها ومياهها الإقليمية, بأن تقديم التسهيلات لهذه القافلة سوف يضر بعلاقات هذه الدول بإسرائيل وأميركا وحلفاءها.
• مرحلة التعتيم: بدأت هذه المرحلة مع لحظة قيام القوات الخاصة الإسرائيلية بتنفيذ عملياتها العدوانية ضد الناشطين والسفن والبواخر, فقد تفادت الوسائط الإعلامية الإسرائيلية الحديث رسميا عن أي تفاصيل تتعلق بالعمل, واكتفت هذه الوسائط بالترويج للعناصر والمعلومات المتعلقة بالوضع الكلي, منها على سبيل المثال لا الحصر, المعلومات العامة والخطوط العريضة المتعلقة بالواقعة: مثل قيام القوات الإسرائيلية بتنفيذ العملية – تقديم المعلومات والإفادات التي تحمل الناشطين المرافقين للقافلة مسئولية البدء باستخدام القوة ضد عناصر القوات الخاصة الإسرائيلية – تفادي التطرق لأي معلومات تتعلق بالناشطين الشهداء وبالجرحى – السعي للتأكيد بأن إسرائيل قد احتجزت الناشطين وبأنها تعاملهم بشكل جيد – وتسعى لإكمال التحريات في أسرع وقت ممكن من أجل النظر في أمر إطلاق سراحهم, وترحيلهم على وجه السرعة إلى بلدانهم – تفادي الإشارة للناشطين الأوروبيين, والاكتفاء بتسليط الضوء على الناشطين الأتراك والعرب والفلسطينيين, وعلى وجه الخصوص الشيخ رائد صلاح عن طريق إعطائه رمزية أكبر بما يخلق انطباعا بأن هذه القافلة تتبع لحركة حماس الفلسطينية المصنفة بواسطة الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الغربيين باعتبارها حركة إرهابية.
• مرحلة تشتيت الانتباه: تداخلت هذه المرحلة مع مرحلة التعتيم, وتشير المعطيات الواردة بواسطة وسائط الإعلام الإسرائيلي, ووسائط إعلام اللوبي الإسرائيلي, إلى سعي هذه الوسائط باتجاه نشر بعض الموضوعات المثيرة التي ترتبط بالعديد من الملفات الأخرى, مثل ملف أسلحة الدمار الشامل السورية, وملف العلاقات التركية-الإسرائيلية, من منظور أن تل أبيب سوف تسعى إلى الإضرار بالمصالح التركية وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بقطاع السياحة التركي, ثم إفراد بعض المساحة للمعلومات المتعلقة بمزاعم خطر حزب الله اللبناني وما شابه ذلك.
• مرحلة التبرير: وبدأت هذه المرحلة صباح اليوم, وما كان لافتا للنظر, أن الاضطلاع بمهام مباشرتها, لم يتم داخل إسرائيل, ولا بواسطة الصحفيين الإسرائيليين, وإنما بواسطة خبراء الشؤون الشرق أوسطية الموجودين في أميركا وبلدان غرب أوروبا, وذلك من خلال إطلاق مقالات الرأي والتحليلات التي تتحدث عن حق إسرائيل في حماية أمنها ضد حركة حماس الفلسطينية, وبالتالي فإن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة هو حصار يهدف إلى إضعاف حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وتفرض نفوذها العسكري على المدنيين الفلسطينيين الموجودين في القطاع, ومضت بعض هذه التحليلات ومقالات الرأي إلى ما هو أبعد من ذلك, عندما سعت إلى الزعم بأن العدوان الإسرائيلي ضد قافلة المساعدات الإنسانية هو عمل مشروع في ظل القانون الدولي, الذي يتيح لإسرائيل ولكافة دول العالم حق الدفاع عن النفس.
إن مراحل العملية النفسية الإسرائيلية سوف لن تتوقف عند هذا الحد, وإنما سوف تسعى من خلال حملة بناء الذرائع المستمرة والمتجددة إلى محاولة قلب الصورة وجعلها تأخذ وضعا معكوسا في ذهنية الرأي العام, بحيث تتغلب الثنائية وتحول الجلاد إلى ضحية, والضحية إلى جلاد.
الآليات الجديدة في العملية النفسية الإسرائيلية:
سعت الوسائط الإعلامية الإسرائيلية, إلى التعامل ضمن حدود معينة إلى الرأي العام التركي الغاضب, واكتفت بتوجيه الانتقادات لحزب العدالة والتنمية والسلطات التركية, إضافة إلى انتقاد رموز الحزب والحكومة, وفي هذا الخصوص تشير المعلومات إلى لجوء إسرائيل إلى استخدام آلية جديدة, تتضمن تنفيذ عملية سرية داخل تركية, بما يتيح تحريك المفاعيل الداخلية التركية من أجل تحويل انتباه الرأي العام التركي نحو جانب آخر, وفي هذا الخصوص تشير التقارير إلى حزب العمال الكردستاني الحليف لإسرائيل الذي نفذ عملية عسكرية جريئة جديدة داخل الأراضي التركية, وذلك بشكل متزامن مع عدوان القوات الإسرائيلية الخاصة ضد القافلة, وذلك بما معناه أن تتضمن التقارير الإعلامية التركية عرضا مزدوجا, بحيث يضطلع الرأي العام التركي على تقارير العدوان ضد القافلة والناشطين الأتراك, وفي نفس الوقت يطلع على تقارير هجوم حزب العمال الكردستاني والأمر يبدو لنا بكل وضوح, فالمطلوب بواسطة خبراء العمليات النفسية الإسرائيلية هو توظيف حدث هجوم حزب العمال الكردستاني في التأثير على تفضيلات الرأي العام التركي, طالما أن الرأي العام في أي بلد يهتم بالأحداث والوقائع الداخلية التي ترتبط بملفات الأمن الداخلي.
وإضافة لذلك, فإن المطلوب بهذا التزامن هو تعميق الانتقام والخلافات في أوساط الرأي العام التركي, بحيث تسعى القوى القومية الاجتماعية, والقوى العلمانية إلى توجيه الانتقادات ضد حزب العدالة والتنمية وتوجهات حكومته وزعماءها أردوغان وغول, باعتبارهم يهتمون بالقضايا الخارجية ويهملون القضايا الداخلية, إضافة إلى أنهم سوف يعرضون أمن تركيا للخطر, لأن معاداة إسرائيل سوف تدفع الإسرائيليين والأميركيين إلى دعم حزب العمال الكردستاني, بما يعزز قدرته في استهداف أمن تركيا, وبالتالي, فإن السبيل الأمثل هو أن تتخلى حكومة حزب العدالة والتنمية عن معاداة إسرائيل, بما يتيح لها الحصول على الدعم الإسرائيلي في مكافحة الإرهاب الذي يقوم بممارسته حزب العمال الكردستاني.
لن تتوقف العمليات النفسية الإسرائيلية السرية أو المعلنة, ومن المتوقع أن تشهد المزيد من أنواع وأنماط هذه العمليات ضمن مختلف النماذج والآليات الجديدة التي تقوم على توظيف معطيات العلوم السلوكية والإدراكية, وذلك ضمن مثلث: العمليات النفسية "السوداء" التي تهدف بناء الأكاذيب الكاملة الشاملة, والعمليات النفسية "الرمادية" التي تستخدم بعض الحقيقة وبعض الكذب وتخلط بينهما, والعمليات النفسية "البيضاء" التي تستخدم الحقائق ولكن ضمن السياقات التي تلحق الضرر بمواقف خصوم إسرائيل في المنطقة: فهل يا ترى سوف يتقن الإعلام العربي لعبة الحرب النفسية, بما يتيح له تعزيز قواعد الاشتباك واستخدامها بشكل فاعل ضد الإعلام الإسرائيلي وإعلام اللوبي اللإسرائيلي, أم أنه سوف يبقى أسير الأحلام والعبارات الرنانة الجوفاء!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد