الإسلام السياسي وتأثيراته في المنطقة وفي سورية خصوصاً
عقد مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) يوم الثلاثاء 26/7/2016 حلقة نقاش مع المفكر والمناضل الأردني ناهض حتر، بمشاركة الدكتور أحمد الدرزي وعدد من السادة الباحثين في المركز. وقد استُشهد المفكر حتر في عمان إثر اعتداء إرهابي آثم صبحية الأحد 25/9/2016، وكان من أبرز الناشطين والمدافعين عن سورية والمقاومة والمشروع النهضوي المشرقي. وننشر فيما يلي نص مداخلة المفكر الشهيد تحية له ولذكراه.
/ نص المداخلة/
هناك ثلاث مسائل هامة أود طرحها قبل الدخول في الموضوع الرئيس للجلسة:
الأولى: أن القاعدة الأساسية بالنسبة للتفكير العلمي والمادي تقول: لا يوجد أي دوافع عقائدية لأي دولة في العالم، لتقديم دعم سياسي لأي تيار أو جماعة. وبالتالي فإن ما يقوله المجتمع عن نفسه لا يعكس بالضرورة واقع هذا المجتمع، لذلك يتوجب التوقّف عن القبول بالأوهام التي نعيشها، وتتصل بواقعنا وبالإسلام السياسيّ، مثال ذلك "حركة حماس" التي قامت باستقطاب الجمهور العربي تحت ذريعة المقاومة، تبيّنَ أنَّ لها غايات أخرى، وتفعل الشيء نفسه دول إسلامية في المنطقة ، حيث أن الاستراتيجيات تقرر وفقاً للمصالح، ومن ثم تستخدم الأيديولوجيا لتنفيذها.
الثانية: الوزن النوعي للدول، ذلك أن النظرة الحالية للدول، تقوم على أساس ستاتيكي جامد (كمي مادي)، في حين أنه في الواقع تقوم النظرة على أساس ديالكتيكي (نوعي). فمثلاً نجد من خلال المقارنة بين روسيا وأمريكا من حيث الكم -وهي ستاتيكية- أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قوة كبرى، وكذلك روسيا فكلتاهما قوتان نوويتان، أما على مستوى الإنفاق العسكري فهناك فارق نوعي وهو تكلفة الجندي في كلا الجيشين، حيث أن تكلفة العسكري الروسي لا تتجاوز 10% من كلفة نظيره الأمريكي، كذلك فإن كلفة الأسلحة والذخائر في المعادلات العسكرية الروسية هي أدنى بكثير من نظيرتها الأمريكية.
يلاحظ في الانتخابات الأمريكية الحالية أنه ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، تنعقد الانتخابات بين أربعة أحزاب لديها سياسات متناقضة تماماً، وليس بين سياسات واحدة بوجهين، حيث برز خلال الانتخابات اتجاهان: الأول، اشتراكي ديمقراطي مثله بيرنارد ساندرز، والثاني، خطاب فاشي مثّله دونالد ترامب، وهذا يدل على عمق الصراع الاقتصادي الاجتماعي في الولايات المتحدة الناجم عن الأزمات الاقتصادية العالمية.
ورغم فشل التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، إلا أن فرض العقوبات بهدف التخفيض من مستوى معيشة المواطن الروسي، وبالتالي دفعه للاعتراض على سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تنجح، حيث أنَّ المواطنين الروس استمروا بدعم بوتين، لأن هناك مصالح استراتيجية لبلدهم. خاصة بعد أن أدركوا بلاهة فكرة غورباتشوف-يلتسين (روسيا الصغيرة مفيدة).
الثالثة: إن أول شرك نقع فيه هو معالجة الإسلام السياسي، من زاوية فكرية دينية من قبيل: (من إسلامي ومن غير إسلامي، من المتطرف ومن غير المتطرف، نحن الإسلام الصحيح أم الآخرون)، هذا الجدل لا يمكننا من فهم الإسلام السياسي، لأنه يناقش الأمر في حقل الإسلام السياسي نفسه، والقاعدة في هذا الخصوص أن كل تنظيم ينتصر عندما يستطيع أن يفرض عليك حقل نقاشاته، وهو ما حدث وفق قاعدة (إسلام جيد معتدل وإسلام متطرف)، لذلك يجب أن ننظر إلى الإسلام السياسي بكل أشكاله كأدوات إيديولوجية لقوى سياسية فاعلة على الأرض، والبحث في جذورها الاجتماعية فالحركات الاسلامية تتمحور في شكلين أساسين: "الوهابية" و"الإخونجية".
تهدف الحركة "الوهابية" إلى استعادة دور وسط الجزيرة العربية في تاريخ العرب عبر ربط التعصب القبلي بالديني، وتتوسل العنف الشديد لفرض برنامجها السياسي متمثلة بمرحلة الإسلام، وهذا الأسلوب فرض الخروج عليه عبر آليتين: التصوف والتشيع، للتلطيف من الطابع العنيف والصحراوي للإسلام السياسي ومن مصادفات التاريخ "اللئيمة" أن توجد ثروة هائلة بين أيدٍ بدوية متخلفة عبر النفط الذي أعطاها حماية أمريكية الأمر الذي سهل لها الانتشار.
لقد كيّفت المجتمعات المتحضرة في سورية ومصر والعراق الإسلامَ السياسيَّ على نحو حضاري أرادت البداوة هزيمته، وبعد عام 1973 انتشرت "الوهابية" على نطاق واسع حيث نشطت حركة بناء الجوامع بشكل واسع، وأسهم في ذلك عوامل عدّة من أهمها المال. وبدلاً من أن ينشر السوريون إسلامهم المتحضر، انكفأ البعض منهم إلى "الوهابية" لارتباط مصالحهم بالمال السعودي، بعد ذهاب الكثير من العمالة السورية إلى السعودية والخليج، وهؤلاء كانوا يعودون محملين بالمال وبالفكر الوهابي.
"رضخت" دول الحركة القومية العربية لهذه القوة، الأمر الذي خدم قيام السلام مع "إسرائيل"، وكانت مصر أول المنهزمين، حيث استعادت "الإخوان" والعلاقة مع "الوهابية"، أما سورية والعراق فقد قاوما في البداية، لكنهما انخرطا في الحملة الإيمانية، خاصةً في ظل تراجع الفكر النقدي، وهكذا انكسر "الإسلام المتحضر" وتراجع أمام "الإسلام المتطرف"، بقوة المال "السعودي – الوهابي"، ونتيجة ضعف التنمية.
وقد أُعلنت في العراق حركة إيمانية مهمتها فرض الإيمان، وبدأ تنظيم "داعش" الإرهابي مع الحملة الإيمانية لصدام حسين بداية التسعينيات، وكذلك في سورية بنيت آلاف المساجد ودور تحفيظ القرآن. كما أن العلاقة مع السعودية التي غضت فيها سورية الطرف كثيراً عن التجاوزات التي حصلت، تمثل جزءاً من تلك الحركة الإيمانية.
اليوم، وبالتزامن مع التراجع العلماني، وتراجع الحراك الثقافي، ومع تنامي الخطاب الإسلاموي، وبعد خمس سنوات من الحرب التي يشنها الإسلام السياسي على سورية، لا يزال الخطاب السوري غارقاً بأحاديث وجدالات من قبيل أن هذا ليس الإسلام الحقيقي، وذاك هو الإسلام الحقيقي وغيرها من السجالات.
يُعبّر في الإطار ذاته الحراك الذي ظهر في مصر في عشرينيات القرن الماضي، عن التصادم بين الريف وحركة نشوء المدن "الكوسموبوليتية"، حيث أن المنتقلين من الريف إلى المدينة يصابون بصدمة اقتصاديّة-حضاريّة، نتيجة الاندماج في المدن، وكان التعبير عن هذه الصدمة بحركة إيمانية تمثلت في انقيادهم وراء "حركة الإخوان المسلمين" التي تأسست بدعم مخابراتي بريطاني صريح، وما قدمته من خدمات لـ"إسرائيل" بتهجير اليهود من مصر عبر ضرب مصالحهم وضرب إصلاحات الرئيس جمال عبدالناصر وضرب الدولة السورية من خلال الدخول في اتفاقية "كامب ديفيد".
مثَّلَ "الإخوان المسلمون" أداة لمصالح اقتصادية لشرائح اجتماعيّة معيّنة، تعتقد أن عدم انخراط الرئيس الراحل حافظ الأسد في "كامب ديفيد" يجعلها تخسر مصالحها، وبحثاً عن تلك المصالح تبلور "الإخوان" في سورية وأعيدوا إليها تحت شعار المقاومة وفلسطين من خلال "حماس" وهنا كانت الطامة الكبرى.
وقامت "حماس" في السياق ذاته بحركة دعائية واسعة في المجتمع السوري نظراً إلى أنَّ لها أدوات على الأرض (متمثلة بالإخوان المسلمين)، وهذا يجعل من الواجب علينا أن ننظر إلى جذور "حماس".
إن "حماس" أحد الأسباب الرئيسة لما حدث في سورية، وكانت آلية من آليات إنتاج "الحركة الجهادية التكفيرية"، حيث قامت بتدريب سوريين، ووزعت الأموال واستخدمت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على نطاق واسع لهذا الغرض، وهذا الدور الذي لعبته "حماس" في سورية لقي قبولاً سوريّاً نتيجة "الضغط" الإيراني، الذي مكنها من الحصول على تسهيلات وامتيازات، وبالمقابل دفعت سورية ثمناً باهظاً بسبب ذلك.
والحقيقة أنَّ هناك تمفصلاً مفاهيميّاً بين الحركات الإسلاميّة، إذ إنَّ فكرة "الحاكمية" التي قالَ بها سيد قطب، مثلاً، وهي مصطلح يقصد به "إفراد الله وحده في الحكم والتشريع"، تحولت إلى مبدأ (الحاكمية باسم الله/ الحاكمية باسم ولاية الفقيه) في إيران، وغنيٌّ عن البيان أنّه منذ أن قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت هناك علاقات قوية مع التيارات الإسلاميّة بما فيها الإخوان المسلمون، بدلالة العلاقة بين حركة حماس وطهران؛ إلا أنَّ هناك ولا شك اختلافات جوهريّة بين فهم الإيرانيين وفهم الإخوان المسلمين للدين الإسلامي عامةً، ولمسألة التكفير خاصةً.
إذاً: إن "الإسلام الوهابي" دخل الى سورية عبر العلاقة مع السعوديّة وبسبب تراجع الفكر التقدمي، خصوصاً قبل الأزمة السورية حيث حدث جنوح سوري نحو "النيوليبرالية الاقتصادية" التي تتطلب فكراً "إسلاموياً"، وهذا يجعل المجتمع بحاجة في المجال الثقافي إلى فكر ينهي النظرة الطبقية للمجتمع، ويحكم الناس عبر الوعد بالجنة وتقديم المساعدات لهم، من خلال الجمعيات الخيرية.
وتتحدث، حاليّاً، الأدبيات "النيوليبرالية" في الغرب، عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، مقابل الامتيازات التي تحصل عليها، أما في المجتمعات العربية الإسلامية فتقع المسؤولية الاجتماعية على الإسلام السياسي (الجمعيات الخيرية).
يمكن تقسيم حقول السيطرة في الدولة السورية قبل الأزمة إلى ثلاثة أشكال:
الأول: سياسي وأمني ويتمثل بالسلطة الحاكمة؛
الثاني: اقتصادي برجوازي ويتمثل في الشركات المتحالفة مع الإسلامويين؛
الثالث: اجتماعي ثقافي ويتمثل بالإسلام السياسي.
إنَّ ما حدث في سورية أن القوة التي سيطرت على المجالين الاقتصادي والثقافي، قررت أن تسيطر على السلطة السياسية، كما أنَّ حجم الاستثمار العقاري لبناء المساجد والتسهيلات التي منحت لـ"حماس" في هذا الإطار وغيره من الإطارات، تصب جميعاً في هذا المسعى.
إنَّ حقول السيطرة التي ظهرت مسلحة في الحرب، كانت نفسها موجودة قبل الحرب، وتعكس أشكال السيطرة السابقة ذاتها، لكن بشكل سلمي.
إيران
يجب أن تستمر العلاقة مع إيران القائمة على أساس التعاون والتحالف، رغم أن هذه العلاقة كلفت سورية كثيراً، وقد تجلى ذلك من خلال:
أولاً: حماس (عبر دعمها وتسهيل تحركها الإيديولوجي)؛
ثانياً: التراجع عن الخطاب العلماني كون الحليف إسلاميّاً، وبالتالي تم تبني خطابه؛
ثالثاً: القبول بفكرة المقاومة الإسلامية (الربط بين المقاومة والإسلام)؛
رابعاً: الكلفة الباهظة جداً التي دفعتها سورية في الحرب العراقية الإيرانية، من خلال ما تعرضت له من قطيعة مع العالم العربي.
إذاً سورية تدفع ثمناً باهظاً نتيجة الارتباط بسلسلة مواقف إقليمية، وكلما ازداد الاعتماد على إيران وحزب الله في المعركة كلما ازداد التوتر لدى الطرف الآخر المعاكس أيديولوجياً.
إن الخطاب الذي يتحدث عن "أسلمة المقاومة" خطير جداً، وهو أحد أخطار الإسلام السياسي.
روسيا
إنَّ لدى روسيا تصوراً لحل الأزمة في المنطقة، وفي تصورها سورية لديها موقع مركزي (العامل النوعي) أهم من إيران وتركيا، وهي تفكر بمشروع غاز ضخم على المتوسط، لذلك فإن المشروع التنموي الروسي في المنطقة لا يتم إلا بإعادة التفاعل بين كلٍّ من سورية والعراق والصين وروسيا، بما يشكّل مركزاً اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً، لإعادة تكوين المنطقة وفق النظرة الروسية، "إسرائيل" هي جزء من هذه المنطقة، ومقاربتها تقوم على أن تنسحب "إسرائيل" حتى خط الرابع من حزيران، أي فرض نوع من السلام الواقعي معها، وهكذا يمكن الاستثمار في الغاز الجديد في المتوسط، وسيكون أنبوب الغاز الذي سيعبر عبر المتوسط واحداً ولجميع دول المنطقة.
قد لا نؤيد بالضرورة ما سبق، لكن هذه الجوانب تمثل سيناريوهات للمنطقة، يتوجب علينا التفكير بها. ولابد من إدراك أن "أسلمة سورية" يعني تفكيكها، كذلك إذا استمر وضع "الأسلمة" على ما هو عليه في تركيا فإن ذلك يعني تقسيمها (الأتراك 30 إلى 40% فقط)، وكذلك إيران، فمشكلة التنوع موجودة تاريخياً في سورية وفي كل المنطقة، ولكن في سورية تم خوض المعركة القائمة، على أساس مشكلة التنوع، وقامت سورية بوضع المنطقة كلها في الطريق الصحيح.
يشير السياق الطبيعيّ إلى أنه لا مستقبل للإسلام السياسي لا في تركيا ولا في إيران، والتعددية المشهورة بها سورية لها المستقبل وهي البديل لكل المنطقة.
إنَّ حجم إعادة البناء إذا ما تم الغاء "النيوليبرالية"، وتم تشجيع الصناعة والحماية الجمركية، سيمكن ذلك سورية من كسر الحواجز التي تعترضها على المستويين الإقليمي والدولي.
يتطابق الإسلام السياسيّ مع "النيوليبرالية"، بمعنى: أنه يشرع قيم "النيوليبرالية"، ويعطي الأولوية للسوق على المجتمع، ويعالج ذلك بالعمل الخيري، في المقابل فإن الغرب استخدم "النيولبيرالية"، وأصبح الاقتصاد السياسي شيئاً أساساً، وتم تهميش المجتمع فبرز للتغطية على ذلك ما يسمى المسؤولية الاجتماعية للشركات.
إضافة تعليق جديد