معركة وشيكة في القامشلي وأكراد سوريا يستعدّون للدفاع عنها
بعد رأس العين، معركة حول القامشلي. القيادة الكردية في الشمال السوري التي ارتبكت في مواجهة معركة رأس العين بدأت تستعدّ لمعركة تقول بأنها قريبة جداً، يجري الإعداد لها في تركيا لاختراق مدينة القامشلي السورية ذات الأكثرية الكردية.
ومثلت معركة رأس العين أول اختراق حقيقي للشريط الكردي الممتد من عفرين غرباً شمال حلب وحتى ديريك في أقصى الشرق عند تقاطع مثلث الحدود العراقية ـ السورية ـ التركية. وكان 300 مسلح من جماعة «غرباء الشام» الإسلامية الجهادية قد اقتحمت البلدة الاستراتيجية، وتمركزت في الأحياء العربية منها، من دون أن تدخل الأحياء التي تتحصن فيها وحدات من لجان الحماية الشعبية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، القوة الكردية الأساسية في كردستان الغربية.
وكانت مجموعة «غرباء الشام» وهي إحدى المجموعات الإسلامية السورية قد قاتلت إلى جانب تنظيم «القاعدة» في العراق، واستخدمتها الاستخبارات السورية في الحرب على الاحتلال الأميركي، قبل أن يقتل زعيمها محمود غول آغاسي (أبو القعقاع) في أحد مساجد حلب في أيلول العام 2007، على يد أحد العائدين من العراق، بعد أن أفتت المجموعة بتكفيره وهدرت دمه واتهمته بالعمالة للحكومة السورية.
وقال مصدر قيادي كردي إن الأركان التركية دفعت بألف مقاتل من مسلحي المعارضة السورية إلى معسكر قريب من مدينة نصيبين المحاذية للحدود السورية التركية على بعد 3 كيلومترات فقط من اقرب الأحياء في مدينة القامشلي على الجانب السوري. وشهدت نصيبين، التي ضمتها تركيا إليها في العام 1929، في ظل الانتداب الفرنسي، حركة نزوح باتجاه الأرياف القريبة خوفاً من وصول القصف إلى المدينة التي يقطنها 150 ألف نسمة أغلبهم من الأكراد.
وقال قيادي سوري كردي معارض إن المعركة على القامشلي، المدينة الإستراتيجية، قد تكون وشيكة وسيضطر حزب الإتحاد الديموقراطي الذي يحاول النأي بنفسه عن القتال إلى تغيير موقفه وإرسال قوات إلى المدينة التي تعدّ 180 ألف نسمة للدفاع عنها. وتعد القامشلي، اكبر التجمعات الكردية في المنطقة، والمعقل الأساسي لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي يديرها مجلس وطني لغربي كردستان، وتحت إشراف الهيئة الكردية العليا يتقاسم نصف أعضائها مع 16 حزباً كردياً معارضاً يشاركهم اتخاذ القرارات، فيما تنتمي القوات الأمنية والعسكرية المنتشرة في المدينة وحولها، إلى صفوفه حصراً.
وقال القيادي الكردي إن الأتراك بعد أن نفذوا عمليات القصف الأولى ضد مواقع الجيش السوري في رأس العين، دفعوا بجماعات «جهادية» مسلحة إلى البلدة، كرأس جسر لقوات أخرى ستحاول الانتشار من نصيبين بعمق خمسة كيلومترات بطول الشريط الحدودي، وإحداث ثغرات في الجدار الكردي الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديموقراطي، ومنع قواته من التحرك في المنطقة وتحويلها تدريجياً إلى منطقة مفتوحة أمام عمليات المجموعات المسلحة، من «جيش سوري حر» او جماعات «جهادية» مثل «جبهة النصرة» و«غرباء الشام»، وإنهاك الجيش السوري وإجباره على التراجع، ولكن الهدف الأهم في الهجوم على القامشلي سيكون السيطرة على مطار المدينة الذي يبعد كيلومترات قليلة عن الحدود التركية، ويمكن استخدامه في عمليات الإمداد وتموين المعارضة المسلحة مباشرة في الأراضي السورية.
وكانت غرفة العمليات الأميركية في أنطاكيا قد أشارت على «الجيش الحر» فتح معارك السيطرة على المطارات قرب حلب وادلب في تفتناز ومنغ، إلا أنها أخفقت على الدوام في السيطرة على اي من القواعد الإستراتيجية الجوية في الشمال، والتي تنطلق منها الحوامات والقاذفات السورية .
وبالإضافة إلى «الجهاديين» يلعب الأتراك لعبة استعادة علاقاتهم القديمة مع عشائر المنطقة. وبدأ الأتراك وأجهزتهم الأمنية في المنطقة اتصالات واسعة مع العشائر العربية المنتشرة حول القامشلي، لبناء جبهة موحدة ضد حزب الإتحاد الديموقراطي وبقايا وحدات الجيش السوري التي لا تزال تنتشر في المنطقة. ودخل «الجهاديون» المتمركزون في نصيبين في مفاوضات مع محمد الفارس، زعيم قبيلة طي التي يسكن عشرة آلاف فرد منها الحي الجنوبي من المدينة. وبدأ الجيش السوري نفسه بإخلاء بعض مواقعه في المدينة، وأزيل الحاجز الشرقي بناء على طلب من الأكراد. وكان محمد الفارس يتمتع بعلاقات جيدة مع السلطة في دمشق إلى وقت قريب، كما تمتع بعلاقات ايجابية مع المجلس الوطني الكردي، رغم أنه كان على رأس المجموعات العربية التي نهبت متاجر الأكراد في المدينة خلال انتفاضة القامشلي الكردية في العام 2004.
ونقل الأتراك و«الجهاديون» أسلحة إلى عشائر عرب الغمر في قرى تنورية الغمر وام الفرسان وحلة الغمر، وهي قرى تسيطر على الهضاب الشرقية المطلة على القامشلي الواقعة في قلب منطقة سهلية يصعب الدفاع عنها. ويقول قيادي تركي إن الأتراك يحاولون ضم عرب الغمر إلى المعركة، وهم عشائر جيء بهم من حوض الفرات إلى القامشلي، بعد بناء سد الفرات، وتم إسكانهم في 40 قرية تمتد مسافة 240 كيلومتراً من ديريك حتى سري كانية بموازاة الشريط الحدودي التركي - السوري، في ما يعرف بالحزام العربي. كما يحاول الأتراك منذ اسابيع ضم عشائر شمر التي يقودها حميدي بن دهام الهادي، وفرع شمر الجربا الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع السعودية، إلا ان زعيمها لا يزال يقف على الحياد،
واشتكى القيادي الكردي من اختراق كردي لكردستان الغربية. وقال إن جناح «يكيتي» الذي يقوده اسماعيل حمي وجناح «حزب آزادي» الذي يتزعمه مصطفى جمعه، يقومان بالاتصال بالأتراك، ويعملان معهم من خلال المجلس الوطني الكردي، وقد يشاركان في المعركة، بالإضافة إلى كتيبة «صلاح الدين» التي يشرف عليها صلاح بدر الدين، والتي تتألف من عناصر غالبيتها كردية.
ويخضع الأكراد لابتزاز سياسي وعسكري مزدوج في المعركة التي خاضوها في رأس العين، والمعركة التي يجري التحضير لها للدخول إلى القامشلي. فخلال معركة رأس العين لم تتدخل قوات الاتحاد الديموقراطي في المعارك بين «غرباء الشام» والجيش السوري خوفاً من اتهامها بالوقوف إلى جانب النظام، وهي أصلا متهمة بذلك، لأنها لا تشارك في المعارك في حلب وتمنع المعارضة المسلحة من دخول مناطقها. كما أن «غرباء الشام» ابدوا حنكة كبيرة بعدم مهاجمة الأحياء الكردية ما سهل إسقاط البلدة. لكن الموقف الكردي المحايد الخائف من الاتهام بالتعاون مع النظام ادى إلى خسارة رأس العين، وإحداث اختراق في الجدار الكردي.
ويخشى القيادي الكردي انضمام جزء من لاجئي دير الزور، الذين يعدون 12 الف عائلة، إلى قوة الهجوم التي يجري الإعداد لها.
وتفادياً للوقوع مرة اخرى في مأزق الاختيار بين القتال للدفاع عن البلدات والمدن الكردية، بحجة ان المهاجمين يستهدفون الجيش السوري، وبين وقوع هذه البلدات والمدن في النهاية إذا ما هزم الجيش السوري في ايدي الجماعات «الجهادية» بشكل خاص، قال قيادي كردي سوري «إننا حاولنا سحب هذه الذريعة من أيدي المهاجمين بالسيطرة على المنطقة التي كانت لا تزال وحدات من الجيش السوري تتمركز فيها، وقلنا للمسؤولين من النظام في المنطقة إن خروج وحداتهم منها يسهل علينا سياسيا الدفاع عنها بحجة فراغها من وجود عسكري للنظام، مع محافظتنا على المؤسسات الخدمية التابعة للدولة، والأعلام السورية فوقها».
واضاف القيادي الكردي ان قادة الفروع الأمنية والمسؤولين العسكريين طلبوا البقاء فيها والمشاركة في الدفاع عن المدينة، لكننا طلبنا منهم الخروج من المدينة، وإزالة الحواجز، لكنهم لا يزالون يتمركزون في المطار. كما أن كتيبة من ألف جندي سوري توجّهت إلى رأس العين، فيما تواصل الحوامات استطلاع المنطقة، و«نعتقد انهم لن يكونوا قادرين على التحرك بحرية في المنطقة من دون استخدام كثيف للطيران، لذلك قام الأتراك في الأيام الأخيرة بنشر شبكة صواريخ ودفاع جوي».
وأقنع الأكراد الفروع الأمنية النظامية بالانسحاب من ديريك، كما انسحبوا من بلدة تل تمر الاستراتيجية التي تبعد 40 كيلومتراً عن رأس العين، على الطريق السريع إلى حلب. وتولى اجتماع عقد في كنيسة المدينة، التي تعدّ 50 الف نسمة، إنشاء وحدات دفاع ذاتي .
وحول ما إذا كان بوسع الأكراد ووحدات الحماية الشعبية الدفاع عن القامشلي ومنع سقوطها، يقول القيادي الكردي «إننا لن نكرر خطأ رأس العين، وسنقاتل في المدينة سواء قاتلت وحدات الجيش السوري في المدينة أم لم تقاتل، انسحبت من المطار أم لم تنسحب. وإذا لم يقم الأتراك بالتمهيد للهجوم على القامشلي بقصف مدفعي، كما فعلوا في رأس العين، فنحن قادرون على الدفاع عن المنطقة، ولا يوجد خيار آخر سوى الدفاع عنها، لان الاستيلاء عليها سيؤدي إلى تقطيع أوصال كردستان الغربية بأسرها، وفتح الطريق لمهاجمة عفرين، وتحويل المنطقة كلها إلى ساحة قتال، وهو ما حاولنا حتى الآن تفاديه».
من جهة ثانية، (ا ف ب، ا ب، رويترز) أعلن الأمين العام لمجلس دول مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، في بيان، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيجري محادثات في الرياض اليوم مع نظرائه في دول مجلس التعاون حول النزاع في سوريا، فيما أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن طهران ستعقد لقاء بين أطراف النزاع السوري الأحد المقبل لإجراء «حوار وطني».
وخالفت باريس إجماع حلفائها الأوروبيين بإعلان اعترافها رسمياً «بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» وتأكيدها أنها «ستدرس تسليح المعارضة بمجرد تشكيل حكومة انتقالية».
واعتبرت واشنطن «الائتلاف ممثلا شرعيا للشعب السوري»، لكنها تجنبت الاعتراف به «كحكومة انتقالية» كما فعلت فرنسا.
وعبر نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في حديث مع قناة «روسيا اليوم»، عن اعتقاده بأن «الائتلاف» مشروع أميركي وقطري يستخدم من قبل القوى الخارجية لتدمير سوريا.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد