الأسد: واشنطن تريد تحويل العراق قاعدة لضرب دول الجوار
في أول رد فعل رسمي سوري رفيع على »المعاهدة الاستراتيجية« بين بغداد وواشنطن، شدد الرئيس بشار الأسد، أمس، على أن المعاهدة تهدف إلى تحويل العراق إلى قاعدة لضرب دول الجوار، مكررا أن استقرار العراق لا يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الأجنبي له، داعيا العرب إلى »التصدي لأي محاولة لفرض اتفاقات تصادر سيادة العراق وأمنه، وتسيء إلى الأمن القومي العربي«.
وعبّر الأسد، في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح الدورة العادية الثانية للبرلمان العربي الانتقالي في دمشق، عن ارتياحه »للأجواء الايجابية في لبنان«. ودعا إسرائيل إلى تقديم »براهين« على رغبتها في السلام، مؤكدا أن الدولة العبرية لن تحصل على »أي تنازلات« من دمشق.
وأدان البرلمان العربي الانتقالي، في بيان ختامي لاجتماعاته برئاسة محمد جاسم الصقر، »بشدة العدوان الأميركي الآثم على منطقة البوكمال«، واعتبره »انتهاكا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وشريك هام وفاعل في مختلف المنظمات الدولية، وتهديدا للسلم والأمن الدوليين ونكسة للمساعي الدولية الهادفة إلى تحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط«. واقر تشكيل لجنة مصغرة لإعداد تقرير حول الخلافات العربية ـ العربية.
وأكد الأسد ضرورة العمل باستمرار على حل الخلافات العربية، معتبرا أن »التباين في المواقف الرسمية العربية لا يعكس تناقضا في المصالح، وإنما هو عائد بالدرجة الأولى إلى تباين التقديرات للدوافع الحقيقية التي تكمن وراء التطورات السياسية، خاصة الإقليمية، ولأبعاد المخاطر المرتبطة بها، أو للقراءات بمعايير متباينة للمشاريع الأجنبية المطروحة على المنطقة وكيفية التعامل معها«.
وأضاف الأسد أن »الزعماء العرب كثيرا ما
يتفقون على الأهداف، ويختلفون في المقاربات«، موضحا أن »هذا التباين، أو التنافر، ناتج عن غياب التواصل والحوار والتفاعل الإيجابي بين قياداتنا ومؤسساتنا«.
وكرر أن سوريا حرصت خلال الفترة السابقة على »التوافق مع الأشقاء العرب على أرضية الحفاظ على الحد الأدنى الممكن من التضامن بيننا، وسط هجمة معادية شرسة تستهدفنا جميعا، هوية ومصالح، ولكن من دون التسليم بالأمر الواقع كما يسعى الآخرون إلى فرضه، أو الانسياق إلى أوهام القفز فوق معطيات هذا الواقع مهما تكن الشعارات المؤسسة له، ومن دون أن يعني هذا التوافق أو التضامن المس بالثوابت والأسس لسياساتنا«.
وفي معرض استعراضه للمرحلة السياسية في السنوات الماضية، أوضح الأسد أن سوريا »وعلى الرغم من كل التهديدات والإغراءات، والحملات المنظمة واضحة الأهداف، من جانب أوساط معادية ردد أصداءها البعض من الأصوات العربية بهدف التشكيك في مواقفنا والتعريض بدوافعنا تحت عناوين الواقعية والمرونة والعقلانية، لم تفقد البوصلة أو الاتجاه الذي يحدد العناوين الأساسية للمصلحة القومية«، كما لم تفقد إيمانها »بقدرة العرب جميعا على استعادة زمام المبادرة والتأثير الفعلي في مجرى الأحداث«.
السلام
وكرر الأسد تمسك سوريا بالسلام العادل والشامل وفقا لقرارات الشرعية الدولية، والذي وضعه بمرتبة »الأهمية القصوى في استراتيجيتنا السياسية، ولكن في إطار استعداد الطرف الإسرائيلي لإقامة السلام، وإدراك ما يريده فعلا من الحديث عن السلام، وتبين مفهوم السلام الذي ينادي به أو يقبل به«.
وأشار الأسد إلى أن مواصلة عملية السلام، برعاية تركيا، كان سببه تمسك دمشق بخيار السلام الشامل كاستراتيجية، ووفقا لمعايير الشرعية الدولية والتمسك بحق العودة لخط الرابع من حزيران »من دون نقصان«، موضحا أن »هذا كله لا يجعلنا نغفل عن رؤية الحقائق في منطقتنا وما يتصل بها خارجها، وفي مقدمتها أن إسرائيل لم تلغ في يوم من الأيام فكرة العدوان من سياساتها، والتي يؤدي إليها خوف الإسرائيليين الفطري من السلام، خاصة في هذا الوقت الذي نشهد فيه تناميا سافرا لنزعات التطرف الديني والعنصري لدى الإسرائيليين«.
وأوضح »أنه حتى هذه اللحظة مازلنا نرى شعار السلام يستخدم كجزء من مفردات اللعبة السياسية الداخلية في إسرائيل، ويدخل عنصرا أساسيا في دوامة المناورات السياسية الخارجية التي تخفي من الحقائق أكثر مما تظهر«، معتبرا أن مثل هذه المناورات قد انطلت على قطاع واسع من الرأي العام الدولي، منبها إلى أن »الحقيقة الواضحة، كل الوضوح، أن السلام لم يكن الهاجس الأساسي للإسرائيليين، بل هاجسهم هو الأمن بالمعنى الضيق، أمنهم هم، الذي لا يتحقق في رؤيتهم إلا على حساب أمننا وحقوقنا نحن العرب«.
ورأى الأسد انه من »الضروري في هذه المرحلة إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي«، موضحا أن على إسرائيل الآن أن تقدم البراهين على ذلك، و»أن يعبّروا بالأفعال عن استعدادهم للسلام، وأن يعملوا على إقناعنا نحن العرب بذلك، فهم الذين يحتلون أرضنا ويعتدون على شعبنا«.
وأكد الرئيس السوري أن إسرائيل لن تحصل على أي تنازلات من سوريا، داعيا إلى عدم الغرق في الأوهام، والتمسك بالحقوق العربية، وبناء المزيد من القوة، معتبرا أن سياسة إسرائيل تدل »على أن السلام بالنسبة لهم هو عمل تكتيكي، وليس خيارا استراتيجيا«. وأضاف »كان علينا أن نبرهن في كل مرة بأن الانكفاء ليس قدراً محتوما على العرب. إن المقاومة بمعناها الشامل والمتكامل هي التي تمنح الأمان في وجه العدوان وتضمن تحقيق السلام«.
وفي الشأن اللبناني، عبّر الأسد عن ارتياح سوريا »للأجواء الإيجابية التي تلت مؤتمر الدوحة الذي وضع العناوين الأساسية للتوافق الوطني، وهيأ الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار في لبنان وتفويت الفرصة على المحاولات التي يبذلها البعض لضرب وحدته«.
وكرر الأسد »دعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين«، معتبرا أن »تحقيق هذا الهدف مرهون بوحدة الموقف الفلسطيني«. وجدد دعم دمشق »للحوار بين الفصائل الفلسطينية، واستعدادنا لبذل كل الجهود الممكنة لتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الحوار الذي تتحقق فيه وحده مصلحة الشعب الفلسطيني«.
»المعاهدة«
وأكد الأسد أن استقرار العراق »مسألة حيوية لاستقرار المنطقة«، معتبرا أن شرط تحقق ذلك هو »إنهاء الاحتلال الأجنبي، ومن خلال إنجاز المصالحة الوطنية بين أبنائه بمختلف انتماءاتهم، بما يكفل وحدة العراق واستقلاله، بعيدا عن التبعية أو الارتهان للإرادة الخارجية«. وشدد على دعم بلاده »لكل الجهود المبذولة لإنجاز الحوار الوطني، واستعدادنا لتقديم كل عون ممكن لإنجاز هذه الغاية«.
واعتبر الأسد أن »مسألة تعزيز الحضور العربي في العراق هي مسؤولية الجميع، سواء من خلال تدعيم العلاقات الثنائية أو من خلال مؤسسات الجامعة العربية، ولابد أن يكون الموقف العربي واضحا موحدا في التأكيد على ضرورة إنهاء الاحتلال والتصدي لأي محاولة لفرض اتفاقات تصادر سيادة العراق وأمنه وتسيء إلى الأمن القومي العربي بكليته«.
وفي إشارته للإنزال الأميركي في منطقة البوكمال في سوريا الشهر الماضي، أوضح الأسد أن هذا العدوان »يدلل على أن وجود قوات الاحتلال الأميركي يشكل مصدر تهديد مستمر لأمن الدول المجاورة للعراق، كما يشكل عامل عدم استقرار للمنطقة، ويؤكد بأن الاتفاقية الأمنية تهدف إلى تحويل العراق إلى قاعدة لضرب الجوار، بدلا من أن يكون سندا لهم، وبالتالي فإن إنهاء هذا الاحتلال في أسرع وقت هو ضرورة لاستقلال العراق الشقيق، كما هو ضرورة لاستقرار المنطقة«.
وتابع الأسد »أما قول الأميركيين بأن الانسحاب يخلق الفوضى، فجوابه من خلال منطقهم، ما هو الفرق بين انسحابكم وبقائكم، إذا كان الانسحاب يخلق الفوضى، فماذا يخلق البقاء وهل هناك شيء أسوأ مما نراه الآن في أي مكان في العالم. أما بمنطقنا نحن وليس بمنطقهم، فنقول بكل بساطة هذا كلام حق يراد به باطل يرمي للإيحاء بأن الشعب العراقي غير قادر على حكم نفسه وإدارة شؤونه، ويهدف بالنتيجة لإبقاء الاحتلال«.
وأشار الأسد إلى أن ما يتعرض له السودان منذ عقود هو »محاولات تقسيم حقيقية توازي نتائجها خطورة ما حصل في فلسطين العام ١٩٤٨«، داعيا العرب إلى الوقوف إلى جانب الخرطوم »وقفة حازمة غير مترددة، وأن ندين التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية مهما اتخذت من مبررات«، مشيرا إلى ضرورة »أن نضع مصالحنا الوطنية والقومية أولا وفوق كل اعتبار«.
وفي حين لم يشر الأسد إلى انتخاب الرئيس الأميركي باراك اوباما، اعتبر أن التطورات الدولية الأخيرة تشير إلى أن ثمة أجماعا دوليا على فشل نهج »هيمنة القطب الواحد« التي اتبعتها إدارة الرئيس جورج بوش، وأن العالم بدأ بالتفكير »بأسس مختلفة للعلاقات الدولية، حيث أثبتت العولمة التي تتجاهل حضارات ومصائر الشعوب فشلها«.
واعتبر الرئيس السوري أن »هذه المرحلة تشكل فرصة تاريخية للعرب إذا ما استطاعوا أن ينسقوا مواقفهم، ويوحدوا جهودهم لكي يصبحوا إحدى هذه القوى الإقليمية، خاصة في ضوء ما يتمتعون به من إمكانات اقتصادية وعوامل تاريخية وثقافية مشتركة تيسر فرص إقامة تكتل عربي إذا ما أحسن استخدامها«.
وفي إشارة ضمنية إلى الخلافات العربية مع إيران، قال الأسد »إذا كان التضامن العـــربي هو الوسيلة لاستعادة الوضع العربي الطبيعي، فإنه لا يكتمل من دون علاقات عربية سليمة منفتحة مع دول وشعوب وثقافات المنطقة، خـــاصة المجاورة لنا جغرافيا، والتي تداخل تاريخها مع تاريخنا وتـــمازجنا مـعها بشــريا وثقافيا لقرون طويلة«.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد