الأبعاد غير المعلنة في الدبلوماسية الوقائية النووية الشرق أوسطية
الجمل: شهدت الأعوام الأربعة الماضية جهود دبلوماسية أمريكية – أوروبية مكثفة لدفع إيران وكوريا الشمالية للتخلي عن برنامجيهما النوويين، وعلى هذه الخلفية ولما كانت طبيعة الأنشطة الدبلوماسية تتوزع وتتعدد بحسب خصوصية مجال واتجاه عمل الجهد الدبلوماسي الرئيس والفرعي، فإنه يمكن القول أن ثمة مجالاً دبلوماسياً نوعياً جديداً أصبحت معالمه وخطوطه البارزة تتضح أكثر فأكثر وهو: الدبلوماسية الوقائية النووية.
* هل يكون الشرق الأوسط حقل الدبلوماسية الوقائية النووية؟
تفترض أدبيات علم الصراع السياسي – العسكري أن ديناميات الصراع، أي صراع، تتضمن مسارين متبادلين هما:
• مسار التصعيد: والمقصود هنا بالنسبة للبرامج النووية هو المضي قدماً في تطوير البرامج النووية لجهة الحصول على الرؤوس الحربية غير التقليدية.
• مسار التهدئة: والمقصود هنا بالنسبة للبرامج النووية هو إما التخلي عن تطوير البرامج النووية أو حصر أهدافها في مجالات الأغراض السلمية – المدنية.
تشير معطيات الخبرة التطبيقية أن إدارة بوش الجمهورية السابقة سعت باتجاه استخدام الدبلوماسية الوقائية النووية لاستهداف خصوم إسرائيل في المنطقة وعلى وجه الخصوص سوريا وإيران والعراق وليبيا، هذا ومن أبرز وسائل الدبلوماسية الوقائية النووية التي استخدمتها إدارة بوش نلاحظ ما يلي:
• آلية الرصد المكثف عن طريق استخدام وسائط التجسس الفضائي وجمع المعلومات الاستخبارية الميدانية إضافة إلى تزويرها في الكثير من الأحيان.
• آلية التدخل الوقائي عن طريق إرسال المفتشين الدوليين التابعين على المستوى المعلن لوكالة الطاقة الذرية وعلى المستوى غير المعلن لأجهزة المخابرات الأمريكية.
• آلية التحركات السياسية عن طريق جمع الأطراف السياسية الحليف لواشنطن لبناء تحالفات تتذرع بشعارات مواجهة الخطر النووي الإيراني وغيره.
• آلية استخدام وسائط الإنذار المبكر عن طريق تجميع أو فبركة المعلومات التي تفيد لجهة بناء الذرائع ضد الطرف المستهدف.
• آلية تنسيق الجهود لجهة ترتيب سيناريو تدخلي تشارك فيه العديد من الأطراف الدولية والإقليمية.
• آلية الوسائط المؤسسية عن طريق استخدام المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن الدولي ووكالة الطاقة الذرية.
• آلية التدخل لعسكري عن طريق استخدام القوة تحت مبررات القضاء الاستباقي على الخطر النووي.
حالياً، وبرغم مغادرة إدارة بوش فإن الدبلوماسية الوقائية النووية ما تزال فاعلة وناشطة في المسرح الشرق أوسطي وآخر التحركات التي تندرج ضمن هذه الدبلوماسية هو اللقاء المشترك الذي تم خلال اليومين الماضيين بين مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال جيمس جونيز ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي عوزي عاراد وما تضمنه من تفاهم وتنسيق أمريكي – إسرائيلي مشترك حول مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
* إشكالية الدبلوماسية الوقائية النووية: بين الواقعية والمثالية:
يعتمد رهان المذهبية الواقعية في الدبلوماسية على مواجهة الوضع القائم والتعامل معه بشكل عملي واقعي، بينما يعتمد رهان المذهبية المثالية في الدبلوماسية على محاولة إرغام الواقع على قبول النموذج المعد سلفاً.
وتأسيساً على ذلك تضمنت إسقاطات المذهبية الواقعية والمثالية على الدبلوماسية الوقائية النووية الشرق أوسطية الكثير من المثالية والقليل من الواقعية وبكلمات أخرى، إذا كانت هذه الدبلوماسية تسعى إلى التعامل مع البرنامج النووي الإيراني باعتباره أمراً واقعاً فإن هناك قدراً كبيراً من المثالية والتي تبدو أكثر وضوحاً في الجهود الإسرائيلية الرامية لفبركة التقارير وتقديم التقارير المضللة الهادفة إلى إيهام المجتمع الدولي والرأي العام الدولي أن خصوم إسرائيل في المنطقة يتعاونون بشكل حثيث لبناء البرامج النووية مما يتيح لهم الحصول على الرؤوس الحربية النووية الكافية لتدمير إسرائيل.
* الأبعاد غير المعلنة في الدبلوماسية الوقائية النووية:
تتمثل الأبعاد غير المعلنة في الدبلوماسية الوقائية النووية الشرق أوسطية في الاعتبارات المتعلقة بالآتي:
• تعبئة وحشد قدرات المجتمع الدولي للقيام باستهداف خصوم محور واشنطن – تل أبيب في المنطقة.
• توفير الذرائع والمبررات لفرض العقوبات الدولية المتعددة الأطراف ضد خصوم محور واشنطن – تل أبيب.
بعد ذلك، تبدأ مرحلة ما بعد إضعاف الخصوم والتي من المفترض أن تتضمن إفساح المجال أمام إسرائيل لتتفاوض من موقع القوة مع خصومها الضعفاء وفقاً لصيغة السلام مقابل السلام، وإفساح المجال لواشنطن لتفرض سيطرتها المطلقة ليس على قدرات المنطقة وإنما لتوظيف واستخدام هذه القدرات في تحقيق ما أطلق عليه الخبراء تسمية "الهيمنة الكاملة الطيف". إضافة لذلك، فإن ما هو أكثر خطورة في الدبلوماسية الوقائية النووية الشرق أوسطية يتمثل في جهود استدراج القوى الكبرى والدولية للإسهام في الجهد الرئيسي الأمريكي وقد سعت واشنطن مؤخراً للقيام بالآتي:
• خلال لقاء قمة أوباما – ميدفيديف سعى الرئيس الأمريكي إلى حث الرئيس الروسي من أجل إسهام روسيا الفاعل في ضبط التسلح النووي وحظر انتشار الأسلحة النووية.
• خلال انعقاد مؤتمر الحوار الاقتصادي الاستراتيجي الأمريكي – الصيني الأخير سعى الطرف الأمريكي لإقناع الصينيين بضرورة الإسهام في جهود ضبط التسلح النووي وحظر انتشار الأسلحة النووية.
إضافة لذلك، تشير معظم المواقع الإلكترونية الخاصة بمراكز الدراسات الاستراتيجية المعنية بشؤون ضبط التسلح النووي وحظر انتشار الأسلحة النووية إلى وجود المزيد من التحركات الأمريكية الساعية للقيام بالآتي:
• إجراء بعض التعديلات الإضافية في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
• إجراء بعض التعديلات في مهام وصلاحيات وكالة الطاقة الذرية.
• إقناع الدول النووية الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بضرورة التوقيع على معاهدة خماسية تتضمن البنود الجديدة التي تلزم أطراف المعاهدة بإعطاء هذه الدول لبعضها البعض حق التدخل الاستباقي لمواجهة الخطر النووي دون الرجوع لمجلس الأمن الدولي.
على هذه الخلفية نلاحظ أن صيغة التوازن الدولي الدائمة على أساس اعتبارات وجود مجلس الأمن الدولي ومنظومة الدول الخمس دائمة العضوية التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) داخل المجلس، هي صيغ ستتعرض للتآكل والانفراط إذا حدث ونجحت محاولات محور واشنطن – تل أبيب لجهة تصعيد واستخدام الدبلوماسية الوقائية النووية الشرق أوسطية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد