سيـارات المستقبـل: هجينـة و«تطيـر»
تتأثر سوق السيارات بعوامل كثيرة، من ضمنها التكنولوجيات الجديدة والأهداف السياسية وسلوك المشترين. الباحثون الألمان يحاولون من خلال عمليات المحاكاة، التنبؤ بالصورة التي ستكون عليها الشوارع خلال 40 عاماً.
يوصل الأب غيورغ في الصباح عائلته إلى وسط المدينة، وهو يقود صاروخا سريعا، أخضر اللون، يشق عنان السماء بين السحب متوجها أولا إلى روضة الأطفال، ثم إلى المدرسة، وأخيرا إلى مركز التسوق. ثم وكجميع المقيمين الآخرين في مدينة «أوربت»، يقوم بتوجيه الطائرة ناحية مدرج أمام مكتبه، ويقوم بطي الطائرة لتصبح حقيبة يدوية. هذا المشهد هو جزء من الحياة اليومية في العام 2062.
ومن المسلّم به أن منتجي أفلام الخيال العلمي الأميركية في ستينيات القرن الماضي، سمحوا لخيالهم بالتحليق بعيدا، فهذه الرؤية المستقبلية ترسم صورة لعام 2062، أي لما سيكون عليه الحال بعد 50 عاما تقريبا من اليوم. ولكن الصورة اليومية التي نعيشها في عصرنا الراهن بعيدة كل البعد عن السيارات الطائرة، والطائرات أو الصواريخ، لن تجوب الطرقات والشوارع قريبا. ومع ذلك، فإن صورة الطرق والشوارع ستتغير بالتأكيد خلال السنوات المقبلة. واليوم، وبالرغم من أن السيارات ذات المحركات التقليدية لا تزال تهيمن على المشهد في الشوارع، فإن هناك منافسة بين السيارات الحديثة التي تتزود بالوقود، من خلايا الوقود وبطاريات الليثيوم أو تلك التي تعمل بمحركات هجينة، وهذه تلفت الأنظار في السوق. وتطالب المفوضية الأوروبية بخفض عدد السيارات التي تعمل بالطاقة التقليدية إلى النصف بحلول عام 2030، وباختفاء هذا النوع من السيارات بشكل نهائي من المدن بحلول عام 2050. لكن أي نوع من التكنولوجيا سيهيمن مستقبلا على الشوارع، وما هو نوع البنية التحتية التي ستتطلبها تلك التكنولوجيا، وهل ستكون هناك حاجة لمحطات الشحن، أو هل ستبقى الحاجة قائمة لمحطات الوقود العادية؟
للإجابة على هذه الأسئلة، عمد الباحثون في مجال النقل الجوي في المركز الألماني للفضاء في شتوتغارت، إلى تصميم نموذج بمساعدة الحاسوب. ويتم عبره تقييم السلوك الشرائي الحالي للمستخدمين، والمفاهيم المختلفة التي تحرك الناس وأيضا الحوافز السياسية المحتملة لرسم صورة مقرّبة للشوارع في المستقبل. ويقول رئيس المركز شتيفان شميدت إن «نقاط القوة في هذا النموذج، هي أنه يصور التقنيات بالتفصيل، وهذا يتيح بدوره تقدير التكاليف المرتبطة بها، وهذا مهم أيضا بالنسبة للمستخدم».
ووضع شميدت وخبراء سيناريو لدعم البطاريات وخلايا الوقود التي تشغل محرك السيارة لوقت قصير فقط. ويتم الدعم المالي في البداية لمدة خمس سنوات، عندها ستتغير الصورة في الشوارع لوقت قصير فقط، في الفترة التي يقدم فيها دعم التكنولوجيات البديلة، لكن التغيير يختفي لأن تلك التكنولوجيات مكلفة للغاية في غياب الدعم. وحتى عام 2030 ستكون غالبية السيارات من النوع الهجين، أي السيارات التي تملك بالإضافة إلى محرك الاحتراق الداخلي التقليدي بطاريات إضافية، الأمر الذي يدعم المحرك ويخفض في الوقت ذاته من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
وفي نموذج المحاكاة الثاني، يضع الخبراء سيناريو يتضمن تخفيضا كبيرا في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون تصل نسبته إلى 54 في المئة، بدلا من نسبة 29 في المئة التي حددها الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الباحثين افترضوا في السيناريو الثاني تمويلا أعلى وطويل الأجل للسيارات التي تعمل بخلايا الوقود، الأمر الذي سيكون له أثر كبير، حيث سيتوقف المستخدمون في العام 2030، عن شراء السيارات ذات المحركات الهجينة، وسيتحول إقبالهم إلى تلك التي تعمل بخلايا الوقود، وأيضا إلى السيارات الكهربائية.
لكن هل سيتضمن التحول المستقبلي بالفعل التخفيض من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون؟ هذا الأمر يعتمد على وجود الإرادة السياسية لإصدار قرارات من شأنها تعزيز سبل النقل الكهربائية، وإصدار قرارات موازية تتضمن فرض عقوبات على كل الانتهاكات التي تتم للقوانين والإجراءات التي تم وضعها بهدف الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وهناك أيضا عاملان آخران، أولهما هو ما إذا كانت الإجراءات التي يتم تنفيذها تراعي جانب الاستدامة، والآخر هو الاتجاه الذي سيتطور فيه التقدم التقني. وبعيدا عن نماذج المحاكاة يقدر شميدت أن ثلاثة أرباع السيارات في عام 2040، ستكون لا تزال مزودة بالمحركات العادية التي تعمل بحرق الوقود، ويشمل ذلك السيارات الهجينة أيضا.
(«دويتشيه فيله»)
إضافة تعليق جديد