«يوم ممطر آخر»: رؤية إخراجية تدعو للتأمل خارج السباق الرمضاني
خلافاَ لما هو سائد في الإنتاج الدرامي السوري، يحسب لدراما »يوم ممطر لآخر«، الذي تعرضه قناة دبي يومياً الثامنة مساء بتوقيت بيروت، إخلاصه للخصوصية السورية المحلية، من دون إغلاق الباب بوجه خصوصية عربية، ساهم في تناغمها مع أحداث العمل طبيعة حياة المجتمع السوري المنفتح.
الحب، الخيانة، الخيبة، هواجس البحث عن الذات، طغيان العلاقات المادية على المشاعر الإنسانية حتى بين الأخوة، الزواج بين منتمين إلى عقيدتين دينيتين مختلفتين، وقضايا شبابية إشكالية أخرى يعيشها الشباب وتؤثر في تشكيل ملامح حياتهم، نجحت الكاتبة الشابة يم مشهدي، في تجميعها درامياً في »يوم ممطر آخر«، عبر حكايات منفصلة ومتصلة. ذلك التجميع بدا بعيداً عن الإثارة المفتعلة، وبمعالجة هادئة تدعو إلى تأمل عميق التأثير، ولاسيما في تناولها مشكلات نساء في العقد الثالث من عمرهن، وتحديداً المتزوجات منهن، وإن بالغت الكاتبة أحياناً في عرض مشكلاتهن على حساب تأثيم رجالهن.
دراما »يوم ممطر آخر« هي الثانية ليم مشهدي بعد تجربتها الأولى »وشاء الهوى«. وفي كلا التجربتين امتلكت الكاتبة قدرة فائقة على نقل الحياة بتفاصيلها. إلا أن العارف بعوالم الكاتبة الشخصية بعيداً عن أوراق مسلسليها وأحداثهما، وهي الصحفية الشابة المنخرطة بالوسط الثقافي الذي يتقاطع كثيراً، حتى في الأسماء، مع ما عشناه من عوالم في المسلسلين، لا بد له ان يتنبأ بأمر من اثنين متناقضين: الأول يبشر بكاتبة درامية تمتلك قدرة هائلة على التقاط شخصياتها من الواقع وإعادة بنائها درامياً، أما الثاني فيوحي بأنها مجرد راوية لأحداث وتفاصيل الحياة الشخصية لأناس تعرفهم جيداً. ويبقى حسم رجحان أي الأمرين رهناً بعمل ثالث للكاتبة، بعيداً عن عوالمها الشخصية.
في »يوم ممطر آخر« بدت المخرجة رشا شربتجي أمينة لخط درامي يخصها وحدها. وهو خط يطرق قضايا إشكالية في المجتمع، تستفز المشاهد وترغمه على مغادرة موقع الحياد منها. هذا الخط بدأته بوضوح مع مسلسل »أشواك ناعمة« وفيه عالجت بالجملة مشاكل فتيات مراهقات، وها هي تعود في »يوم ممطر آخر« وبعد نحو أربع سنوات لتعالج مشكلات صبايا الثلاثينيات، وهي فئة لا تتعاطى معها بقية المسلسلات إلا من زوايا مُقننة.
لكن، يمكن القول بان المخرجة الشابة رشا شربتجي لا تأتي بجديد عما قدمته سابقاً مع أبناء جيلها من المخرجين الشباب. صحيح أن رؤيتها الإخراجية تزداد نضجاً، ولكن لا يمكن إلا ملاحظة البطء في ذلك. ربما كان ذلك خيارها الشخصي. وربما كان لتجربتها الإخراجية المصرية تأثير سلبي على هذا الصعيد. لكنها رغم ذلك تبدو مع المخرج الليث حجو، والمثنى صبح، أكثر استقراراً ووضوحاً في خطهما الإخراجي، والذي ميّزه العمل على التقطيع و الانتقال المستمر بين الممثلين، واعتماد زوايا تصوير متنوعة وصولاً الى التقاط تفاصيل المشهد ووجوه الممثلين حتى حركتهم وسكونهم وصمتهم. ولكن هذا الأمر لا يعفي المخرجة شربتجي من تحمل مسؤولية الوقوع، أحياناً، في شرك المبالغة في بطء الإيقاع.
رشا شربتجي أيضاً في هذا العمل، كما في أعمالها السابقة، تنجح في إدارة حشد عدد كبير من الممثلين، ولا سيما الشباب منهم. تحضر في عملها هذا أسماء عدد كبير من الممثلين الشباب منهم: مكسيم خليل، كندة علوش، وائل رمضان، سلاف فواخرجي، سلاف معمار، لورا أبو أسعد، قمر خلف، صفاء سلطان، قصي خولي، أيمن رضا، سعد مينة، جيهان عبد العظيم.. بالإضافة إلى عدد من نجوم الدراما السورية المكرسين مثل سمر سامي وعبد الهادي الصباغ، إضافة إلى النجوم سلمى المصري، نبيلة النابلسي وآخرين.
العمل لم ينته عرضه بعد، وإن تكشفت ملامحه الفنية والفكرية منذ الآن. ولعل في عرضه المبكر خارج سباق العرض الرمضاني ما منحه فرصة مشاهدته بهدوء. وهي فرصة لن ينالها المسلسل، بالتأكيد، لطبيعته الهادئة لو كان قد عرض في رمضان. حيث الإثارة المقصودة والإبهار المتعمد مطلوبان في زحمة الأعمال الدرامية للفت النظر، ومنذ الحلقات الأولى طبعاً. وهو أمر لم يكن ليتحقق في »يوم ممطر آخر« الذي تدعونا رؤيته الإخراجية لإبطاء الايقاع في المشاهدة والى مزيد من الانتباه و التأمل الهادئ العميق عند متابعة أحداثه.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد