الأطفال والمراهقون السوريون مهووسون بألعاب الكومبيوتر...
اكتشفت لينا (العاملة في إحدى مؤسسات الاتصالات الاجنبية) ظاهرة إدمان ابنها البكر محمد على شبكة الانترنت في وقت متأخر، ما دفعها إلى تنظيم استخدام أبنائها لتلك الشبكة. وحاولت اشباع رغباتهم الحياتية بمجموعة من البرامج اليومية التي تناسب سن كل منهم وإدراكه.
اعتاد الكومبيوتر إحتلال مكانة بارزة في غرفة محمد، لكنه انتقل ليستقر في الصالون على مرأى من الوالدين ومسمعهم كما تقول لينا. وتضيف: «الفارق في السن بين ابني محمد (18 سنة) وفادي (ست سنوات) مكنني من تدارك المساوىء التي خلفها «هوس» محمد بالكومبيوتر والانترنت. في البداية اعتقدت أنا وزوجي الطبيب ان اتجاه محمد إلى الكومبيوتر وتعلقه به يوفران علينا مشكلة ملء أوقات فراغه بتخصيص بعض الساعات للتعامل مع هذه الآلة الذكية، خصوصاً اننا نعمل لساعات طويلة يومياً. ومع مرور الوقت اكتشفنا كم كنا مخطئين. لقد اصبح محمد انعزالياً ليس فقط مع اقاربه ومحيطه الاجتماعي، بل معنا في البيت أيضاً.
وفي البداية، اعتاد محمد أن يمضي ثلاث أو أربع ساعات على الكومبيوتر بعد تأدية فروضه المدرسية. ثم امتدت هذه الفترة لتصبح اكثر من ست ساعات متواصلة يومياً». وتشير لينا إلى «أن المفاجأة جاءت قبل شهور مع الانقطاع المتكرر في شبكة الانترنت في سورية نتيجة بعض الاعطال التي دامت أياماً، ما أدى إلى اكتشافنا عدوانية زائدة لدى محمد واكتئاباً وقلقاً وهروباً دائماً إلى مقاهي الانترنت».
لذا، أصبح طبيعياً عند لينا أن تكون اكثر حذراً في تربية ابنها الصغير فادي. وتقول: «لا أسمح له بالتعامل مع الكومبيوتر أكثر من نصف ساعة يومياً، ما أوجد علاقة ممتازة من التفاعل بينه وبين الكومبيوتر الأمر الذي فتح له آفاقاً تجعله واثقاً من نفسه لأنه يستطيع ان يعمل على الجهاز بنفسه. ثم انخرط في تجريب التعامل مع الأنواع المختلفة من الأجهزة الالكترونية».
والحق أن أرقام انتشار الكومبيوتر والانترنت في سورية لا تزال دون الطموح، وما زالت ضوابط كثيرة تحكم مسألة الاشتراك في الانترنت، إضافة إلى حجم المنع والحجب لبعض المواقع. وعلى ارض الواقع اصبح الكومبيوتر جزءاً من واقع الأسر السورية. وباتت سلبيات الحاسوب وايجابياته موضع نقاش عام، خصوصاً في الجامعات.
- يرى رئيس قسم أصول التربية في جامعة دمشق جلال سناد «ان موضوع الكومبيوتر والانترنت سلاح ذو حدين، الايجابي هو استخدام التكنولوجيا بوجهها الأصح للتواصل مع العالم ومعرفة ما يحدث علمياً ومعرفياً وتربوياً في لحظة وقوع الحدث نفسها... لكن الوجه السلبي هو استخدام الشباب والمراهقين مواقع إباحية وعدم استثمار جهدهم ومالهم في شيء مفيد، وبالتالي تخريب المفاهيم التي غرستها الأسرة في ذهن المراهق، وإمكان تحوله إلى شخص همه الوحيد الدخول إلى هذه المواقع والتعرف الى الشبكات ويصبح وقته مكرساً مئة في المئة لهذا النشاط». ويشير سناد إلى «ان هذه المتابعة تبعد الشاب عن المسائل الحياتية التي يجب النهوض بها في مدرسته أو مصنعه أو مع اقرانه، فيصبح معزولاً تماماً عن الحياة الاجتماعية».
ويعتقد سناد بـ «ان شبابنا يحتاجون إلى توجيه وارشاد تربوي أسري من طريق وسائل الإعلام والأسرة والجامعة ودور العبادة ويجب ان يكون هناك توجيه صارم وصحيح لاستخدام هذه الوسائل في شكلها الايجابي».
في المقابل، تعتقد ربا الخانجي مسؤولة مديرية تقنية المعلومات في «هيئة تخطيط الدولة» وعضو «الجمعية العلمية للمعلوماتية»، «ان ثقافة الاهالي تلعب دوراً في توجيه الاطفال، فإما ان يصبح الكومبيوتر اداة تعليمية تساعد على التركيز وسرعة الاستجابة، وإما أن يتحول إلى لعبة وأداة بحث في عوالم افتراضية لا تناسب سنهم أحياناً».
وأشارت خانجي التي تُدرّس مادة الكومبيوتر لفئتين عمريتين (6 سنوات و18 سنة) إلى ان العنف الذي يكتسبه الاطفال عبر ألعاب الكومبيوتر يترك تأثيرات كثيرة في شخصية الطفل ومستقبله. ولاحظت «ان الطفل المدمن على الانترنت من دون رقابة أو انتقائية يصبح أقل إحساساً بآلام الآخرين ومعاناتهم، وأكثر رهبة من المجتمع وأشد ميلاً إلى ممارسة السلوك العدواني، ما يزيد استعداده لارتكاب تصرفات مؤذية».
ولفتت إلى ان لعبة «فايس سيتي» Vice City (وترجمتها «مدينة الشر») التي اكتسحت السوق السورية بسعر 25 ليرة (اقل من نصف دولار اميركي) للـ «سي دي»، تركت آثاراً كبيرة خصوصاً لدى الاطفال الذكور الذين كانت تدرّسهم.
وأوضحت ان «فايس سيتي» عبارة عن لعبة تحتوي على مقاه وملاه وفتيات بغاء، وتعلم الطفل أو الشاب كيف يؤذي جيرانه ويقتل ويسرق السيارات. وأشارت إلى انها تحولت إلى إدمان لدى مجموعة من الطلاب، على رغم تحذيراتها لهم.
ولاحظ خالد صاحب أحد مقاهي الانترنت الناشطة في دمشق ان جلوس الاطفال لفترات غير محددة من دون رقابة وانتقائية على الانترنت، يفرز سلوكيات سلبية ابرزها الأنانية والعجز عن ضبط النفس لأتفه الاسباب وعدم التعاون مع الآخرين والتقليد الأعمى للآخرين في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي. وقال: «في المقهى نحاول ضبط الامور إلى أقصى حدّ ممكن، لكن لا نستطيع فرض رقابة صارمة على كل زبون».ولفت إلى «ان التأثيرات السلبية التي اكتشفها من تجربته التي امتدت ثلاث سنوات في هذا المجال، تظهر في العجز عن ضبط النفس، واللجوء إلى العنف بدل الحوار، والافتقار إلى الأمان، والشعور الدائم بالخوف والقلق».
وفي المقابل، أشار خالد إلى «ان التعامل مع الكومبيوتر يحفز عقل الطفل ويعزز لديه قيم الاستقلال في الرأي والرغبة في الحوار والميل إلى التفكير النقدي وانتهاز فرص التعلم الذاتي كما يوسع مدارك الطفل وينمي خياله ويرفع مستواه الثقافي والعلمي».
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد