أربع نقاط لتفسيراعتراض الإدارة الأمريكيةعلى مفاوضات اسرائيلية-سورية
الجمل: نشر اليوم مركز دراسات السياسة الخارجية، التابع لمركز العلاقات الدولية الأمريكي تحليلاً من إعداد ستيفن زينوس الخبير الأمريكي في شؤون منطقة الشرق الأوسط، وقد حمل التحليل عنوان (الولايات المتحدة تعترض وتعيق محادثات إسرائيل- سوريا).
تناول تحليل ستيفن زينوس الموضوع من خلال أربعة نقاط، يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• المقدمة:
برغم موافقة المسؤولين الأمريكيين المترددة، خلال الشهر الماضي، بإشراك المندوبين السوريين في المحادثات المتعددة الأطراف المتعلقة بقضايا أمن العراق، فقد استمرت إدارة بوش في اعتراض وعرقلة سبيل إسرائيل لاستئناف المفاوضات مع سوريا.
- في عام 2003 طرحت سوريا استئناف محادثات السلام مع إسرائيل من حيث النقطة التي توقفت فيها قبل ذلك بثلاثة أعوام، ولكن إسرائيل بمساندة إدارة بوش رفضت العرض السوري.
- المحاولات السورية لاستئناف محادثات السلام مع إسرائيل دون شروط مسبقة، تم رفضها أيضاً من جانب إسرائيل بمساندة أمريكا.
- في مطلع عام 2005م، وبعلم الحكومات، بدأت مفاوضان (خاصان) سوري وإسرائيلي بإعداد مشروع مسودة لاتفاقية تنهي الصراع بين البلدين، ولكن إدارة بوش تدخلت وقللت من أهمية الموضوع.
- عقب نهاية حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحزب الله، طالب أعضاء بارزون في مجلس الوزراء الإسرائيلي (من بينهم: عامير بيرتس وزير الدفاع، وعافي ديختر وزير الأمن الداخلي) باستئناف المفاوضات مع سوريا). وبرغم قيام تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية بتكليف أحد كبار مساعديها ليقوم بإجراء التحضيرات اللازمة للمفاوضات المحتملة، فإن المبادرة الإسرائيلية لم تجد أي تأييد أو دعم من واشنطن.
علّقت صحيفة جويش ديلي (صحيفة يهودية إسرائيلية) قائلة بأن إسرائيل على ما يبدو، مستعدة لفتح قناة مع سوريا، ولكنها لا تريد إسقاط إدارة بوش أو إرغامها والتشويش عليها.. كذلك أشارت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بأن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، عندما سألها بعض المسؤولين الإسرائيليين حول إمكانية إجراء محادثات استطلاعية تمهيدية مع سوريا، أجابت قائلة (يجب أن لا تفكروا في مجرد التفكير في ذلك..) وأيضاً أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت أن مسؤولي الحكومة الإسرائيلية (قد فهموا من الرئيس بوش بأن الولايات المتحدة سوف لن تقوم ولا حتى بمجاملة إعادة استئناف الحوار بين إسرائيل وسوريا..).
وبالنسبة لمواقف الزعماء الإسرائيليين فقد أشار ستيفن زينوس إلى أن:
- إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي عبّر عن اهتمامه بأنه من غير اللائق أن تقوم إسرائيل بمعارضة الرئيس بوش في الوقت الذي تتعرض فيه سياساته إلى تحديات داخلية خطيرة، طالما أنه موقف واضح حول هذه المسألة –أي مسألة المفاوضات مع سوريا- وطالما أنه حليف إسرائيل الأكثر أهمية.
- شيمون بيريز، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال بأن (أسوأ شيء يمكن أن نقوم به هو أن نعارض الولايات المتحدة، التي تعارض وترفض التفاوض مع سوريا).
- روني بارون، وزير الداخلية، أخبر مراسل التلفزيون قائلاً: (عندما تكون المسألة الموضوعة على الأجندة، مرتبطة بالإرث السياسي لصديق إسرائيل الأكبر، الرئيس بوش، فهل نحن محتاجون الآن للدخول في مفاوضات مع سوريا!!؟..).
• معاداة المبادرات السابقة:
كانت سوريا وإسرائيل قريبتان من اتفاق السلام في مطلع عام 2000م، فقد وافقت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك على أن تنسحب من أراضي سورية احتلت منذ حرب حزيران 1967م، مقابل موافقة سوريا على ضمانات أمنية قاطعة، وتطبيع العلاقات، وإنهاء الوجود العسكري في مرتفعات الجولان الاستراتيجية، ووقف دعم الجماعات المتطرفة المعادية لإسرائيل. وفقط الخلاف في ترسيم الحدود حول بضع مئات من اليادرات، وقف عائقاً أمام الحل النهائي.
