عبد اللطيف عبد الحميد: عن السينما التي تشبهنا
علي محي الدين:
تعرفت على عبد اللطيف عبد الحميد حين كنت في الرابعة من العمر حينها ادخلني والداي السينما لأول مرة في حياتي لمشاهدة فيلم ليالي ابن آوى وقتها أدهشني المكان ولم يعلق في ذاكرتي الا جمال عيني أمي وهي تنظر إلى شاشة السينما ومشهد (تفعيس) موسم البندورة بأقدام ابو كمال أسعد فضة
و تكرست معرفتي بعبد اللطيف عبد الحميد في فيلم رسائل شفهية الفيلم الذي شاهدته في السينما خمس مرات وعلى شريط الفيديو كاسيت T7 من سوني عشرات المرات ،ومع كل فيلم لعبد اللطيف عبد الحميد يأخذك الى جانب من شخصيتك او شخصيات المحيطين بك ،هكذا بكل بساطة يظهر في مشهد في رسائل شفهية ليسأل عن الوضع على الجبهة و كفايتنا من مدافع البازوكا ، هكذا يتنبأ بالقادم في فيلمه الأول صعود المطر
كنبوءة محمد عمران في قصيدته الخالدة انا الذي رأيت !!!
عبد اللطيف عبد الحميد كان ينبش ذاكرتنا الجمعية ليخرج لنا اجمل ما عشناه فيها هكذا تعلق في الذاكرة سلمى وغسان وأبوكمال ،هكذا يصبح اسماعيل شخصية تمثل كل مهمشي الساحل و عاشقيه وهكذا ، تأخذ اغنية فيروز لملمت ذكرى لقاء الأمس بعدا آخر أكثر سحرا في نسيم الروح، و يصبح صدر وظيفة المجسد الاهم و الانقى لغريزة الإنسان الاولى الغير ملطخة بالقذارة كما قدمها في فيلم ما يطلبه المستمعون
هو من قدم عقد الطفولة الاولى وكأنه ثبت الكاميرا في ذاك الزمن ،بدء من التبول في الفراش قبل مرحلة البلوغ وصولا الى مص الإبهام و العبث بالشعر و لعنة الارتباط برجل عاجز كما في قمران وزيتونة و مرورا بمعرفة النهاية الحتمية للقصص الجميلة على بساطتها كما في نسيم الروح ، و سطوة الأيديولوجيا وعقدها كما في فيلم العاشق والجزم بتقدم الشهوة على الصداقة بين رجل بائس و امرأة وحيدة كما في فيلم خارج التغطية ، كل هذه الأفلام كانت زوايا من حياة عبد اللطيف عبد الحميد جزء مما عاشه و عايشه ، حاول أن يغير قليلا في لغته السينمائية انسجاما مع متطلبات البث الفضائي والرقمي فقدم لنا عزف منفرد و انا وانت وابي وامي و طريق النحل ووصلت نبوءاته لأن يكون أواخر افلامه افطار اخير كالعشاء الاخير و فيلم الطريق كختام رحلة
عبد اللطيف عبد الحميد هو من كان يجبرني على دخول السينما مع كل عمل جديد ، هو من جعل زهير رمضان خالدا في دور ابو غسان و فايز قزق اصبح اسماعيل مرتبطا به إلى الأبد هو من زاد حبنا لبليغ حمدي في نسيم الروح و قدم سلاف فواخرجي ولينا حوارنه بصورة مختلفة جدا ، هو من حفظ ذكريات برنامج فردوس حيدر ما يطلبه المستمعون وخلد اغنية سميرة توفيق حاسس بقلبي دقة و يا حمام الدوح لفهد بلان
حبه لفيروز كان عجيبا و توظيفه لتوليفة صوتها مع الحدث الدرامي كان رائعا
لولا جرأة عبد اللطيف عبد الحميد في تقديم ليالي ابن آوى لما رأينا لا العريضة ولا ضيعة ضايعة و لا حتى لعنة الطين ،هو من اخترق الجبل و كسرته نكسة حزيران حد أنها ظهرت صراحة او تلميحا في أكثر من فيلم عنده
عبد اللطيف عبد الحميد هو من يستعين بأيمن زيدان وسمر سامي في مطر ايلول و يمكنك رؤية بسام كوسا و نورمان اسعد و عبد المنعم عمايري و فايز قزق و فارس الحلو وبيير داغر في افلام اخرى هو من يشارك ممثلا في فيلم ليمنحه دفعة الى الامام كما في فيلم بانتظار الخريف لجود سعيد ،هو من لم يتنازل عن شغفه السينمائي رغم كل اغراءات الشاشة الصغيرة المادية ، وبقي وفيا للفن السابع ، الغريب انني منذ ايام كنت قد بدأت كتابة مجموعة مقالات عن افلام عبد اللطيف عبد الحميد علها تكون كتابا في السينما ولم أكن أعلم أنها مجرد اشارة لقرب رحيله الكبير !!!
عبد اللطيف عبد الحميد قدم السينما التي تضحكنا و تبكينا وتشبهنا نحن ابناء هذا الحيز من الجغرافيا الذي ترتبط فيه الصدفة مع الحاجة والدعاء فتولد المعجزة
هكذا يرحل ابو غازي دون ان ينشق كما اشيع عنه في ذاك الفيلم لجود سعيد، يرحل من بسبب افلامه رفقة كاسك يا وطن لدريد لحام اشترى ابي جهاز الفيديو منتصف التسعينات ،هكذا يرحل ابو ماريا مذكرا بقول العظيم ممدوح عدوان في آخر مقابلة معه: البناء ابني يكمله اما افكاري و نصوصي لن يستطيع احد اكمالها بعد موتي،
لذلك يرحل المبدع شابا ولو بلغ من العمر الف سنة
هكذا يرحل فؤاد غازي اول الحرب و يرحل عبد اللطيف عبد الحميد في اواخرها تاركين لنا ذكريات الدخول الى السينما في بلد لا مواسم سينمائية فيه، عبد اللطيف عبد الحميد كان السينما وضجيجها و جذبها لجمهور يريد أن يرى نفسه التي لا يستطيع الحديث عنها على الشاشة
عبد اللطيف عبد الحميد وداعا يا صديقي الجميل ، واعجبتني فكرة ذكر اصدقائي في ورقة النعي طوبى لمن حظي بشرف ان يذكر في ورقة غيابك الجسدي و خلودك الابدي يا صورتنا
إضافة تعليق جديد