حوار الموسيقى والخط العربي في أمسية دمشقية سمعية بصرية

18-01-2009

حوار الموسيقى والخط العربي في أمسية دمشقية سمعية بصرية

تقديم أمسية حوارية تجمع عازف عود وفنان خطّ، هي محاولة لمغادرة المكان التقليدي للمزاولة الفنية، ودعوة الى مغادرة المكان الجاهز للتلقي. قبل أمسية من هذا النوع، نظمها المركز الثقافي الفرنسي في دمشق مساء أمس، يصير توقع شكلها لعبة تحزير وفضول. كيف سيمكن جمع هذين الفنين؟ وكيف سيتاح تلقيهما معاً؟ بأي آلية ولأي غاية؟من مخطوطات خالد الساعي
على رغم محاولات التخمين، يبقى الامر خارج المتوقع. وسط المسرح استقرت طاولة، ولفافات ورق كرتون مركونة في زوايا عدّة حولها، يُلمح منها انحناءات وأشكال خطوط منفّذة عليها. ما زلنا في حدود الجو العام والاكسسوار. ثم يتربّع عازف العود خالد الجرماني على أرض الخشبة مجاوراً الخطاط خالد الساعي، الذي يفرش عدته وأمامه مساحة الورق البيضاء.
وتأتي الكاميرا لتكون الوسيط الذي يحضر ليكمل دائرة التلقي. كاميرا فيديو ترصد حركة يد الفنان، وتنقل صورتها شاشة عرض كبيرة في أعلى المسرح. المشهد سوريالي بعض الشيء. هنالك يدٌ هائلة على الشاشة، تمر وتترك أثراً بصرياً متغيّراً (لوحة الخط)، وتحتها ليس إلا رجل ينحني على ورقة وآخر يلعب على عوده. يد ضخمة، وثقل بصري لا يمكن تفاديه، فوق مشهد الرجلين الذي لا أثر بصرياً له. في حال كهذه كان من الصعب إزاحة النظر عن الشاشة، ومن تحتها كانوا بحكم المختفين.
غاية هذا الحوار، الذي يقدم للمرة الأولى على المسرح، تبلورت بعد سنوات من المحاولات التي قام بها الفنانان لإيجاد صلات وعلاقات بين فنيهما، وكلاهما صاحب بصمة وخبرة طويلة في مجاله. يقول خالد الجرماني ان صديقه الساعي هو من اقترح الامر نهاية التسعينات من القرن الماضي. وقتها لم يكن «العوّاد» متحمساً للفكرة، اذ كان في باله ان «هذين الفنين يقومان على علاقات الاختزان، فكل شيء تراه وتسمعه ستختزنه وتراكمه وبعدها تعبّر عنه». لكن مبرر الساعي، وملاحظته، حفزا الجرماني على التجريب. والملاحظة مفادها ان «الحرف هو كتابة صوتية أو رمز صوتي، والنوتة الموسيقية هي رمز صوتي، فلماذا لا تعامل مع الحرف على انه نوتة موسيقية؟». ويضيف الجرماني على هذا المقترح، ان هناك «علاقة قوية بين المقامات الموسيقية الشرقية وأنواع الخطوط، فهي تبلورت في الثقافة العربية في الفترة نفسها في العصر العباسي الثاني، وما زلنا نشتغل فيها على قواعد ذلك الزمن نفسه».
وعلى رغم ان المحاولة برمتها هي تجريب، وجد الفنانان ان لا بد من إيجاد نقاط، او قواعد انطلاق له. الانطلاق كان من ايجاد صلات، او سمات عامة حسيّة مشتركة، بين أشكال الخطوط وأنواع المقامات. بين الايقاع البصري لأشكال الخطوط، والايقاع السمعي للمقام. وصلت المحاولات الى ما يشبه استيحاء ترادفات بين الفنين. صار مقام «النهوند» الانسيابي والهفهاف يقابل خط «التعليق» (الفارسي) السلس والانسيابي. وهكذا مقام «العجم» مع الخط «السمنبلي»، ومقام «الرست» ينسجم وخط «الديواني الجلي».
وفي القسم الاول من الامسية، كان العود يقسّم على مقام، والخط يقسّم على الشكل الذي يقابله. واختار الفنانان ابياتاً شعرية محددة لكل فقرة. واذا كان العازف يجد في «التقسيم» على مقام ما مجالاً للتنويع، فإن تنويعات فنان الخط استعانت بذخيرة تجربته الاحترافية المعتبرة؛ ذهب الى تكرار الخط بأكثر من طريقة وحجم، وكذلك التنويع عليها بإبراز جماليات حروف منفردة وسط التشكيل البصري، اضافة الى استخدام الالوان وإيحاءاتها.
أحياناً كان فنان الخط يبدو منفعلاً بالمناخ الحسي للعزف. كنا نرى ايقاع ريشته، على تلك الشاشة الكبيرة، وكأنها تنغّم وتجاوب على اللحن. تواتر سرعة مرور الريشة على الورق، قوة ضربتها او رهافتها، كانت تبدو صدى للعزف. ومرات أخرى كنا نحسّ العازف منفعلاً في تجاوب مع الايقاع البصري للخط. كان ذلك واضحاً احياناً، ومتوارياً متداخلاً في غالبية الأحيان.
المشكلة في كل ذلك هي الإخراج البصري لهذا الحوار. هذا الاخراج جعل التواصل مع الامسية مقتصراً، أو متركزاً، على نافذة الشاشة. صحيح ان المسألة كانت متعلقة بالموسيقى التي ليس من الملحّ معاينة مصدرها، لكن الامر اختصر التجربة الى ما يشبه فيلماً، او لعبة بصرية، وموسيقى مصاحبة. كسر هذا الايقاع البصري قطعة قدمها الجرماني منفرداً على عوده، عنونها «مقام الثلث». هذا الكسر يدفع الى التساؤل: ألا تتحقق الغاية من التجريب الا في حوار مشترك ومباشر؟
هذا الحوار الفني كان مفتوحاً على الارتجال. وفي القسم الثاني من الامسية كانت مساحة الارتجال واسعة وأكثر حرية. كان الحوار بين مقام ما وأكثر من نوع خط يقابله، او اكثر من مقام ينتجان تقابلاً مع اكثر من خط. هذا الارتجال لم يجد ما يقابله في الرؤية البصرية للعرض. فهي جاءت ايجابية الى حد ما بالنسبة الى غاية الحوار الفني، لكنها لم تستلهم فرادة المحاولة من اساسها، أي الذهاب مع التجريب الى تجريب مواز، وتقديم رؤية بصرية تذهب الى ابعد من كونها حلاً تقنياً رتيباً، جعل نظر الجمهور معلقاً طوال الوقت عليها وكأن الفنانين على الخشبة غير موجودين!

وسيم إبراهيم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...