إسرائيل تستعد للحرب ... وتخشى تجربة لبنان
يبدو أنّ المواجهة في غزة قد باتت مسألة وقت بعدما اتخذت الحكومة الإسرائيلية، أمس، قرارها بشن اعتداءات ضد القطاع المحاصر، من دون ان تحدد حجمها أو موعدها، وسط خلافات حادة عكستها تصريحات نارية أطلقها أكثر من مسؤول إسرائيلي، طالت بشكل خاص وزير الدفاع إيهود باراك، ومخاوف من تكرار تجربة حرب لبنان الثانية. وذكرت مصادر إسرائيلية أنّ الحكومة أعطت جيش الاحتلال الضوء الأخضر لقصف مواقع متعددة داخل القطاع، إضافة إلى المواقع التي تطلق منها الصواريخ الفلسطينية، من دون أن تقر شن عملية عسكرية واسعة النطاق، قبل رصد التطورات على أرض الواقع.
يـأتي ذلك، في وقت بدأت تلوح أزمة خبز في غزة مع نفاد الدقيق من الأسواق وتوقف غالبية المخابز عن العمل جراء الحصار. وقال رئيس جمعية أصحاب المخابز الفلسطينية، عبد الناصر العجرمي، في تصريح له أمس الأحد إن مخابز قطاع غزة ستتوقف عن العمل كليا خلال يومين على الأكثر إذا استمرت إسرائيل في إغلاق المعابر، في وقت نجحت »سفينة الكرامة« في خرق الحصار للمرة الخامسة، حاملة على متنها وفداً قطرياً .
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقيل إيهود أولمرت، في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته، إنّ »حكومة مسؤولة لا تتعامل بتسرع مع فكرة شن حرب لكنها لا تستبعدها. بالتالي سنتخذ الإجراءات اللازمة«. لكن صحيفة »يديعوت أحرونوت« نقلت عنه أن »دمه يغلي عندما يتصلون به ليبلغوه ليلاً عن سقوط صاروخ في سديروت«، مشيراً إلى أنه »يجب الرد عسكرياً على غزة«، لكنه رأى أنّ »تصريحات
الوزراء الداعية لاجتياح القطاع لا فائدة منها و تلحق الضرر بصمود سكان سديروت وجنوبي إسرائيل«.
من جهته، اعتبر باراك أنه »لن يكون بالإمكان تقويض حكم حماس في قطاع غزة من دون إعادة احتلال القطاع«، مشيراً إلى أنه أصدر تعليماته للجيش بإعداد خطة للرد على الهجمات الصاروخية المنطلقة من القطاع، لكنه أكد أنّ »صيحات الحرب مضرة وغير مجدية«.
أمّا نائب رئيس الحكومة حاييم رامون فاعتبر أنّ سياسة باراك »باءت بالفشل الذريع وهي تمس بسكان جنوب إسرائيل بصورة خطيرة، كما أنها تلحق بإسرائيل أضرارا سياسية جسيمة«، فيما رأى الوزير عن حركة »شاس« إيلي يشاي أن »يدي إسرائيل مقيدتان حاليا ويجب وضع حد لذلك واتخاذ قرارات عملية بشأن كيفية التصدي للإرهاب«، في حين قال الوزير اسحق هرتزوغ إنه إذا لم توقف حماس إطلاق الصواريخ فإنّ »توجيه ضربة لغزة أمر سيحدث وستكون شاقة ومؤلمة«.
من جهته، تساءل وزير المواصلات شاؤول موفاز »ماذا ينتظر باراك أن يحدث أكثر للرد؟«، فيما اعتبر وزير الداخلية مئير شطريت أنّ »الجيش يتلكأ ويجب عليه الدخول إلى القطاع من دون أي قيود«.
بدوره، أكد زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو دعمه للحكومة في حال قررت شن عدوان على غزة، فيما اعتبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أن »على إسرائيل ان تسقط حكم حماس وستفعل حكومة بقيادتي ذلك«.
وفيما يتوقع أن يشكل الوضع في غزة بنداً رئيسياً على جدول أعمال الحكومة الأمنية المصغرة بعد غد الأربعاء، ذكرت مصادر إسرائيلية أنّ اجتماعا سريا عقد بين باراك وأولمرت، أمس الأول، انتهى بالاتفاق على ثلاثة أمور هي »تهيئة الظروف الميدانية قبيل شن أي هجوم على غزة، وتحقيق مظلة دولية لتبرير الهجوم، واستمرار الهجمات والردود الفورية في الوقت الراهن«.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مسؤول أمني أن الجيش لن يستعجل في البدء بعملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع، غير أنه سيمارس ضغوطا عسكرية على قيادة حماس، مشيراً إلى أنّ »القرارات ستتخذ بناءً على التوصيات التي سيقدمها المستوى العسكري الميداني لا لإرضاء جهة ما«، وهو ما أكده رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع عاموس جلعاد الذي قال إنّ »إسرائيل تعد العدة للرد على ممارسات وتهديدات حماس«، لكنه أوضح أنّ »تحديد توقيت وحجم هذا الرد سيتخذ في الوقت الملائم«.
بدوره، حذر رئيس جهاز الأمن الداخلي »شين بيت« يوفال ديسكين من احتمال ان تطال الصواريخ الفلسطينية مدينة بئر السبع، مشيرا الى ان حماس طورت مدى صورايخها. وأضاف أنه »لا يوجد قرار لدى حماس باستخدام كل قوة الرد (التي بحوزتها) ونحن نقدر أنهم سيقررون استغلال مستوى جهوزيتهم العالي فقط في حال تراكمت ظروف تبرر رد فعل أوسع«.
ورأى ديسكين أن حماس مهتمة باستمرار التهدئة لكنها تريد تحسين شروطها«، مشيراً إلى أنّ »هناك جهات دولية أخرى تحاول التوسط من أجل إعادة التهدئة إلى حالها«.
من جهتها، نقلت صحيفة »جيروزاليم بوست« عن مصادر عسكرية إسرائيلية القول إن الجيش مستعد لغزو قطاع غزة، إذا اقتضى الأمر ذلك، مشيرة إلى أنّ القوات الإسرائيلية تتهيأ لسيناريوهات واسعة النطاق بانتظار تعليمات الحكومة. وأوضحت المصادر »لدينا خطط تتراوح بين غزو قطاع غزة الى مداهمات دقيقة ضد المجموعات التي تطلق الصواريخ، لكن في نهاية الأمر سننفذ ما سيطلب منا«.
أما المحلل العسكري في صحيفة »يديعوت أحرونوت« اليكس فيشمان فاعتبر أنّ ما يمنع القادة الإسرائيليين من شن عملية واسعة في القطاع هو »تخوفهم من تورط عسكري على غرار لبنان مع خسائر كبيرة في صفوف قواتنا ونتائج سياسية مشكوك بها وإلحاق ضرر آخر بقدرة الردع والمس بصورة إسرائيل أمام العالم«.
وأضاف فيشمان أن »حماس« تدق الطبول، وعندنا يلتف القادة بالبطانيات ويُصلون طلبا لسقوط المطر لعل الطقس ينقذهم من اتخاذ القرار بالبدء في الاشتباك«، مشيراً إلى أنّ »القيادة الإسرائيلية تتخوف من التورط العسكري على النمط اللبناني، مع خسائر فادحة لقواتنا، ونتائج سياسية مشكوك فيها«.
ميدانياً، استشهد المقاوم في كتائب شهداء الأقصى علي عليان حجازي (٢٤ عاما) في غارة جوية على منطقة جباليا شمالي القطاع، هي الأولى منذ انتهاء التهدئة، فيما أصيبت امرأة وطفلان بقصف مدفعي على منطقة قريبة من المدينة الصناعية في إيريز شمالي غزة. فيما نجت مجموعة من المقاومين من قصف مدفعي على بلدة بيت حانون. كذلك قصفت مروحيات عسكرية إسرائيلية منطقة تلة قليبو شمالي قطاع غزة من دون وقوع إصابات.
وأعلنت فصائل فلسطينية عدة أنها أطلقت مجموعة من الصواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل، فقد تبنت »كتائب شهداء الأقصى ـ مجموعات الشهيد أيمن جودة« إطلاق خمسة صواريخ على المجدل وعسقلان وسديروت، فيما أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي إطلاق ١٢ صاروخاً على أشكول وسديروت وعسقلان.
ومساء شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات متفرقة على وسط وشمال وجنوب القطاع أسفرت عن إصابة أربعة فلسطينيين بجروح.
وذكرت مصادر فلسطينية أنّ قيادة حركة حماس بدأت باتخاذ إجراءات وقائية تحسبا لحملة اغتيالات إسرائيلية موسعة ضدها في أعقاب التهديدات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون. وذكرت المصادر أن قيادة حماس بدأت النزول إلى الأرض وممارسة نشاطها بشكل أقرب إلى السرية بعد أن تحركت بصورة علنية لمدة ستة أشهر منذ بداية التهدئة.
وقال فوزي برهوم المتحدث باسم الحركة: »نحن أمام عدو ومواجهة وعدوان واسع، وهذا الأمر يحتاج إلى اتخاذ جميع الإجراءات للبقاء في الميدان إلى جانب المقاومة«.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد