المعادلة الجديدة لمفاعل بوشهر النووي: التحديات الماثلة والمحتملة
الجمل: تشهد إيران حالياً تشغيل مفاعل «بو شهر» النووي الإيراني، وذلك على خلفية اكتمال عملية التشغيل والتركيب وقيام روسيا بتزويد المفاعل بالوقود النووي اللازم لتشغيله. فما هي خلفيات ودلالات واقعة تشغيل مفاعل «بوشهر» النووي؟ وهل تشكل عملية تشغيله نقطة انعطاف جديدة رئيسية في مسيرة البرنامج النووي الإيراني؟ وما هي حسابات الفرص والمخاطر بالنسبة لإيران ولخصومها، وعلى وجه الخصوص إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الخليجيين وبالذات السعودية والكويت؟
* تشغيل مفاعل «بو شهر» النووي: المعادلة النووية الجديدة
تقول المعلومات التي أوردتها التقارير والتحليلات، بأن إيران قد سعت طويلاً لجهة تشغيل مفاعل بوشهر النووي، وفي هذا الخصوص تشير تطورات الأحداث والوقائع الجارية إلى المعطيات الآتية:
- في عام 1974م وقعت شركة كرافتفيرك الألمانية عقداً مع حكومة شاه إيران بمبلغ 6 مليار دولار يقضي ببناء مفاعلين نوويين في منطقة بوشهر الإيرانية الواقعة جنوب غرب إيران والمطلة على مياه الخليج العربي.
- نصَّ العقد بأن تبلغ طاقة كل واحد من المفاعلين حوالي 1000 ميغاواط، وبالفعل باشرت الشركة الألمانية بالعمل.
- بحلول الثورة الإيرانية عام 1979م، نجحت الشركة الألمانية في إنجاز 50% من تجهيزات المفاعل الأول و85% من تجهيزات المفاعل الثاني. وعلى خلفية انتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام شاه إيران، اختارت الشركة الألمانية الانسحاب من تنفيذ العقد.
- خلال فترة الحرب العراقية-الإيرانية، نجحت القوات العراقية (1980-1988) في قصف المفاعلين وإلحاق المزيد من الخراب في التجهيزات.
- في عام 1995، وقعت شركة أنويستروي إكسبورت الروسية عقداً مع الحكومة الإيرانية يقضي ببناء مفاعل نووي في مدينة بوشهر طاقة توليد كهربائي في حدود 915 ميغاواط، وذلك في نفس موقع أحد المفاعلات المدمرة التي سبق أن بدأت في بنائها الشركة الألمانية.
- استمرت جهود الشركة الروسية خلال الفترة الممتدة من عام 1995م وحتى توترات أزمة البرنامج النووي الإيراني.
تقول المعلومات والتحليلات، بأن تباطؤ وانقطاعات جهود الشركة الروسية في بناء وإكمال المفاعل بو شهر النووي الإيراني، كانت بسبب حساسية تقلبات ردود أفعال الموقف السياسي الروسي إزاء موازنة العلاقات الروسية-الأمريكية، والعلاقات الروسية-الإيرانية، ضمن سياق يتضمن دبلوماسية موسكو لتحقيق توازن المصالح الروسية على كل الخطوط.
* سيناريو مفاعل بوشهر النووي: التشغيل والتحديات الماثلة والمحتملة
سوف تتضمن عملية تشغيل مفاعل بوشهر النووي الإيراني توزيع الأدوار بين ثلاثة أطراف، بما يضمن الشفافية وتهدئة المخاوف الأمريكية-الإسرائيلية-الأوروبية-العربية الخليجية، ويمكن الإشارة إلى عوامل سيناريو التشغيل الحاكمة الآتية:
- روسيا: تقوم بتقديم الوقود النووي بالقدر الكافي لتشغيل مفاعل بوشهر ضمن الحدود المتفق عليها.
- وكالة الطاقة الذرية العالمية: سوف تقوم بإرسال فريق المفتشين النوويين الدوليين التابعين لها بشكل منتظم لجهة القيام بعمليات تفتيش روتينية منتظمة.
- إيران: سوف تقوم بدفع التكاليف إلى روسيا، إضافة إلى القيام بإعادة الوقود النووي المستنفذ إلى روسيا مرة أخرى، بحيث يتولى الخبراء الروس أمر معالجته بالطريقة التي يرونها بما يعيده مرة أخرى من مجرد نفايات نووية إلى وقود نووي قابل للاستعمال.
تقول المعلومات، بأن درجة السلامة في مفاعل بوشهر النووي سوف تصل إلى مستوى كبير غير مسبوق، وبكلمات أخرى، فإن احتمالات حدوث كارثة تسرب نووي في مفاعل بوشهر تبلغ ما نسبته واحد في المليون (0.000001%)، وبالتالي، فإن المخاوف التي يتحسس لها الخبراء النوويون هي احتمالات الآتي:
- حدوث زلزال مفاجئ يضرب إيران، خاصة وأن مساحة إيران تقبع على زلزال صدعي بما يطال 90% من مساحتها.
- حدوث أمر كارثي طارئ، كأن تسقط طائرة من الجو على المفاعل، وبرغم ذلك، فقد تم تشييد المفاعل بحيث ينطوي على درجة عالية من الأمان.
هذا، وتشير تحليلات المخاطر التي تم إعدادها بواسطة الخبراء إلى أنه في حال حدوث أي حادثة تلوث وتسرب إشعاعي نووي، فِإن المناطق التي سوف تتعرض على وجه السرعة بالمخاطر والأضرار هي: دولة الكويت، مناطق جنوب العراق، مناطق شرق السعودية إضافة إلى البيئة البحرية الخاصة بالخليج العربي. وتقول التحليلات بأن مناطق الخليج الأخرى سوف لن تكون في مأمن أو بمعزل عن هذه الأضرار، وإن كان ما يصيبها سوف يكون أقل من ذلك الضرر الذي سوف يصيب الكويت وجنوب العراق، إضافة إلى شرق السعودية.
* التخمينات الأمريكية-الإسرائيلية: الشكوك واللايقين
تزايدت الخلافات على خط واشنطن-تل أبيب بسبب قرار روسيا بتزويد مفاعل بوشهر الإيراني بالوقود النووي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• كتب جون بولتون، السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة، مقالاً تحليلياً غاضباً، طالب فيه إسرائيل بضرورة تجاهل واشنطن، والقيام منفردة بتوجيه ضربة عسكرية جدية ضد مفاعل بوشهر النووي، واشترط أن تسبق الضربة الإسرائيلية وصول الوقود النووي الروسي لإيران، وذلك تفادياً لحدوث عمليات التلوث الإشعاعي النووي الواسعة النطاق.
• كتب باتريك كلاوسن، خبير الشؤون الإيرانية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط تحليلاً أشار فيه إلى وجود اتفاق أمريكي-إسرائيلي حول مفهوم الخطر الإيراني، وفي نفس الوقت يوجد خلاف أمريكي-إسرائيلي حول مدى جدوى وفاعلية اللجوء لاستخدام القوة العسكرية، وتقول التسريبات الأمريكية، بأن واشنطن قد حثت إسرائيل على التعامل بدرجة عالية من ضبط النفس إزاء واقعة تزويد روسيا لمفاعل بوشهر الإيراني بالوقود النووي، وذلك على أساس اعتبارات القناعة الأمريكية التي مفادها أن إيران لن تستطيع الحصول على قدرات عسكرية نووية إلا بعد مرور عام من لحظة تزويد مفاعل بوشهر بالوقود النووي.
أشار بعض الخبراء الأمريكيين والإسرائيليين إلى أن تزويد روسيا لمفاعل بوشهر الإيراني النووي بالوقود النووي سوف يلقي بالمزيد من الظلال الجديدة على مستقبل واقع إسقاطات اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي. وتأسيساً على ذلك، فهناك المزيد من المخاوف إلى أن تؤدي عملية تشغيل مفاعل بوشهر النووي إلى التداعيات الآتية:
- الخوف من أن تؤدي عملية تشغيل مفاعل بوشهر بالوقود النووي الروسي إلى إفساح المجال وإتاحة الفرصة للخبراء الإيرانيين لجهة القيام سراً بتوظيف استغلال قدرات المفاعل في برنامج التسلح النووي الإيراني.
- الخوف من احتمالات أن ينجح الخبراء الإيرانيون في إسقاط خبرة تشغيل مفاعل بوشهر النووي على المفاعلات النووية الإيرانية الأخرى، و على وجه الخصوص مفاعل ناتانز الذي يقع على بعد 300 ميل لجهة الشمال من بوشهر، والذي يعد بنظر الأمريكيين والإسرائيليين المجمع النووي الأكثر خطورة وسرية.
- الخوف من أن يؤدي مفاعل بوشهر إلى إتاحة الفرصة للخبراء النوويين لإيرانيين من أجل رفع قدراتهم النظرية والتطبيقية بما يكسبهم فاعلية أكبر لجهة تسريع وتائر العمل في المفاعلات النووية الإيرانية الأخرى مثل مفاعل ناتانز ومفاعل أراك، إضافةً إلى تشغيل مفاعلات إنتاج الماء الثقيل الذي يتيح لإيران بكل سهولة الحصول على البلوتونيوم الذي يعد المكون الرئيسي لبناء الرؤوس الحربية النووية غير التقليدية.
حالياً، تشير تطورات الأحداث والوقائع الجارية بدءاً من لحظة تشغيل مفاعل بوشهر النووي الإيراني بالوقود النووي الروسي، إلى المزيد من الإسقاطات الدبلوماسية. فبالنسبة لأمريكا، تمثل العملية كسراً كبيراً لنظام العقوبات الدولية المتعددة الأطراف التي فرضتها واشنطن مؤخراً ضد إيران، وبالنسبة لإسرائيل، فإن الأمر معناه وصول الخطر النووي الإيراني إلى نقطة اللاعودة، وبالنسبة لإيران، فإن الأمر معناه تحقيق الاختراق الرئيسي الأكثر أهمية في مسيرة البرنامج النووي الإيراني برغم ترسانة العقوبات المفروضة عليها، أما بالنسبة لروسيا، فإن الأمر يشير إلى بروز مفهوم روسي استراتيجي جديد لمقاربة ملف البرنامج النووي الإيراني. وتأسيساً على ما سبق، فناك قرار دبلوماسية خافتة تقول: توجد صفقة أمريكية-روسية تنص على أن تقوم روسيا بتأييد مشروع العقوبات الأمريكية ضد إيران، مقابل أن تقوم أمريكا بالموافقة على قيام روسيا بتزويد إيران بالوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعل بوشهر، وهو ما حدث بالفعل، أما بالنسبة لصفقة تزويد إيران بشبكة منظومة الدفاع الجوي الراداري-الصاروخي الروسية (S-300) فإن الأمر مازال حبيس أدراج الكرملين الروسي، والبيت الأبيض الأمريكي.
قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد