التطورات النوعية في الحرب الأفغانية

22-12-2008

التطورات النوعية في الحرب الأفغانية

الجمل: برغم انشغال الأوساط الإقليمية والدولية بالأحداث الأخيرة لمدينة مومباي الهندية وتداعياتها، فإن المعلومات الواردة من المسرح الأفغاني تشير إلى أن الحرب الأفغانية ستشهد تطوراً نوعياً جديداً سيلقي أو أنه بدأ يلقي فعلاً بظلاله على الحسابات المتعلقة بالوضع الجزئي والوضع الكلي للحرب والصراع في شبه القارة الهندية.
* تكتيك حركة طالبان الجديد: استراتيجية ضرب المؤخرة:
تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة المعلومات والأخبار حول قيام بعض المليشيات والفصائل المسلحة بتنفيذ العديد من الهجمات والعمليات العسكرية الناجحة ضد قوافل نقل الإمداد لقوات الناتو وللقوات الأمريكية وقوات نظام حامد كرزاي المنصب أمريكياً. هذا، وأشارت التقارير إلى أن قوافل الإمداد قد تعرضت للهجمات وهي في طريقها إلى داخل الأراضي الأفغانية وخارجها.
تكتيك الهجمات الجديدة ينطوي على قدر بالغ من الخطورة بالنسبة لمستقبل أداء القوات الأمريكية وقوات الناتو العسكرية في ساحة الحرب الأفغانية وإذا علمنا أن طاقة خوض الحرب تعتمد على تأمين تدفقات الإمداد للقوات التي تخوض الحرب، فإن ضرب قوافل الإمداد سيترتب عليه تقليل إن لم يكن انقطاع الإمدادات عن القوات الأمريكية وقوات الناتو.
هذا، ومن المعروف أن كل معطيات العلم العسكري وعلم الحرب الحديثة وحتى القديمة تؤكد بكل وضوح على عنصر الإمداد باعتباره يشكل أحد أهم عوامل التفوق التي تساعد القوات في تحقيق الحسم العسكري النهائي.
* ماذا تقول التسريبات حول ردود الأفعال الأمريكية؟
استطاعت العناصر المسلحة الأفغانية خلال الأيام الماضية تدمير 106 شاحنات محملة بالإمدادات داخل الأراضي الأفغانية كانت في طريقها لإفراغ حمولتها
في القواعد الأمريكية وقواعد الناتو. وكذلك، فقد شنت هذه العناصر هجوماً كبيراً ضد أحد مراكز نقل الإمدادات داخل الأراضي الباكستانية وتحديداً في المناطق المجاورة لمدينة بيشاور الباكستانية.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات بأن النوعية ذاتها من الهجمات حدثت خلال الفترة الماضية وبالتكتيك ذاته ونوعية الاستهدافات ذاتها وذلك على وجه الخصوص خلال فترة الانشغال بأحداث مومباي وتداعياتها.
على هذه الخلفية، كما تقول التسريبات الأمريكية فقد بدأت التوترات تظهر أكثر فأكثر في أوساط قيادة القوات الأمريكية وقيادة قوات الناتو وعلى وجه الخصوص لأن هذه الإمدادات كان متوقعاً لها أن تعزز موقف الإمداد خلال فترة فصل الشتاء الذي أقبلت تباشيره في أفغانستان إضافة إلى أن نقل الإمدادات الجديدة سوف لن يكون سهلاً لأن وصولها إلى الأماكن والمواقع المطلوبة داخل أفغانستان سيكون صعباً ومكلفاً للغاية بسبب الطبيعة الجبلية الوعرة وظروف الجليد والشتاء القارص.
* البنتاغون ومستجدات المسرح الأفغاني:
تقول المعلومات الاستخبارية بأن القوات الأمريكية وقوات الناتو الموجودان في المسرح الأفغاني تحصلان على 75% من الإمدادات عبر ميناء كراتشي الباكستاني ويتم توزيعها على النحو الآتي:
• يتم نقل معظم الإمدادات من كراتشي إلى بيشاور ثم عبر ممر خيبر إلى كابول الأفغانية.
• يتم نقل بعض الإمدادات من كراتشي عبر منطقة كويتا إلى قندهار الأفغانية.
• يتم نقل الإمدادات داخل أفغانستان بشكل رئيسي عبر طريق رئيسي يربط العاصمة كابول بمدينة قندهار.
الآن على خلفية الهجمات الأخيرة فإن كل هذه الطرق أصبحت تحت خطر تهديد الهجمات وعلى ما يبدو فإن حركة طالبان الأفغانية (والباكستانية) إضافة إلى الحركات والفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى كعسكر طيبة وعسكر عمر وعسكر الجبار وجماعة صبح الصحابة.. إضافة إلى ميلشيات مناطق القبائل الباكستانية السبعة قد رتب المسرح جيداً للقيام بإغلاق الطرق والمنافذ بما يؤدي إلى شن حرب الإمداد عن طريق ضرب قوات المؤخرة ومنع تقديمها للسند الإمدادي لقوات المقدمة الموجودة في خطوط المواجهة داخل أفغانستان.
بكلمات أخرى، فمن المحتمل أن تؤدي هذه التكتيكات الجديدة إلى تحويل قواعد الاشتباك في الحرب الأفغانية بحيث يتغير تعريف العدو من القوات الموجودة في خطوط المقدمة إلى القوات الموجودة في خطوط المؤخرة وهذا معناه أن إدراك الحركات الأصولية المسلحة للعدو سيتغير بحيث يصبح الهدف الرئيسي مراكز وخطوط الإمداد والهدف الثانوي هو القوات الأمريكية وقوات الناتو المنتشرة في المسرح الأفغاني.
تقول التسريبات والمعلومات بأن البنتاغون يدرس حالياً إمكانية القيام ببعض التحركات العاجلة التي سيتوقف على نجاحها تأمين البدائل الممكنة لتمرير الإمدادات إلى داخل الأراضي الأفغانية دون المرور بالأراضي الباكستانية طالما أن باكستان أصبحت إحدى ساحات المواجهة العسكرية المحتملة المؤجلة وإن كانت قد بدأت مع المليشيات والفصائل المسلحة. أما البدائل فتتضمن الخيارات الآتية:
• استخدام الطرق البرية العابرة للقارة الأوروبية بدءاً من سواحل أوروبا الغربية مروراً بأوكرانيا عبر البحر الأسود إلى جورجيا عبر أذربيجان إلى آسيا الوسطى ثم شمال أفغانستان.
• إقناع الصين بتمرير الإمدادات عبر الأراضي الصينية وحتى مناطق غرب الصين ثم كيرغيزستان وأفغانستان.
• استخدام وسائط النقل البحري حتى المناطق الآمنة في جزر  المحيط الهندي كجزيرة سيشل ثم جواً إلى القواعد الأمريكية الرئيسية في أفغانستان وتحديداً قاعدة الباغرام.
من المعروف وربما المؤكد أن تحول الحركات المسلحة إلى قطع الإمدادات عن طريق ضرب القوافل ومراكز تجميع الإمدادات وإغلاق الطرق والمعابر هو اتجاه سيؤدي إلى زعزعة أداء القوات الأمريكية والناتو في القتال، لأن مذهبية هذه القوات تعتمد بالأساس على عنصر التفوق الإمدادي استراتيجياً وتكتيكياً وتقول الإحصائيات العسكرية البسيطة بأن الجندي في القوات الأمريكية أو قوات الناتو يكلف يومياً أضعاف ما كان يكلفه الجندي السوفيتي في المسرح الأفغاني، لذا لجأ البنتاغون إلى إجراء إسعافي سريع تضمن إرسال حوالي 40 آلاف جندي إضافي للقيام بمهام جديدة وتأمين قوافل الإمداد طالما أن أي تأخير في الإمدادات سيترتب عليه توريط القوات الموجودة هناك في مواجهة الشتاء الأفغاني الذي لا يقل تأثيره عن تأثير شتاء روسيا  على قوات نابليون التي انهزمت وخسرت الحرب.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...