وبعد ذلك يشير ستيفن زينوس إلى الوقائع الآتية:
- رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد في ذلك العام.
- مجيء كتلة الليكود اليمينية إلى السلطة في إسرائيل في الانتخابات التي أعقبت ذلك.
ويقول ستيفن زينوس بأن حدوث هذه الوقائع أدى إلى تعليق المفاوضات إلى أجل غير محدود.
كذلك يشير ستيفن زينوس إلى الوقائع التي أعقبت ذلك، ويقول بأن أبرزها كان قانون محاسبة سوريا الذي أصدره الكونغرس الأمريكي، بأغلبية ساحقة في عام 2003م، وقد نص هذا القانون مطالباً بالآتي:
(يجب أن تقوم حكومتا سوريا ولبنان بالدخول في مفاوضات ثنائية جادة غير مشروطة، مع حكومة إسرائيل، وذلك من أجل تحقيق سلام دائم شامل وكامل).
كذلك شدد الكونغرس والإدارة الأمريكية بأن تدخل سوريا في محادثات جديدة غير مشروطة بدلاً عن استئناف هذه المفاوضات من المواقف التي توصل إليها الطرفان في المفاوضات السابقة، والتي قدم فيها كل طرف تنازلات كبيرة رئيسة، وأصبحا قريبان من النجاح. ويعلّق ستيفن زينوس قائلاً بأن حكومة الولايات المتحدة بقيامها بذلك إنما تكون حقيقة وبالفعل قد رفضت موقف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الأكثر اعتدالاً إيهود باراك، واستبدلت ذلك بتتبع وتقفي الموقف الرافض لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي إيهود أولمرت.
ونتيجة لذلك، أصبح غير واضح كيفية مطالبة الحكومة الأمريكية بأن تدخل سوريا إلى مثل هذه المفاوضات مع سلطة احتلال ترفض بالكامل وقطعياً الانسحاب من أراضيها المحتلة، والكيفية التي يمكن أن يتحقق بها السلام الكامل الشامل الدائم!.
ويخلص ستيفن زينوس قائلاً: بالفعل، الكونغرس والإدارة الأمريكية، على ما يبدو، يريدان إرغام سوريا على الإذعان الكامل والقبول بضم إسرائيل لمنطقة الجولان السورية. وإذا كان –مطلب الكونغرس والإدارة الأمريكية- كذلك، فإنه مطلب غير واقعي. فقد منع وحرم ميثاق الأمم المتحدة صراحة وبوضوح أي بلد من توسيع أراضيه بالقوة، ومن ثم، فإن الاعتراف بالضم –الذي أعلنته إسرائيل- بعد انتهاكها لسلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ولا يمكن أن توجد أي حكومة سورية -حتى وإن كانت حكومة ديمقراطية ليبرالية تعددية حزبية افتراضاً- بتاتاً أن توافق على مثل هذا النوع من الحل.
وليس من المفيد أن يُشدّد الكونغرس والإدارة الأمريكية بأن تدخل كل من سوريا ولبنان في مفاوضات ثنائية مع إسرائيل بدلاً عن مفاوضات متعددة الأطراف. فالمفاوضات متعددة الأطراف طالب ونادى بها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، باعتبار أنها الأجدى والأنفع على خلفية الاهتمامات المتداخلة بين هذه البلدان الثلاثة. وعلى أية حال فقبيل أن يوقع الرئيس بوش على قانون محاسبة سوريا، فقد –حدث- وأن أعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن رغبة سوريا في الموافقة على مطالبات الولايات المتحدة وإسرائيل، واستئناف المفاوضات غير المشروطة مع إسرائيل.
يقول ستيفن زينوس بأن إسرائيل في استجاباتها وردود فعلها أمام مبادرات ونداءات السلام، أعلنت في نهاية عام 2003م بأنها سوف تقوم بمضاعفة أعداد المستوطنين اليهود في منطقة الجولان السوري المحتلة. وقال إيسرائيل كاتز، وزير الزراعة الإسرائيلي، الذي يتولى منصب رئيس لجنة المستوطنات الحكومية، بأن هدف إسرائيل من الإعلان عن مضاعفة أعداد المستوطنين في الجولان، هو تقديم رسالة واضحة بأن منطقة الجولان تمثل جزءاً متكاملاً لا يتجزأ من إسرائيل. ويعلق ستيفن زينوس بأن نزعة الاستعمار المتجددة –المتمثلة في إعلان إسرائيل وتصريح وزيرها حول الجولان- تمثل انتهاكاً مباشراً لمعاهدة جنيف الرابعة، التي تمنع وتحرم أية قوة احتلال من القيام بتحويل ونقل سكانها المدنيين إلى المناطق والأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة العسكرية، وقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 446، 452، 465، 471، التي طالبت إسرائيل بالامتناع عن بناء المستوطنات الإضافية والانسحاب من المستوطنات الموجودة.
• الرأي العام الإسرائيلي يتحدى بوش:
يقول ستيفن زينوس بأنه داخل إسرائيل يوجد وعي متزايد بأن عملية إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا لن تلحق الضرر بالأمن الإسرائيلي، وإذا كان الاحتفاظ بالأراضي المرتفعة يشكل ميزة استراتيجية قبل أربعين عاماً مضت، فإن الأمر أصبح أقل أهمية في الوقت الحالي الذي أصبحت فيه مصادر الخطر والتهديد الذي تواجهه إسرائيل متمثلة في التفجيرات الانتحارية والصواريخ طويلة المدى، وأكد على صحة هذه الحقيقة، قائد الجيش الإسرائيلي ورئيس الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال موشي إيعالون، الذي قال بأن إسرائيل وفقاً للمنظور الاستراتيجي يمكن أن تتخلى عن مرتفعات الجولان مقابل السلام والحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياً والتي يمكن الدفاع عنها بنجاح.
يقول ستيفن زينوس بأن مطالبة سوريا باستئناف محادثات السلام، أدت إلى رفع الضغط المتنامي داخل إسرائيل، من أجل استئناف المفاوضات، وقد أكدت استطلاعات الرأي بأن أغلبية الإسرائيلييين يؤيدون هذه الجهود. وأيضاً تحدث آلون بن مائير بروفيسور العلاقات الدولية بمركز الشؤون العالمية التابع لجامعة نيويورك، عن الحاجة إلى التفاهم والتعامل مع سوريا، (وإذا لم يخسر فرصة تاريخية في التوصل إلى إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو الأمر الذي على أية حال سوف يحدث..).
كذلك هناك اعتراف أيضاً من قبل العديد من الإسرائيليين بأن استئناف الحوار مع دمشق سوف يؤدي إلى تقليل نفوذ إيران الإقليمي، ويضعف تهديد حزب الله، ويحسن علاقات إسرائيل مع البلدان العربية الأخرى، ويشجع الأصوات الفلسطينية الأكثر براغماتية على النحو الذي يصف المتطرفين الفلسطينيين.
ويشير ستيفن زينوس إلى حديث داني ياتمون الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، والذي قال فيه: (عندما تكون هناك مفاوضات مع سوريا، حينها يتغير ويتبدل كل شيء في الشرق الأوسط.. ويمكن لنا البدء بتجديد الروابط مع البلدان العربية الأخرى..).
وآخر نقطة تعرض لها ستيفن زينوس في تحليله حملت عنوان (وضع سوريا داخل المصيدة)، وذلك في محاولة منه للسخرية من توجهات الكونغرس والإدارة الأمريكية إزاء سوريا.
وقال ستيفن زينوس بأن قانون محاسبة سوريا عام 2003م، الذي تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة في الكونغرس الأمريكي قد اشترط منع وتحريم تقديم أية مساعدة أمريكية لسوريا إلا إذا حدد الرئيس الأمريكي حصراً أمام الكونغرس بأن ثمة تقدماً قد تم إحرازه في المفاوضات الهادفة إلى تحقيق اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل، ومن سخرية القدر –كما يقول ستيفن زينوس- أن يحدث الآتي:
- أن الإدارة الأمريكية –وليست سوريا- هي التي تعرقل وتعويق وتعترض سبيل مفاوضات السلام التي طالب بها القانون بين سوريا وإسرائيل.
- أن الرأي العام الإسرائيلي أصبح يرفض أن تقوم إسرائيل بشن حرب ضد سوريا نيابة عن أمريكا.. وهي الحقيقة التي كشفتها الصحف الإسرائيلية للرأي العام العالمي والإسرائيلي، عندما تحدث عن مطالبة إليوت ابراهام (مستشار الأمن القومي الأمريكي) وحديث ميعراف فورمزر زوجة ديفيد فورمزر مستشار ديك تشيني الأول لشؤون الشرق الأوسط.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد