الآفاق المستقبلية للصراع اللبناني بين السلطة والمعارضة
الجمل: تمثل الحرب الباردة حالة من مكاسرة الإرادات، التي لا تستخدم فيها المواجهات العسكرية بين أطراف الصراع، وتتميز مكاسرة الإرادات في الحرب الباردة، بوجود الحلفاء والوكلاء، وتزايد المناورات وعمليات التصعيد بين الأطراف الداخلية والخارجية.
• الحرب الباردة ومعطيات الخبرة اللبنانية:
تفاعلات أجواء الحرب الباردة، والساخنة أيضاً، هي ليست جديدة على البيئة السياسية اللبنانية، فقد عاش لبنان هذا الوضع عدة مرات خلال فترة الستين عاماً الماضية التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد استطاعت القوى السياسية اللبنانية وضع حسابات الأطراف الخارجية موضع الاعتبار في أجندة الصراعات اللبنانية الداخلية.. وتستخدم القوى السياسية اللبنانية عملية التعاون من جهة، والصراع من الجهة الأخرى كأسلوب أساسي لخوض الصراع الداخلي اللبناني.
• أطراف الصراع اللبناني:
توجد حالياً ثلاثة أنواع من الأطراف في الصراع:
- أطراف لبنانية: على أساس الكتل السياسية وتتمثل في الأطراف اللبنانية: حزب الله وحركة أمل وحلفاؤهما من جماعات المقاومة اللبنانية، وقوى 14 آذار وحلفاؤها. أما على أساس الكيانات الرسمية، فتتمثل في السلطة التنفيذية (حكومة السنيورة) ورئاسة الجمهورية بقيادة الرئيس اميل لحود.
- أطراف إقليمية: وتتمثل في سوريا، الأردن، السعودية، إيران، وبدرجة أقل مصر، وبعض البلدان الخليجية الأخرى. إضافة إلى الجامعة العربية.
- أطراف دولية خارجية: وتتمثل في الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وإسرائيل، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
• إدارة الصراع:
الصراع الأساسي في المنطقة هو الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو صراع تحاول إسرائيل بمساندة أمريكا، الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة عليه من أجل تحقيق الأهداف الآتية:
- محاصرة سوريا وتشديد الضغوط عليها من أجل التنازل والقبول بالهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.
- إضعاف إرادة كل قوى المقاومة اللبنانية بما يتيح لإسرائيل احتلال وضم نصف مساحة لبنان، خاصة أراضي جنوب لبنان والتي يعتبرها الإسرائيليون جزءاً أساسياً من أراضي مملكة الرب (هرمجدون)، والتي يجب أن تكون حصراً تحت تصرف اليهود.. (وقد أشار إلى هذه الحقيقة الزعيم الإسرائيلي ارئيل شارون في مذكراته).
- استخدام لبنان كنقطة ارتكاز عن طريق إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في أراضيه (ونلاحظ أن القاعدة الأمريكية المقترحة موقعها في شمال لبنان بالقرب من طرابلس، وليس في جنوب لبنان، لأنه مخصص لإسرائيل).. وذلك من أجل الانطلاق لتوسيع نطاق الحرب والاحتلال في الفترات القادمة.
• الأطراف المستهدفة عن طريق الصراع اللبناني هي:
- أطراف داخلية: حزب الله، حركة أمل.
- أطراف إقليمية: سوريا، إيران، حركات المقاومة الفلسطينية.
- أطراف دولية: روسيا، والصين (وذلك عن طريق إغلاق منطقة شرق المتوسط أمام تمدد النفوذ الروسي والصيني).
• وسائط وآليات الصراع اللبناني الحالي:
نلاحظ في الوسائط والآليات المستخدمة حالياً في الصراع اللبناني أن حكومة السنيورة وقوى 14 آذار أصبحت تقوم بدور مزدوج، فهي طرف للصراع، ولكنه طرفاً ثانوياً يقوم بدور التابع للطرف الرئيس في الصراع والمتمثل في إسرائيل، أمريكا، وفرنسا.. لذلك فقد تحولت حكومة السنيورة من طرف في الصراع إلى آلية من آليات الصراع.. وتتمثل آليات الصراع في الآتي:
- الآليات الاقتصادية: وتتمثل في (مؤتمرات باريس للمانحين، والمملكة ا لعربية السعودية وبلدان الخليج) وذلك باعتبار أن أموال هذه الأطراف أصبحت تمثل (الجزرة) التي تستخدمها أمريكا وإسرائيل لجذب وإغراء الحلفاء اللبنانيين.
- الآليات السياسية: وتتمثل في (مجلس الأمن الدول)، (الاتحاد الأوروبي)، و(حكومة السنيورة)، و(قوى 14 آذار) باعتبارها تقوم بدور (العصا) التي تستخدمها إسرائيل وأمريكا وفرنسا في الصراع اللبناني ضد سوريا، وإيران، وقوى المقاومة اللبنانية الوطنية.
- الآليات الاجتماعية: وتتمثل في توظيف الهياكل الطائفية اللبنانية من أجل تصعيد الخلافات بينها بهدف تقويض وتوتير الروابط والعلاقات الاجتماعية اللبنانية.. وصولاً الى مرحلة ضرب النسيج الاجتماعي اللبناني.. وبكلمات أخرى: أن تتحول العلاقات البينية المسيحية- السنية- الشيعية إلى علاقات عدائية، تساعد أكثر فأكثر في إذكاء وقود نار الخلافات والصراعات السياسية بين الحركات والقوى السياسية اللبنانية.
- الآليات العسكرية: وتتمثل في القيام بتدريب وتسليح الفصائل والميليشيات اللبنانية التي لا تعادي إسرائيل، وذلك من أجل استخدامها في أقرب فرصة في عملية القضاء على حزب الله وحركة أمل وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية.
- الآليات الاستخبارية: وتتمثل في شبكات التجسس والعملاء التابعين للموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الذين ظلوا ينشطون أكثر فأكثر بدءاً من لحظة قيامهم باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ومواصلة عملياتهم السرية باغتيال المزيد من الشخصيات اللبنانية البارزة بعد ذلك.
• إدارة الصراع:
يقوم الثلاثي (إسرائيل، أمريكا، فرنسا) حالياً بإدارة الصراع اللبناني، وفقاً لمسارين، هما:
- المسار الهيكلي: وهو مسار مؤسساتي تتحرك فيه بتنسيق كامل حكومة السنيورة مع الاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن الدولي ووزارة الخارجية الأمريكية، وذلك بهدف تنفيذ أجندة الصراع المرحلية على الأرض، ومن أبرزها:
* المحكمة الدولية (الإجراء يستهدف سوريا).
* نزع سلاح حزب الله (الإجراء يستهدف إيران، وسكان جنوب لبنان).
* توسيع مهام القوات الدولية (الإجراء يستهدف سوريا، وإيران، وحزب الله).
- المسار الوظيفي: وهو مسار عملياتي، ويعتمد بقدر كبير على الإعلام اللبناني والإقليمي والدولي الموالي لإسرائيل وأمريكا، إضافة إلى عمليات الحرب السرية الناشطة داخل لبنان حالياً تحت الإشراف المباشر لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وجماعة المحافظين الجدد وحلفائهم داخل لبنان.
• الآفاق المستقبلية للصراع اللبناني:
توجد ثلاثة سيناريوهات محتملة لمآل الصراع اللبناني:
- السيناريو الأسوأ: وهو أن تنجح قوى الاستهداف في تنفيذ أجندة الصراع الممثلة في المحكمة الدولية، ونزع سلاح حزب الله، وتوسيع مهام القوات الدولية في لبنان، وهذا السيناريو ضعيف الاحتمالات، لذلك فهو الأقل قابلية للتحقق بسبب المعطيات الميدانية.
- السيناريو الأفضل: ويتمثل في فشل قوى الاستهداف في تنفيذ بنود الأجندة الثلاثة، وهو السيناريو الصعب تنفيذه حالياً، والسهل تنفيذه بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، في حالة خسارة المتشددين الجمهوريين وفوز الديمقراطيين أو المحافظين التقليديين الجمهوريين بالرئاسة الأمريكية، وهي نتيجة إن حدثت فسوف يترتب عليها فشل المخطط بالكامل.
- السيناريو الوسط: ويتمثل في استمرار النزاع والصراع على ملفات الأجندة الثلاثة، على نحو يأخذ صيغة لا خاسر، ولا رابح، سوى طرف واحد، هو حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، وذلك لأن الرأي العام اللبناني سوف يدرك تماماً أبعاد الصراع الدائر حالياً على أرضه، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تقليل شعبية حكومة السنيورة وقوى 14 آذار.
وعموماً: سوف تلعب نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية دوراً هاماً في تحريك ديناميكيات الصراع اللبناني، وذلك لان فوز نيكولاس ساركوزي سوف يعطي دفعة قوية لتنفيذ مخطط الأجندة الإسرائيلية- الأمريكية داخل لبنان، وهذه الدفعة سوف يترتب عليها نشاط أكبر من جانب قوى المقاومة الوطنية اللبنانية، وتكثيف عملها المقاوم لقوى 14 آذار وحكومة السنيورة، ونجاح المقاومة في ذلك سوف يترتب عليه إضعاف النفوذ الفرنسي بقدر كبير إن لم يكن إخراج فرنسا بالكامل من المنطقة في لبنان خلال المراحل المستقبلية القادمة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد