نوبل للآخر الموجود في بلد المسحوقين والمهزومين
الجمل : أعلنت أكاديمية نوبل السويدية منح الكاتب التركي أورهان باموق جائزة نوبل للآداب للعام 2006 ، الذي يرى أن "الطريقة الوحيدة ليكون المرء نفسه هي ان يصبح شخصاً آخر أو ان يضيّع دربه في قصص الآخرين "ويبدو أن باموق بدأ يحصد نتائج حبه للكتابة التي يعتبرها "عزاؤنا الأوحد".
ويوصف باموق بـ "الروائي الخطير" إذ يرى بعض النقاد كتاباته فلسفية فيما يراها آخرون تاريخية ذات طابع فانتازي حداثوي، وتتمثل خطورته في لغته المهجّنة بين حدّي العقلانية والهلوسة. التي تمتحن فدارت القارئ في صناعة القصّة، كما لو انها تكتب للتو .
يعدّ أورهان باموق أشهر روائي تركي ومن المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث ترجمت رواياته وهو البالغ من العمر 54 عاما إلى نحو 30 لغة منها اللغة العربية، ما جعله يتمتع بشهرة واسعة فى أوروبا وأميركا والشرق الأدنى والبلدان الناطقة بالإسبانية.
باموق كشخصية صريحة يجاهر بأفكاره المضمنة في اعماله وخاصة روايته الأخيرة "ثلج" التى ترجمت مؤخرا إلى العربية و تتحدث عن قضايا الشرق الأوسط والفقر ومسائل التحديث التقني والفكري. كما تثير كتبه ردود فعل متطرفة، بين الإدانة الكاملة و التكريس المطلق. ففي حين يتهمه الاسلاميون مثلاً باستغلال الموضوعات الدينية والتاريخية، ، يلومه العلمانيون على انتقاده الصريح لايديولوجيا الدولة. وقد سبق ورفض باموق تكريم الحكومة التركية له عبر منحه لقب "فنان الدولة" ارفع لقب في تركيا، بسبب عدم احترام بلاده لحقوق الإنسان.
وكان باموق المهندس المعمارى وابن العائلة الغنية من أبرز المرشحين لنيل جائزة نوبل العام الماضى لكنه حصل بدلا عنها على جائزة السلام التى تمنحها دور النشر الألمانية فى معرض فرانكفورت للكتاب للعام 2005. وقد جاءت مفاجأة حتى أن البعض تساءل عما اذا كان موقف باموق المناهض لحكومة بلاده هو السبب الوحيد لهذا الفوز. فيما أكد المسؤولون عن الجائزة ان اختيار باموق جرى باعتباره 'الاديب الوحيد في عصره' الذي يقتفي الآثار التاريخية للغرب في الشرق، ويرصد تأثير الشرق في الغرب.
ونال باموق المولود فى اسطنبول لأسرة برجوازية ثقافتها فرنسية جائزة البحر الابيض المتوسط للأدب الاجنبى للعام 2006 عن روايته "ثلج" كما منح عام 2003 جائزة أفضل كتاب أجنبى فى فرنسا لروايته "إسمي أحمر" التى تخصص للكتّاب الذين تترجم أعمالهم إلى اللغة الفرنسية. ليعتبر من أبرز محدثي الرواية التركية وأكثرهم جرأة وأوسعهم انتشاراً واستحقاقاً لانتشاره، وتروي رواية "ثلج" التى منحت أيضا جائزة ميديسى للرواية الأجنبية فى شهر أيلول العام الماضى قصة شاعر شاب يقيم منذ سنوات في منفاه في ألمانيا ويعود إلى بلاده لكتابة مواضيع عن الانتخابات البلدية فى بلدة صغيرة فى الأناضول. ومن رواياته الأخرى "جودت بك و أولاده" و "القصر الأبيض" و "الكتاب الأسود".
وكانت مجلة تايم الأمريكية قد اختارته ضمن قائمتها لأهم مائة شخصية فى العالم.
وتمتلئ روايات باموق بنقد المؤسسة العسكرية التركية وطبيعة التركيبة الاجتماعية التركية وتفاعلاتها بين بعضها بعضا, وقد أثار أورهان باموق عاصفة من الانتقادات لتركية بعدما أعلن في شباط الماضي في مجلة سويسرية ان «مليون أرمني و30 ألف كردي قتلوا في الأراضي التركية، لكن لا احد غيري يجرؤ على قول ذلك». ما عرضه للمحاكمة بتهمة«تحقير الأمة التركية»، و"إهانة واضحة للأمة التركية" التي تتراوح عقوبتها بين سجن ستة أشهر وثلاثة أعوام، بموجب قانون للعقوبات صيغ بحيث تتماشى بنوده مع مثيلاتها الأوروبية، بيد أنه استخدم من قبل جهات الادعاء التركية في توجيه الاتهام لعدد من الكتاب والصحافيين. واعتبرت هيئات أوروبية عدة أن إدانة الكاتب يمكن أن تسيء إلى عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي . وعلى خلفية الجدل الذي اشتعل في الأوساط الثقافية الأوروبية والألمانية خاصة حول قمع تركيا للحريات الثقافية والإجتماعية، بذلت ألمانيا مساعي حثيثة مؤخراً كي لا تتم استضافة تركية في مهرجان فرانكفورت للعام 2008،و طلبت من تركيا إنهاء قضية أورهان باموق كشرط لمشاركتها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. وتم توقيع اتفاقية استضافة تركية في مهرجان فرانكفورت ، بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترغب الحكومة الألمانية باستضافتها.
ويأخذ البعض على باموق ولعه بالدعاية والإعلان عن رواياته، بشتى الوسائل بما فيها الإعلانات الطرقية، ولذا رأوا في مواقفه السياسية جزءاً من هذه الدعاية، وهو ما يرفضه المعجبون به، فيما يذكر باموق أن اطلاعه على وثائق التعذيب العثماني جعله يتخذ هذا الموقف من موضوع مذايح الأرمن وحقوق الأقليات الكردية، فيقول "حين نحاول كبح الذكريات .. ثمة على الدوام ظل منها يعود ويطفو .. انني ذاك الظل الذي يعود" ويلخص رؤيته للواقع العيش في تركيا بالقول " لا يمكن لأحد ان يكون نفسه في هذا البلد.. الوجود في بلد المهزومين والمسحوقين يعني الكينونة شخصا آخر.. انا آخر فأنا موجود"..
الجمل
إضافة تعليق جديد