اثبتوا... فالحرس الجمهوري السوري لن يتراجع

23-05-2014

اثبتوا... فالحرس الجمهوري السوري لن يتراجع

الجمل- محمد صالح الفتيح:

بحلول العام 1815 كانت الامبراطورية الفرنسية بقيادة نابليون بونابارت قد وصلت إلى قمة عظمتها، وتوسعت حدودها بعد أن انتصر نابليون على كل أعدائه الذين حاربوه مراراً واجتمعوا عليه مرات عديدة في أحلاف عسكرية شملت في كل مرة ثلاث أو أربع جيوش أوربية لا تلبث أن تلقى الهزيمة أمامه في النهاية. كانت انتصارات نابليون العسكرية فريدة من نوعها؛ ففي جميع معاركه، تقريباً، كانت قواته تواجه قواتاً تفوقها عدداً وعدةً، ولكنها تنتصر بالرغم من ذلك. كانت الروح المعنوية العالية هي ما ميز الجيش الفرنسي وهي ماعول عليه نابليون وقادة جنوده لتحقيق النصر في كل مرة. ولذلك كان يطبق دوماً خططاً عسكرية جريئة غير مسبوقة يعتمد نجاحها بالدرجة الأولى على شجاعة الجنود والقادة لضمان النصر.
لعل هذه الشجاعة هي ماتفسر كيف أن أحداً اليوم لا يتذكر أسماء خصوم نابليون بينما يعرف الجميع نابليون ويتذكرون أسماء بعض قادته ويتداول كثيرون أقوالاً مشهورة له حول المعارك العسكرية وسبل النصر في الحرب. ولعل الشيء الفرنسي الوحيد الذي يقارب نابليون في خلود الذكر هو حرس نابليون المعروف باسم «الحرس القديم» وهم مجموعة النخبة في الجيش الفرنسي من مخضرمي الحروب السابقة والذين اختارهم نابليون ليكونوا حرسه الخاص، على نحو شبيه بالحرس الامبراطوري الروماني، وكانوا دوماً رأس الحربة في أي معركة.
هكذا كان حال نابليون وفرنسا حتى تحالف أعداؤه الإنكليز والهولنديون والبروسيون (سكان بروسيا وهي إقليم في ألمانيا الحالية) وبعض الدويلات الأوربية الصغيرة الأخرى فيما عرف باسم الحلف السابع الذي جمع جيوشاً تتفوق بالحجم على جيش نابليون بقرابة الضعف. وسرعان ماحصلت المواجهة العسكرية بين قوات نابليون وقوات الحلف السابع في واحدة من أشهر المعارك وأكثرها فصلاً وتغييراً لمسار التاريخ: «معركة واترلو». في تلك المعركة الحاسمة واجهت قوات نابليون قواتاً تفوقها عدداً جمعت من دول أوربية كثيرة وبدأت معركة طويلة كان «الحرس القديم» في واجهتها يصد هجمات الإنكليز والهولنديين وسواهم، بشجاعة، متحملاً خسائر فادحة طوال ذلك النهار – 18 حزيران 1815 – حتى إذا حل مساء ذلك اليوم الدامي انكفأت قوات «الحرس القديم» متراجعة أمام ضربات البروسيين؛ وما إن تراجعت قوات النخبة حتى انتشر الذعر في صفوف جنود الجيش الفرنسي وسرعان ما أصبحت هناك جملة واحدة يرددها الجنود الهاربون أمام القوات المتقدمة: La Garde recule. Sauve qui peut! – أي "الحرس يتراجع. انقذوا أرواحكم!". وهكذا وقعت هزيمة واترلو التي أطاحت بنابليون بشكل نهائي. مساجين في سجن حلب المركزي يحتفلون امس بدخول الجيش السوري اليه (رويترز)
منذ ذلك الحين أصبحت تلك المقولة الفرنسية – La Garde recule. Sauve qui peut! (1) – خالدة في التاريخ العسكري وكثيراً ما استفاد منها القادة العسكريون في محاربة خصومهم وفق قاعدة بسيطة: إذا كان لدى خصمك قطعة عسكرية ما تشتهر بالشجاعة أو تمتلك صيتاً بين جنود خصمك فسارع بمهاجتمها فأي تراجع لها سيكون له صدى معنوي هائل يثير الرعب في باقي صفوف الخصم ويضمن النصر بثمن يسير مقارنة بمهاجمة كامل قوات الخصم.
طبقت هذه الخطة عندما هاجم الحلفاء القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية حيث ارتكزت الهجمات على قوات «فيالق الدفاع المسلحة» –  Waffen Schutzstaffel – الألمانية وهي قوات النخبة التي قادت الحملات الألمانية على بولندا وتشيكسوفاكيا وفرنسا وغيرها. وبنجاح قوات الحلفاء بإجبار هذه القوات على التراجع في أكثر من موقعة بعد إنزال نورماندي في فرنسا، تهاوت الروح المعنوية لباقي الفرق في الجيش الألماني وأصبح الانتصار عليه أمراً يسيراً.
مرة أخرى في العصر الحديث، وخلال حروب الخليج بدايةً بعملية «عاصفة الصحراء» 1990 وصولاً لغزو العراق – «عملية الحرية الدائمة» 2003 – ومابينهما، كان الهدف الأول لقوات التحالف هو قوات «الحرس الجمهوري العراقي» التي صنعت سمعتها الرهيبة خلال الحرب الدامية الطويلة مع إيران حيث كانت رأس الحربة دوماً في الهجوم والدفاع. وهكذا عندما بدأ التحضير لتحرير الكويت أدرك القادة الأمريكيون أن أول مايجب القضاء عليه هو قوات «الحرس الجمهوري العراقي» وذلك لأن سمعة تلك القوات تشكل "ثغرة بالغة الأهمية. إذ أن تدميرها أو أي هزيمة قاسية تلحق بها، قد يصيب باقي وحدات الجيش بصدمة معنوية هائلة تؤدي إلى تسريع تفككه وانهياره"(2). وهكذا تلقت وحدات «الحرس الجمهوري العراقي»، في كل المرات، الضربات الأولى والضربات الأشد، وتحققت التوقعات الأمريكية وخصوصاً عندما سقطت بغداد بعد أقل من ثلاثة أسابيع على الغزو الأمريكي لها.
يبدو إذاً أن تلك المقولة العسكرية صحيحة: استهدف وحدات النخبة التي سرعان ماستنهار أمام الهجمات المركزة لينهار معها الجيش بأكمله. ولكن مرة أخرى يأتي رجال الجيش العربي السوري ليخطوا مآثر عسكرية تثبت أنهم استثناء من كل قاعدة. رجال الحرس الجمهوري السوري، وبعد ثلاث سنوات من القتال في طول أراضي الجمهورية وعرضها، وبالرغم من كل التضحيات، يثبتون أنهم الاستثناء لكل القواعد العسكرية ويثبتون أنهم لن يكونوا سبباً لانهيار معنويات أحد في سورية سواء من الجيش أو الشعب. باقي رجال الجيش العربي السوري والقوى الأمنية – ورجال سجن حلب المركزي الذين فك حصارهم اليوم – يثبتون أنهم ليسوا أقل من رفاقهم في الحرس الجمهوري ويثبتون أنهم هم أيضاً لن يكونوا عبئاً معنوياً على رفاقهم هؤلاء، بل أنهم سيكونون السند والسياج الحامي لسورية وشعبها. رجال سجن حلب المركزي اليوم هم مثال على رجال آمنوا وصمدوا أمام الحصار لأكثر من عام ونصف العام، وما استسلموا ولاخرجوا يستغيثون ولا انسحبوا كالجرذان في الحافلات الخضراء.
اليوم يجب تعديل المقولة الفرنسية لتصبح: اثبتوا... فالحرس الجمهوري السوري لن يتراجع؛ بل الصحيح أن نقول أيضاً: اثبتوا... فليس في سورية من يتراجع.

الملاحظات:
(1) هذه هي العبارة بالفرنسية التي كانت مستخدمة في ذلك الحين وهي المذكورة في كل المراجع التاريخية بالرغم من أنها اليوم تكتب بطريقة مختلفة باللغة الفرنسية المعاصرة.
(2) صفحة (150) من كتاب "حرب الخليج: الملف السري" للمؤلفين الفرنسيين "بيار سالنجر" و "إريك لوران"

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...