على ذمةالحكومة:3000دولارحصةالفردمن الناتج المحلي المتوقعةنهايةالخطة
بحسب الوعد المنتظر، فإنَّ حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ستصل إلى 3000 دولار سنوياً (أي ما يقارب 150 ألف ليرة). وهذا الرقم ستحقّقه لنا سنوات الخطة الخمسية الحادية عشرة. وقبل أن نقول إنها شائعات تُرمى جزافاً، سنؤكد أنَّ هذا الكلام من مصدر مسؤول، وهو النائب الاقتصادي عبد الله الدردري، الذي أكد أننا سنكون من أقوى الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط في العام 2015.
وحين يكون الكلام منمقاً وجميلاً، فما علينا إلا الموافقة والتفاؤل في مستقبلٍ زاهر، يرسم ملامح عدالة توزيع الدخل، وينهض بالشرائح المهمشة اقتصادياً. وبعد التفاؤل ورسم الأحلام، سنبدأ بالتفكير حول معطيات هذا الرقم وتفاصيله، لاسيما أنَّ حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تصل حالياً إلى 1550 دولاراً (أي أنَّ المطلوب من خطتنا التنموية القادمة هو مضاعفة هذا الرقم 100 %).
جرعة تفاؤل
حتى وإن قال قائل إنَّ وعود الحكومة كثيرة، خاصةً تلك التي تتعلق بتحسين مستوى معيشة الأفراد وما سمّي بنموٍ محابٍ للفقراء، فالمثل السائد، في مثل هذه الحالات: «من جرب المجرب بيكون عقله مخرب». فحتى زيادة الرواتب لم تعد مطلباً، لأنها باتت، على ما يبدو، في طي النسيان بالنسبة إلى المواطن والحكومة معاً. وكلّ له أسبابه. ولكن رغم ذلك، فلا بأس من جرعات التفاؤل التي تمنحنا إياها الحكومة بين الفينة والأخرى، على مبدأ «تفاءلوا بالخير تجدوه»، لا سيما أننا نمتلك المقومات الكامنة والموضوعية التي تسمح لنا بتحقيق الكثير مما يعتقد أنه أحد المستحيلات، كزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 3000 دولار؛ يقول الدكتور حميدي عبد الله (مركز دراسات استراتيجية): «إذا ناقشنا الأمر من ناحية القدرات الكامنة والمتوافرة في الاقتصاد، يمكن أن يكون الأمر واقعياً، في حال تمت الاستفادة من القدرات. وهذا يتطلب وضع السياسات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف. وإذا أردنا تحديد هذه المقومات بشكلٍ أكبر، لا سيما تلك التي لم نستفد منها إلا في الحدود الدنيا، فنحن نمتلك المقومات السياحية بمختلف أنواعها، لا سيما أنَّ موقعنا الجغرافي يعطينا ميزات إضافية. وبالتالي يمكننا أن نقيم مناطق حرة بشكلٍ خاص على الحدود التركية وأيضاً العراقية، لتصنيع ما يتوجه إلى أسواق هذه الدول». ويشير عبد الله إلى واحدة من الثروات المهمة التي لم تستغلّ إلى الآن، وهي المناطق الشرقية والبادية. هذا علاوةً على ميزات نقل النفط والغاز وغيرها. وكلّ هذه المقومات بحاجة إلى خطط عمل تنفيذية وتشجيع الاستثمار واستدراجه وتوجيهه إلى هذه القطاعات.
بين الأمل والواقع حزمة كبيرة من الإجراءات ومشاكل معقدة بحاجةٍ إلى حلول. طبعاً لا شيء مستحيل، إلا أنَّ الأمر يتوقف على كثيرٍ من الاعتبارات؛ حيث يلتقي الدكتور كريم أبو حلاوة (خبير اقتصاد اجتماعي) مع عبد الله من حيث ما تتطلبه زيادة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من وضع حزمة كبيرة من الإجراءات، تبدأ بمحاربة الهدر والفساد وتشجيع الاستثمارات وضمان بيئة مناسبة للاستثمارات، ولا تنتهي عند تحقيق فرص تشغيلية للشباب. ويطرح أبو حلاوة التساؤل الأهم، بقوله: «هل يكفي الأمل ضمن هذه البيئة؟».. فهذا يحتاج إلى تقييم وبحث وتحليل.
حق تنموي
الشروط التي طرحت لتحقيق أمل زيادة حصة الفرد من الناتج المحلي تحتاج، في الدرجة الأولى، إلى تحديد أكثر لمعنى زيادة هذه الحصة، وهل هي زيادة وفقاً للأسعار الثابتة أم الأسعار الجارية؛ يقول الدكتور مدين علي (خبير اقتصادي): «الطموح مشروع، ومن حقّ أيّ حكومة تسير باتجاه برنامج إصلاح اقتصادي، كما أنه حقّ تنموي بالنسبة إلى المواطن ليستطيع تحسين مستوى معيشته».. إلا أنَّ علي يؤكد أنه «على الرغم من أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مؤشر على النمو الاقتصادي، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه من الناحية التنموية بصورة كاملة. والسبب أنه قد يترافق مع سوء في توزيع الدخل واضح على مستوى البلد بين مختلف الشرائح المكونة للمجتمع. وبالتالي قد يخفي هذا المؤشر في طياته غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية- هذا من ناحية». ومن ناحيةٍ أخرى، يوضح علي أنَّ «متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يجعلنا نتساءل: هل الناتج الإجمالي الذي نتحدث عنه بالأسعار الجارية أم الثابتة؟.. فإذا انطلقنا من زيادة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للأسعار الجارية، فإنَّ هذا المؤشر قد ينطوي على مضامين تضخمية، ويترافق مع ارتفاع في المستوى العام للأسعار وارتفاع لمستويات التضخم وبالتالي فائدة المواطن من هذا الارتفاع ستكون ضعيفة، والارتفاع الذي تحقق في حصة الفرد من الناتج المحلي سيذهب دون جدوى، نتيجة ارتفاع مستوى الأسعار». ويشير علي إلى أنَّ «المؤشر الأساسي يجب أن يكون بالأسعار الثابتة، لذلك فإن الحديث عن طموح يجعل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 3000 دولار، كلامٌ جميل ونسعى إليه. وحتى ينعكس بشكلٍ صحيح على حياة المواطن، يجب أن يكون هناك ضبط حقيقي للأسعار لكبح التضخم». ويقارن علي بين متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بداية الخطة الخمسية العاشرة ونهايتها، ويجري إسقاطاً بسيطاً يؤكد، من خلاله، أنَّ رفع حصة الفرد من هذا الناتج سينطوي على صعوبات كبيرة، ليذهب علي أبعد من ذلك، من خلال التأكيد على أنه غير قابل للتحقق إلا بمضامين تضخمية.
تقييم ضائع
بحسب التصريحات الحكومية، فإننا سنجذب، خلال سنوات الخطة الخمسية القادمة، ما بين 80 إلى 100 مليار دولار. ويرى العبد الله أنَّ سورية تستوعب هذا الرقم، ولكن الفجوة لاتزال قائمة بين ما هو قائم على أرض الواقع والهدف المرتجى. فحتى نستطيع استيعاب هذا الرقم من الاستثمارات، الأمر يتطلب تنفيذ الخطط بجدية وتقييمها، لاسيما أننا نعاني من تقييم متناقض للخطة الماضية؛ فهناك من يقول إنها حققت بعض النجاح، وبعضهم يرى غير ذلك. ويبقى الأهم من كل ذلك هو الاستفادة من الخطة الماضية وظروفها، لتعميق النجاحات، وكي نتجه إلى خطة قادرة على تحقيق الأهداف. وفيما يرى عبد الله أنَّ الأمر هو مجرد غياب للتقييم، يعتبره أبو حلاوة مشكلة كبيرة، لاسيما مع غياب تقييم علمي ودقيق للخطط التنموية. فكلام الأرقام الرسمية شيء وواقع الحال شيء آخر، والأرقام المتفائلة لم تنعكس على حياة المواطن؛ فما نحتاج إليه، بحسب أبو حلاوة، هو تنمية فعلية وحقيقية. وبمزيدٍ من الواقعية، يأتينا أبو حلاوة بالجواب القطعي حول إمكانية مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي: «لا». ولكنه مطلب ضروري، ويجب التأكد من كل المؤشرات، التي هي في مجملها إيجابية، باستثناء المؤشرات المتعلقة بمتوسط دخل الفرد.
ما نحتاجه
وحتى نستطيع رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فهذا يتطلب جملةً من الاحتياجات الأساسية، يحددها علي بعدة نقاط: نحتاج أولا إلى نمو اقتصادي حقيقي وليس تضخمياً، إضافةً إلى عدالة في توزيع الدخل وتحقيق نمو حقيقي في القطاعات الإنتاجية، إضافةً إلى ضبط النمو في قطاع المضاربات من مالية وعقارية وغيرها.. فهو يحتاج إلى تدخل حكومي واضح وجذب للاستثمارات.
إباء منذر
المصدر: بلدنا
التعليقات
اثبتوا على رأي
إضافة تعليق جديد