صفقة جو بايدن الغامضة في العراق: من البائع ومن الشاري؟
الجمل: تحدثت التقارير الإعلامية والتحليلات السياسية الجارية عن زيارة السيناتور جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي الأخيرة إلى العراق, باعتبارها تندرج ضمن الجهود الأمريكية الرامية لتعزيز العملية السياسية الديمقراطية في العراق: فما هي طبيعة زيارة السيناتور بايدن, وما هي محفزات زيارته العراق, ومامدى مصداقية النوايا الأمريكية القادمة إزاء مستقبل العراق؟
-العملية السياسية العراقية: الإشكاليات الحرجة؟
بعد خلافات حادة حول القانون الانتخابي, وقوائم التصويت والمرشحين, والاعتراف بصحة النتائج النهائية, أسفرت جولة الانتخابات العامة العراقية التي انعقدت في مطلع آذار (مارس) 2010م الماضي عن أسماء وانتماءات أعضاء البرلمان العراقي الجديد الفائزين، بحيث توزعت توازنات القوى ضمن: 91 مقعداً للحركة الوطنية العراقية (إياد علاوي) , 89 مقعداً لائتلاف دولة القانون (نوري المالكي) , 70 مقعداً للتحالف الوطني العراقي (الجعفري-الحكيم), 43 مقعداً للتحالف الكردستاني, 8 مقاعد لحركة التغيير, 8 مقاعد للأقليات الدينية (الصابئة-المسيحيين-الإيزيديين), 6 مقاعد لجبهة التوافق العراقي, 4 مقاعد لتحالف وحدة العراق, , و4 مقاعد للاتحاد الإسلامي الكردستاني, و 2 مقعد للجماعة الإسلامية الكردستانية.
أسفرت نتيجة الانتخابات عن صيغة توازن قوى لاتكفي لجعل أي قوة سياسية قادرة على الحسم التصويتي داخل البرلمان الجديد, الأمر الذي أدى إلى تزايد المناورات والمساومات طوال فترة الأربعة أشهر الماضية, بما أصبح يشكل استمراره تهديداً خطيراً لمستقبل العملية السياسية العراقية.
-أين توجد بؤرة الأزمة: في العمق أم في السطح؟
تحدثت التحليلات والتقارير عن الخلافات بين الكتل السياسية العراقية البرلمانية الأربعة الكبيرة (الحركة الوطنية العراقية- ائتلاف دولة القانون-التحالف الوطني االعراقي-التحالف الكردستاني) وفي تفسير هذه الخلافات ذهبت الآراء ووجهات النظر مذاهب شتى, ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
-تعود الخلافات إلى طموحات الزعماء العراقيين الأربعة حول من هو الجدير بتولي منصب رئيس الوزراء, ومنصب رئيس البرلمان, ومنصب الرئيس العراقي.
-تعود الخلافات إلى قيام القوى السياسية العراقية بصراعات الوكالة نيابة عن القوى السياسية الإقليمية والدولية المتصارعة في العراق, فالزعيم إياد علاوي وكتلته الحركة الوطنية العراقية أكثر ارتباطاً بالسعودية, ونوري وكتلته ائتلاف دولة القانون أكثر ارتباطاً بأمريكا, والجعفري وكتلته التحالف الوطني العراقي أكثر ارتباطاً بإيران, و(البرزاني- الطالباني) وكتلتهما التحالف الكردستاني أكثر ارتباطاً بأمريكا.
-تعود الخلافات إلى وجود وجهات نظر متعاكسة إزاء بعض الملفات السياسية-الإسترتيجية الحيوية, منها على سبيل المثال لا الحصر: ملف مصير كركوك, ملف الاتفاقية الأمنية العراقية- الأمريكية, ملف الانسحاب الأمريكي من العراق, ملف العلافات العراقية مع دول الجوار, ملف اقتسام الثروة النفطية والسلطة الفيدرالية.
على خلفية هذه التباينات ووجهات النظر المتعاكسة, فقد انقضت أربعة أشهر على انتهاء جولة الانتخابات العراقية العامة, وبرغم عدم نجاح مجلس النواب العراقي في حسم أمر الحكومة الجديدة, فقد شهدت الساحة السياسية العراقية المزيد من التطورات المثيرة للاهتمام, وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالمناورات والالتفافات الحرجة الجريئة, فقد تم الإعلان عن تمسك إياد علاوي بحق القيام بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة باعتباره زعيم الكتلة التي حصلت على أكبر عدد من النواب, الأمر الذي أدى إلى قيام الزعيم نوري المالكي, والزعيم الجعفري بالإعلان عن اندماج ائتلاف دولة القانون (89 نائباً), والتحالف الوطني العراقي (70نائباً) ضمن تشكيل موحد يستند على وزن برلماني إجمالي مكون من ( 159 نائباً), لم تفلح محاولات تحالف (المالكي-الجعفري) في الحصول على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان, وذلك لأن الأغلبية المطلقة هي 163 نائباً, وماهو متاح لتحالف المالكي- الجعفري هو 159 نائباً..أي أقل بأربعة نواب من النصاب القانوني المطلوب.
-ماذا وراء زيارة السيناتور بايدن ؟
وصل السيناتور بايدن إلى العراق أول أمس السبت, الموافق 3 تموز(يوليو), وأكدت التقارير والمعلومات بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أصدر أمراً بتكليف نائبه بادين بضرورة الإشراف على إدارة ملف العراق, وفي هذا الخصوص, فقد جاءت زيارة السيناتور بايدن السابقة عشية انعقاد جولة الانتخابات العامة العراقية الأخيرة, وذلك من أجل الضغط على السلطات العراقية السابقة لجهة عدم التمسك بمبدأ حظر بعض العراقيين من المشاركة في المعركة الانتخابية على خلفية مزاعم تورطهم بالمشاركة في نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, وبرغم أن السيناتور بايدن قد سعى إلى التأكيد بأن الهدف هو إفساح مجال المشاركة أمام الجميع وبشكل منفتح, فقد أكدت بعض التحليلات بأن الهدف من موقف السيناتور بايدن, هو دعم قائمة مرشحي كتلة الزعيم إياد علاوي المدعومة سعودياً, وذلك تمهيداً لتحالف قادم محتمل بين إياد علاوي ونوري المالكي المدعوم أمريكياً.
جاءت نتيجة الانتخابات بشكل قلب كل التوقعات, ومن أبرز المفاجأت عدم حصول كتلة رجال الدين الشيعة (التحالف الوطني العراقي) على الأغلبية العظمى ..الأمر الذي دفع هذه الكتلة إلى الإسراع من أجل تسوية خلافاتها مع الزعيم نوري المالكي, ولكن برغم ذلك فإن فجوة الـ(4) مقاعد كان لها مفعول انقلاب السحر على الساحر, فقد أعلن المالكي تحالفه مع كتلة رجال الدين الشيعة, ولكنه في نفس الوقت ظل يتفاوض سراً مع الزعيم إياد علاوي وعندما وصلت المفاوضات السرية إلى نقطة التفاهم، سارع نوري المالكي إلى الانقلاب على التحالف الوطني العراقي, طالما أن عدد مقاعد هذا التحالف لم يكن بالقدر الكافي الذي يتيح لنوري المالكي البقاء في منصب رئيس الوزراء العراقي لولاية جديدة.
- صفقة السيناتور بايدن الغامضة: من البائع ومن الشاري؟
تشير معطيات الأداء السلوكي السياسي العراقي, إلى حدوث واحدة من أكبر عمليات التسويق والبيع والشراء السياسي:
- يعتبر رئيس مجلس الوزراء المالكي من الزعماء السياسيين المحسوبين على الشيعة العراقيين.. ولكنه, وقبل بضعة أشهر من انتهاء ولايته, قام بيبيع الجميع لصالح واشنطن.. مقابل الحصول على الدعم الأمريكي الكافي لاستمرار ولايته في منصب رئيس الوزراء العراقي.
- يعتبر رئيس الوزراء العراقي السابق علاوي من الزعماء السياسيين العراقيين المحسوبين على الشيعة العراقيين, ولكنه قبل بضعة أشهر من الانتخابات قام بيبيع الجميع لصالح السنة العراقيين والعلمانيين العراقيين بما يتيح له الحصول على دعم السعودية.
عندما سعى نوري المالكي للتحالف مع التحالف الوطني العراقي الذي يقوده الزعماء الشيعة العراقيين..لم تتدخل لا أمريكا..ولا السعودية ..ولكن عندما انقلب المالكي على التحالف الوطني العراقي, وجلس إلى جانب إياد علاوي ، سارع السيناتور جوزيف بايدن بالمجيء إلى العراق من أجل تقديم مباركة أمريكا لعملية الشراء والبيع بما يمكّن الصفقة، ولكن أي صفقة؟ في هذا الخصوص, نشير إلى وجود صفقتين.. الأولى هي الصفقة المعلنة بين نوري المالكي وإياد علاوي.. والثانية هي الصفقة غير المعلنة, وهي في واشنطن بين جماعة المحافظين الجدد الرافضة للإنسحاب الأمريكي من العراق , والتيار المتشدد داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي.. المطالب بتقسيم العراق, ثم الانسحاب الأمريكي لاحقاً، وهو التيار الذي يقوده السيناتور بايدن.
إذا لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة ضمن الفترة الزمنية المحددة دستورياً.. فإن الأمر سوف يتطور إلى مرحلة الدعوة لعقد جولة انتخابات برلمانية جديدة, وهي الانتخابات التي سوف لن تعقد قريباً ،الأمر الذي سوف يتيح الفرص لصقور واشنطن لجهة الحصول على المبررات والذرائع اللازمة لتأجيل سحب القوات الأمريكية من العراق, وبالتالي سوف يتوجب على العراقيين الانتظار أكثر فأكثر.. ريثما تنتهي جولة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.. والتي يتوقع أن يصعد عبرها الجمهوريون مرة أخرى إلى البيت الأبيض الأمريكي, وعندها من الصعب الحديث عن سحب القوات الأمريكية من العراق..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد