الاتحاد المتوسطي في المحادثات السورية - الفرنسية
الجمل: أصبحت مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط على وشك الانتقال إلى خطوة جديدة مع تباشير انعقاد القمة المتوسطية في العاصمة باريس بمشاركة الرئيس بشار الأسد والرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي، إضافة إلى لفيف من رؤساء البلدان المتوسطية.
* "دبلوماسية" وليد المعلم الوقائية:
تقول التسريبات والمعلومات الواردة من دمشق ومن باريس بأن وزير الخارجية السوري عقد اجتماعاً مع كل من كلود غيان الأمين العام للرئاسة الفرنسية والمستشار جان دافيد على خلفية زيارة المعلم لباريس التي هدفت إلى التحضير لقمة مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط واللقاء الثنائي الذي سيجمع الرئيس الأسد مع الرئيس ساركوزي. لقاءات المعلم مع الجانب الفرنسي تطرقت إلى الملفات الآتية:
• العلاقات الثنائية الفرنسية – السورية.
• ملف القمة المتوسطية.
وتقول المعلومات بأن الجانب الفرنسي أكد على:
• عدم جعل القمة بمثابة تطبيع مع إسرائيل.
• أن تسعى القمة إلى إنشاء التضامن بين ضفتي المتوسط.
• إعطاء فرنسا الضمان لجميع الأطراف العربية بعدم استغلال القمة وتوظيفها بما يسبب الإحراج للأطراف العربية.
أضافت التسريبات بأن زيارة الوزير السوري إلى باريس استطاعت القضاء على الرهانات القائلة باحتمال عقد لقاء سوري – إسرائيلي في باريس، وجعلت من الرهان على هذا الاحتمال ضئيلاً للغاية، وتقول التسريبات بأن من نتائج هذه الزيارة التأكيدات الفرنسية بعدم سعي باريس لإقصاء أنقرة والحلول مكانها في الوساطة التي تقوم بها حالياً عن طريق المحادثات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب.
ومن نتائج زيارة المعلم الحصول على تأكيدات فرنسية بأن تكون باريس منفتحة على كل الاحتمالات الإيجابية في العلاقات الفرنسية – السورية إضافةً إلى التأكيدات الفرنسية بالسعي من أجل بذل الجهود لإعادة إطلاق مفاوضات سوريا – الاتحاد الأوروبي.
* القمة المتوسطية وإشكالية العبور إلى بناء الثقة:
برغم اقتراب موعد القمة وجهود دبلوماسية المعلم الوقائية والتأكيدات الفرنسية وموافقة الجميع على القمة، برغم توجس الكثيرين يبقى أمام قصر الإليزيه مسؤولية الاضطلاع بإدارة أجندة القمة المتوسطية بشفافية ومصداقية عالية ولن تكون المسألة متمثلة في مجرد عقد القمة، وإنما في أن يؤكد قصر الإليزيه لقادة قمة المتوسط بأن باريس تعمل بمصداقية من أجل إنجاح مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط وبأن كل الأجندة موضوعة على الطاولة وليس تحت الطاولة. أما مخاوف الأطراف العربية والطرف التركي فهي مخاوف مشروعة بسبب:
• الرغبة في عدم استخدام القمة كبوابة خلفية تهدف إلى مساعدة إسرائيل في تجاوز الواقع القائم حالياً، والحصول على المزايا النسبية الجديدة التي تحقق لها المكاسب والمنافع التي عجزت عن تحقيقها لا بالوسائل العسكرية ولا بالوسائل السياسية والدبلوماسية.
• الرغبة في عدم استخدام القمة كمصيدة لإدراج أجندة "عبر المتوسط" ضمن أجندة "عبر الأطلنطي" لعدة أسباب:
* أن قصر الإليزيه كما ثبت من خلال الأزمة اللبنانية غارق حتى أذنيه في أجندة عبر الأطلنطي المتعلقة بالشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص التفاهمات السابقة على خط باريس – واشنطن التي أدت إلى تدويل الأزمة اللبنانية ومحاولة استخدامها كبوابة لمواجهة بين سوريا والمجتمع الدولي.
* إن قصر الإليزيه يرتبط بعلاقات على خط باريس – تل أبيب وهو أمر سيادي لا دخل لسوريا به، ولكن ما هو مطلوب في الوقت نفسه هو أن يكون خط باريس – دمشق منفصلاً تماماً وبعيداً عن التشويش الذي تقوم به تل أبيب.
* القمة المتوسطية وتفعيل بناء الثقة:
تطرق حوار الوزير المعلم مع الفرنسيين إلى ملف العلاقات الثنائية السورية – الفرنسية وكان اللافت للنظر أن الطرف الفرنسي أكد على أن إعادة إطلاق الحوار على خط دمشق – باريس مرتبط بشكل وثيق بحرص فرنسا على "احترام سيادة لبنان واستقلاله" واعتبار هذا الأمر بمثابة مفتاح السياسة الفرنسية في المنطقة. وبرغم تفهم الجانب الفرنسي لمبدأ "عدم خلط الأمور" فإن الإدراك الفرنسي للعلاقات السورية – الفرنسية ما يزال يتسم بقدر كبير من خلط الأمور وهو خلط واضح في مدى التطابق بين مفردات القرار الدولي 1559 وعبارة "احترام سيادة واستقلال لبنان" علماً بأن سوريا قد حددت موقفها نظرياً وعملياً إزاء احترام سيادة لبنان واستقلاله عندما سحبت قواتها من لبنان ورفضها للمطالب الفرنسية السابقة بالتدخل للمساعدة في انتخاب الرئيس اللبناني حيث بررت سوريا رفضها القيام بهذه المساعدة على أساس أنه يستند على الالتزام السوري باحترام سيادة لبنان واستقلاله وعدم التدخل في شأنه الداخلي، وذلك بعكس ما كانت تقوم به فرنسا نفسها عندما كانت ترسل وزير خارجيتها وكبار مسؤوليها من أجل عقد اللقاءات والاجتماعات وممارسة الضغوط على الساحة اللبنانية.
إن الإدراك السياسي الفرنسي الذي يربط ملف العلاقات السورية – الفرنسية وملف سيادة واستقلال لبنان إضافةً إلى إعطاء الأولوية للملف الثاني، واستخدامه كشرط مسبق يحدد تفعيل أو عدم تفعيل العلاقات السورية – الفرنسية هو إدراك سيترتب عليه استمرار إعادة إنتاج الخلافات والتباينات إضافةً إلى أنه سيضر بمكانة باريس ووزنها السياسي في الشرق الأوسط كطرف يحاول الظهور بمظهر النزيه والمحايد الذي لا يلجأ "لأجندة ما تحت الطاولة" ولا لاستخدام "المعايير المزدوجة" في علاقاته مع منطقة الشرق الأوسط مع ملاحظة أن باريس مطالبة اليوم قبل الغد إن أصرت على مشروطية استقلال لبنان أن تعلن أيضاً على مشروطية استقلال وسيادة الفلسطينيين على الأراضي الفلسطينية كموقف واضح إزاء علاقات باريس – تل أبيب، وأن تعلن بوضوح تأكيدها على احترام سيادة واستقلال سوريا إزاء علاقات فرنسا مع إسرائيل التي ترفض في وضح النهار تطبيق القرارات الدولية وتتمادى في انتهاك سيادة سوريا عن طريق الإصرار على احتلال أراضي الجولان بما يشكل انتهاكاً سافراً لوحدة وتكامل السيادة السورية فوق أراضيها.
صحيح أن باريس أطلقت مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ووجهت الدعوات للزعماء العرب وغير العرب لحضور القمة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت باريس تسعى إلى عقد القمة وقيام الرئيس ساركوزي بمخاطبة القمة ومطالبة ضيوفه بتقديم التنازلات، فإن الدبلوماسية الفرنسية تكون قد ارتكبت خطأً فادحاً قد يكلفها ما تبقى لباريس من مصداقية في المنطقة، وذلك لأن المطلوب هو أن تبادر باريس بتقديم التنازلات على الأقل بالبدء في تصحيح إدراكها للعلاقات السورية – الفرنسية، وبنودها وأجندتها الحقيقية بما يعزز العلاقات والروابط الثنائية بدلاً عن ربطها بالملفات الأخرى طالما أن دمشق لم تربط علاقاتها الثنائية مع باريس بالملفات الأخرى، وما أسهل أن تقوم دمشق بذلك إن رغبت!!
* القمة المتوسطية والدخول في عملية بناء الثقة:
تهدف عملية إعادة بناء الثقة إلى إزالة المخاوف والشكوك بين طرفي المتوسط وعلى وجه الخصوص:
• المخاوف والشكوك الموجودة على خط دمشق – باريس بسبب صراعات المنطقة وموقف باريس الموالي لواشنطن.
• المخاوف والشكوك الموجودة على خط أنقرة – باريس بسبب موقف باريس من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وموقف باريس من الأزمة القبرصية والصراع القبرصي – اليوناني والملف الأرمني.
ولا يقتصر الأمر على ملفات دمشق – باريس وأنقرة – باريس لأن لباريس ملفات كثيرة في المنطقة مازال معظمها إما معلقاً أو دخل مرحلة السخونة والتوتر بما في ذلك ملف العلاقات على خط باريس – بيروت الذي ما زالت باريس تتعامل فيه بانتقائية تركز على تقوية طرف وإضعاف الطرف الآخر!؟ وبالتالي إذا لم تعمل على إعادة التوازن وتصحيح اختلالات جدول أعمالها في بيروت وفقاً لتوازن القوى الميداني الحقيقي الموجود في لبنان فإن على قصر الإليزيه أن لا يندهش إذا أغلق اللبنانيون باب بيروت وأخرجوه من الشباك!
من الواضح أن القمة المتوسطية بسبب تعدد أطرافها وتعدد القضايا وتباينات المواقف حولها لن تستطيع في هذه المرحلة بناء الإجماع المطلوب لجهة حل مشاكل مثل الصراع العربي – الإسرائيلي والأزمة اللبنانية وأزمة الهجرة ومشاكل المغرب العربي مع إسبانيا وغير ذلك. ولكن الإنجاز وتحقيق النجاح المطلوب يمكن أن يتم عن طريق سياسة الخطوة خطوة وبالتالي فإن التركيز على تعزيز وتعميق الفهم والإدراك المتوسطي المتبادل إزاء القضايا والمواقف يمكن أن يشكل الخطوة الصحيحة اللازمة في هذه المرحلة وهي الخطوة التي يمثل الحوار المتبادل والتفاهم قوامها الرئيسي الذي لا بد منه لكي تستقيم الرؤى ويتم استئصال الإدراكات الخاطئة، وبالتالي فإن ما هو مطلوب الآن هو الاستمرار في تفعيل المبادرة عن طريق توسيع وتكثيف آليات الحوار المتوسطي عن طريق المزيد من المنتديات والمزيد من المؤتمرات والمزيد من ورش العمل والمزيد من التعاون في مجال الدبلوماسية الوقائية بالتشديد في هذه المرحلة على الدبلوماسية الثقافية التي أكدت البحوث والدراسات على أنها تشكل القوة الناعمة التي يمكن أن تربط حيالها الأطراف المتنافرة وعلى وجه الخصوص إذا كان تنافرها يمثل ما هو موجود حالياً بين ضفتي المتوسط.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد