الكاتوشيا كسرت شوكة إسرائيل
لا تزال حرب لبنان الثانية وإخفاقات الجيش الإسرائيلي فيها، تشغل بال الإسرائيليين الذين يتابعون عن كثب ما يكشف منها ويقومون باستخلاص عبر عملياتية وسياسية هامة. وقد أشار المراسل السياسي لصحيفة معاريف بن كسبيت إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت يجد نفسه اليوم في وضع ضعيف رغم نجاحه في توسيع حكومته؛ فالمنطقة بأسرها تدخل فترة حاسمة خاصة في العراق وإيران في ظل انشغال أميركا بالانتخابات، وبالتالي سيكون المطلوب من إسرائيل ضبط نفسها إلى أقصى الحدود وخصوصا في فلسطين.
ويبين كسبيت في تقريره أن الشهادات التي يقدمها الجنود والضباط عن أداء القوات في الحرب تقض المضاجع. وأشار إلى معلومات مثيرة بصورة خاصة أعدها ضابط قتالي في كتيبة احتياط مدرعة شارك في القتال طوال الحرب كلها وعرضت على إحدى لجان التحقيق التي شكلتها لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. وقال الضابط إن الخطة التي تدربت عليها كتيبته خلال عامين لم تنفذ بأي شكل من الأشكال. فالفوضى دبت، بحسب قوله، في كل شيء، مثل النقص في العتاد والتخطيط والتنفيذ والإسعافات والنقص في الخوذات والمطارق الثقيلة التي تتحطم مع الاستخدام، والنقص في سيارات النقل.
وأشار كسبيت إلى أنه إضافة الى ذلك، تتحدث شهادة الضابط عن عدم القدرة على مواجهة مضادات الدبابات رغم توفر الإمكانية لذلك، وعن عدم التعاون بين أجنحة الجيش المختلفة، وعن الضباط الذين يدخلون المعركة للمرة الأولى وهم في هذا المنصب، وظاهرة سلم الأولويات القائم على المصالح الشخصية خلال الحرب: قائد المنطقة الذي عارض أوامر هيئة الأركان باحتلال بنت جبيل إلا أنه لم يفعل شيئا إزاء ذلك؛ أو قائد اللواء الذي طولب بفتح محور خلال 24 ساعة مع علمه أن ذلك يستغرق 72 ساعة ولكنه لم يفعل شيئا إزاء ذلك. ومثل ذلك من الأمثلة الكثيرة حول انصياع الضباط والقادة الى التعليمات العليا رغم علمهم بأنها غير قابلة للتطبيق. وقد سمى الضابط الحرب على لبنان التي أطلقوا عليها رسمياً اسم تغيير الاتجاه بانعدام الاتجاه.
ويخلص كسبيت إلى القول انه ليس من السهل قراءة تلك الشهادة. ولكن من الأصعب أيضا أن نستوعب أن الأمر يتعلق بنا وبجيشنا، جيش الدفاع الإسرائيلي. من الصعب أن نراه في هذه الحالة من البؤس. وأن نرى أنفسنا فجأة قد أصبحنا مكان العرب. هم السريعون والمصممون والناجعون والواضحون، أما نحن فمترهلون، ثقيلون مع أسلحة صدئة.
ويوصي كسبيت بترشيح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لنيل جائزة اسرائيل فقد قام بإحراق عشرات الدبابات خلال الحرب، فليقم إذا بإشعال الشعلة في عيد الاستقلال. ربما أنقذتنا الصفعة التي وجهها إلينا وإن كان في وقت متأخر، وأنقذت الدولة. لا أقلّ ولا أكثر. بهذه الوتيرة كان من الممكن أن ينهار الجيش الإسرائيلي ذات صباح بعد سنوات عديدة ليتحول الى سحابة كبيرة من الرماد. وكنا سنبقى في نهاية المطاف مع سلاح الجو الجميل ولكنه ليس بالكافي بالمرة (كما تأكدنا في الحرب الأخيرة).
وحاول المراسل العسكري لمعاريف عمير رافبورات حشد العبر التي استخلصها أربعة من قادة سلاح الجو الإسرائيلي وعدد من الجنرالات السابقين من الحرب على لبنان. وبمبادرة من الصحيفة، تم جمع قادة سلاح الجو الإسرائيلي سابقاً دافيد عبري، أفيهو بن نون، عاموس لبيدوت وهرتسل بودينغر، والجنرال احتياط جدعون شيفر، الذي كان من كبار القادة في السلاح ورئيس قسم القوى البشرية في الجيش، وكذلك العميد (متقاعد) اسحق غيت الذي كان قائد سرب استطلاع في سلاح الجو، اضافة الى رئيس المعهد العميد (احتياط) أساف أغمون الذي كان طياراً سابقاً.
وكانت الأسئلة المطروحة تتلخص في الآتي: هل رغم فشل ذلك الخيار في لبنان يمكن حسم حرب عن طريق سلاح الجو فقط؟ وهل باتت القوات البرية الآن لا أهمية لها، كما اعتقد الكثيرون في الجيش الإسرائيلي الى أن نشبت هذه الحرب؟ هل هذه استنتاجات يمكن استخلاصها من الحرب اللبنانية بشأن ما يتعلق بمستقبل سلاح الجو؟.
وكان هناك إجماع واضح، بل مفاجئ بين المشاركين، حول انه لم يكن بالإمكان التوصل الى حسم بواسطة سلاح الجو وحده. اتفق الجميع على أنه توجد حدود واضحة لقوة الطيارين التنفيذية.
ويستذكر بعض هؤلاء دور سلاح الجو في قطاع غزة ضد الصواريخ ويشدد آخرون على أن الحسم هو أولا وأخيراً بالعمل العسكري البري. يقول بودينغر أفضل شيء نقوله هو أن سلاح الجو يمكنه المساعدة الفعلية في حسم الحرب عن طريق الجيش، لكنه لا يستطيع حسم الحرب لوحده. ويضيف غيت عندما نتقدم الى معركة، ففي نهاية الأمر نحن بحاجة الى حسمها برياً، ففي الحرب العراقية، الى أن سحبوا تمثال صدام بالحبال في وسط بغداد، فإن المعركة البرية لم تكن قد حُسمت.
أما أفيهو بن نون فيقول يوجد شيء واحد لا يوجد خلاف عليه بيننا، وهو ان حسم المعركة لا يمكن ان يحققه سلاح الجو منفرداً، ولكن الردع، نعم. من جهته يشدد عبري على أن الردع الاستراتيجي يحققه سلاح الجو، ولكن من يعتقد ان الردع الاستراتيجي لا يتم إلا عن طريق سلاح الجو فهو غير صادق في نظري، فمَن وما الذي سيردع مخربين في غزة، بالطبع ليس سلاح الجو، بل إشراكا ودمجا ما بين قوى الجيش الإسرائيلي. ومقابل دول مثل الأردن وسوريا، فإن للقوات البرية جزءاً مهما في مسألة الردع، ورغم ذلك، فبالنسبة لدول ليس لها حدود معنا، مثل ايران، فإن الردع يجب أن يكون مرتكزا على قدرات سلاح الجو.
غير ان سلاح الجو الإسرائيلي مضطر لخوض المعركة الاستكبارية. ويشدد المراسل العسكري على أنه مع كل الاحترام لهذه التكنولوجيا المذهلة التي يمتلكها سلاح الجو، والقذائف القادرة على الوصول الى أهدافها بدقة أمتار فقط، فإن الشيء الذي أخلّ بتوازن اسرائيل في الحرب الأخيرة كان صواريخ الكاتيوشا بالتحديد. واعتبر شيفر ان ظاهرة الصواريخ القصيرة المدى، وكذلك صواريخ ارض ارض من نوع سكود الموجودة لدى الدول العربية، هي وليدة التفوق الذي حققه سلاح الجو الإسرائيلي مقابل أسلحة الجو العربية على مدى السنين. الطرف الآخر توصل الى نتيجة أنه مقابل سلاح جونا لا يمكنه المواجهة، إذاً عليه أن يطرق باباً آخر يمكنه بواسطته أن يحدث لنا مشكلة.
وأشار أكثر الحاضرين إلى عدم وجود حلول قاطعة لهذا الخطر. وقال غيت إن التكنولوجيا يمكنها أن تعطي حلاً، أو مجموعة من الحلول الجزئية، ولكن المشكلة عامة، لا يمكن حلها من الجو فقط. واعتبر شيفر أن مهمة منع إطلاق صواريخ الكاتيوشا بالنسبة لدولة مثل اسرائيل مهمة معقدة للغاية. وخلص إلى أن الانجاز الذي يحققه حزب الله بواسطة التهديد بالصواريخ هو ان مجرد وجود هذا التهديد يحولنا فوراً الى حالة دفاع، وهذا عكس النظرية التقليدية التي لا بد أن ننقلها في حربنا ضد العدو.
أما بودينغر فيقول لقد أصبحت صواريخ الكاتيوشا عبارة عن مشكلة استراتيجية نتيجة لطبيعة النظر إليها. مثلاً، حقيقة أننا نقوم بعملية إصلاح الشمال تشهد على أننا تلقينا ضربة قوية هناك. وباختصار، فإن الخسائر التي وقعت نتيجة لاستخدام الكاتيوشا كانت كبيرة وقاسية، مع أن إعادة إعمار بيروت أكثر تعقيداً.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد