حسون يزورموقع تصوير" قمربني هاشم":جرأةفي الظاهرتحريم في الجوهر
في سابقة لعلّها الأولى لرجل دين بهذا المستوى، قام مفتي سوريا أحمد حسون بزيارة موقع تصوير مسلسل »قمر بني هاشم«، الذي يتناول، وكما يشير العنوان، سيرة النبي محمد (ص). كثيرون رأوا أن الزيارة خطوة جريئة باتجاه حسم النقاش حول الخصومة التاريخية بين الفن والدين، خصوصاً أن المفتي أطلق تصريحات من موقع التصوير نقلتها بعض الصحف المحلية (الوطن وموقع المفتي*)، تؤكد قوله إن »الفن كان موجوداً في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الفن إما يُغنّى شعراً وإما يُقال طرباً فقد كان المسلمون يغنون في الأعراس«. بل إن تلك التصريحات وصلت إلى حدّ تقييم المفتي لأحوال الدراما السورية حين قال »سوريا تقدمت بالدراما واستطاعت دخول كل بيت في العالمين العربي والإسلامي، وهي اليوم تدخل مرحلة جديدة، مرحلة الرسالة الثقافية التي نقف من خلالها في وجه قضية صراع الحضارات«.
لكن الاشتراطات التي قدّمها المفتي في حديثه إلى الصحف تجعل التحليل أشبه بوجه آخر للتحريم. فالفن عند المفتي يرتبط برسالة تذهب باتجاه واحد. ولا شك في أن زيارته إلى موقع تصوير »قمر بني هاشم« جاءت لأن الأخير سيكون »في خدمة الرسالة« كما يقول. ذلك ما يظهر أيضاً في تعليقه بخصوص الدراما المصرية حين »أعرب عن اعتقاده أن الفن في مصر قد تأخر أربعين عاماً لكي يتحوّل إلى فن رسالي تجسد بفيلم صلاح الدين وفيلم خالد بن الوليد». فلا فن رسالياً، حسب المفتي، إلا إذا كان من مستوى فيلم »صلاح الدين« و»خالد بن الوليد«. ولا نعرف إذا كانت عدم إشارة المفتي إلى مسلسلين سوريين أنتجا عن صلاح الدين، الأول لنجدت أنزور »البحث عن صلاح الدين«، والثاني لحاتم علي، من قبيل موقف نقدي مدروس. وطالما أن المفتي وصل إلى هذا الحدّ في تقييم الأعمال الفنية فلا ندري ما رأيه بالمسلسل السوري »خالد بن الوليد«، الذي يبدو في الظاهر عملاً دينياً، يخدم فكرة الرسالة، في الوقت الذي جعله مستواه الفني الرديء أسوأ صورة لرسالة ثقافية. إن عملاً يتحدث عن »الرسالة« ويدّعي حملها قد يكون، إذا لم يحسن «الحمل»، عملاً ضد »الرسالة«. فيما قد يقدِّم عمل اجتماعي محكــم ومتــقن فنــياً، يدافع مثلاً عن قيم العائلة، أعظم رسالة للناس، مــن دون أن يدّعـيها.
يصل المفتي حداً أبعد حين يتحدث عن عمل الممثل، فهو يطالب الممثلين الذين يلعبون أدواراً »رسالية« أن يحذو حذو «الفنان العالمي أنطوني كوين الذي رفض الكثير من الأدوار بعد تجسيده دوري حمزة (في فيلم الرسالة) والمختار (في فيلم عمر المختار)..«. إن ما يلفت هنا هو سعة الثقافة التي بنى عليها المفتي أحكامه، فقلّما تجد ناقداً متابعاً لأنطوني كوين، ما رفض وما لم يرفض من أدوار. كما أنه يعزّز رأيه بتجربة شخصية: »حينما رأيت الفنانة مريم فخر الدين تلعب دور زوجة سيدنا خالد بن الوليد، تأثرت حينها وبكيت. وبعد سنة مررت أمام دار للسينما ورأيتها في صورة (المايوه) بفيلم آخر، وصدمت صدمة رهيبة. وتساءلت هل هي هذه التي كانت تبكي وتصلي أمام الكعبة وهي اليوم في المسبح وفي المــايوه؟«. ليصل إلى القول: »إذا كان مــن المتــعذر أن يبقى الممثل في إطار تجسيد الأدوار التــاريخية والديــنية فعليه على الأقل ألا يلعــب أدواراً متناقـضة، فمــن يجـسد دور أحد الصحابــة فعلـيه ألا يجســد بعـد ذلك دور بلطجـي«!
ولكن من يقول للمفتي إنه لا بد من يهوذا في عمل يتناول سيرة السيد المسيح؟ لا بد من »يهوذا ما« في كل عمل يتناول سير الأخيار، ولا ندري بالطبع إزاء أي دراما سنكون حين تنقسم الشخصيات إلى أخيار وأشرار. وإذا كان المفتي يفترض أنه علينا أن نجلّ أولئك الممثلين الذين يلعبون أدوار الصحابة، فهل علينا أن نحتقر أولئك الممــثلين (الأشــرار) الذين يقفون في طريق زملائهم، ولــو على سبــيل التمثــيل؟ فما بالك بالممثــلات اللواتــي يرتديــن المايــوه؟! أليس هذا نوعاً مــن مطالــبة الناس بالاندماج الكامل مع الممثل؟ ولعل هذا هو الســرّ أساساً في تحريم التجسيد.
صعب فعلاً أن يتدخل رجال الدين في شؤون الفن، صعب ومربك أيضاً. وفي الوقت الذي نلمس فيه تفهماً، سرعان ما نجده ينقلب إلى الضدّ. لماذا لا يتركون لنا هذا الأمر، وينصرفون لأحوالهم، ألسنا أعلم بشؤون دنيانا؟
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد